لقد أمر الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين جميعًا بأن يتُوبُوا إليه وذلك لأنَّ المؤمن لا يخلو عمله من تقصير، ولا بدّ أن يحصل منه الخلل والزّلل، خلق اللهُ تبارك وتعالى ابنَ آدم، خطاء يُخطئ وخلقه نساء ينسى، وخلقه مفتنا تعترضه الفتنةُ حينًا بعد حين، لذا كان لزامًا عليهِ أن يجدد التوبة في قلبِهِ، والتّوبة هي الرّجوع إلى الله، فاللهُ تعالى يحبُّ من عباده أن يرجعوا إليهِ، وقال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ البقرة أي: الّذين يتوبون من ذنوبهم على الدَّوام، الّذين يُطهّرون قلوبهم دائمًا بالتّوبةِ والإنابةِ والرّجوع إليهِ سبحانه، وبيّن اللهُ تبارك وتعالى أنّه لا سبيل إلى الفلاح إلاّ بالتّوبةِ، فقالَ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ النور، وقد جعل القرآنُ النّاسَ جميعًا قسمين اثنين، لا ثالث لهما: تائبٌ وظالمٌ، فقال: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الحجرات: الّذين ظلموا أنفسهم بارتكابِ الخطايا وعدمِ التّوبةِ منها، فعرّضوها بذلك للعقابِ والعذاب . فاختر يا عبد الله! في أيّ الفريقين تكونُ؟ إمّا مع التّائبين، وإمّا مع الظّالمين، أمّا التّائبون فإنّ الله تعالى يقبلُهُم ويقبل توبتهم، ويفرح بهم فيبدّل سيّئاتهم حسناتٍ، وإذا داوموا على التّوبةِ فإنّ اللهَ يُحبّهم ويُقرّبهم، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ الشورى، وقال سبحانه: ﴿حم. تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ غافر، ﴿قَابِلِ التَّوْبِ﴾ لمن تاب، ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ لمن رفضَ التّوبةَ وأصرَّ على الذّنب. وقال عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه): «...لا يُتَابُ عَلَى مَنْ لاَ يَتُوبُ، ولاَ يُوَقَّ مَنْ لاَ يَتَوَقَّ». أي: لا يُصَانُ ولا يُحْفَظُ مَن لا يَصونُ نفسه ولا يَحفظها مِن الوقوعِ في المعاصي. وهذه الآيات والآثارُ تدلُّ على أنّ كلَّ مؤمنٍ محتاجٌ إلى التّوبةِ، وأنّ حاجتهُ إلى التّوبةِ فوقَ كلِّ حاجةٍ، إذا كان الأنبياءُ والرّسل يتوبون، مع أنّهم معصومون، فما بالكم بمن هو دُونهم، فهذا أفضلهم وإمامهم، وخيرُ النّاس وسيِّدهم، رسول الله يقولُ: «يا أيُّهَا النّاس! تُوبُوا إلى ربِّكُمْ فَوَاللهِ إنِّي لأَتُوبُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ في اليومِ مائةَ مرَّةٍ»، وهذا عبدُ الله بن عمر (رضي الله عنهما) يقولُ: «إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ الله في المجلسِ يقولُ: ربِّ! اغْفِرْ لي وتُبْ عَلَيَّ، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ. مائةَ مرَّةٍ». فلنتقي اللهَ ونتوبوا إليه وأخلصوُا لهُ في التّوبة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾، لِتَكُنْ توبتُكُمْ صادقةً خالصةً، لا تُريدون بها إلاّ وجه الله، وحذارِ من توبةِ المنافقين، الّذين يُظهرون التّوبةَ رياءً وسُمعةً إلى غيرِ ذلكَ من المقاصِدِ الفاسِدةِ، نسألُ اللهَ تعالى أن يرزقنا الصّدقَ والإخلاصَ. دعاء التوبة إلى الله اللهم إني أستغفرك لكل ذنب خطوت إليه برجلي أو مددت إليه يدي وتأملته ببصري، أو أصغيت إليه بأذني أو نطق به لساني أو أتلفت فيه ما رزقتني، ثم استرزقتك على عصياني فرزقتني، ثم استعنت برزقك على عصيانك فسترته علي، وسألتك الزيادة فلم تحرمني، ولا تزال عائدا علي بحلمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين... اللهم إني أستغفرك من كل سيئة ارتكبتُها في وضح النهار أو سواد الليل، في ملإ أو خلوة، في سرٍ أو علانية، فلم أستحيي منك وأنت ناظر إلي... اللهم إني أستغفرك من كل فريضة أوجبتَها عليّ في الليل أوالنهار، تركتُها خطأً أو عمدا، أو نسياناً أو جهلا، وأستغفرك من كل سنة من سنن خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، تركتُها غفلةً أو سهوا أو نسياناً أو تهاوناً أو جهلا... أستغفر الله وأتوب إليه مما يكرهه الله قولاً أوفعلا باطناً أوظاهرا، أستغفرالله وأتوب إليه..