يعد المسجد العتيق بولاية سعيدة، أول مسجد ومعلم ديني للعبادة شيّد في وسط المدينة العام 1885 بمنطقة وادي الوكريف المحاذي للحي الشعبي «بودية»، وإضافة إلى كونه تحفة معمارية وقيمة فنية نادرة استعمل خلال بنائها الحجر المصقول أثمن وأجود مواد البناء في تلك الفترة الزمنية، زاد هذا المعلم الديني رونقا وجمالا زواياه التي ترسمت وتجلت فيها المعالم الإسلامية. يتربع المسجد على مساحة مستطيلة تقدر ب1714 متر مربع، وتولت مؤسسة فرنسية الشروع في إنجاز المسجد وفق التقاليد المعمارية والهندسة الإسلامية في تلك الفترة الاستعمارية، كما يعد المسجد العتيق من أعرق وأقدم المساجد على مستوى التراب الوطني التي تشرف منذ زمن بعيد على تنوير الرأي العام وبسط سلطان الدين الإسلامي في مواجهة حملات التبشير المسيحي خلال الحقبة الاستعمارية على الخصوص. ويطل المسجد على أربعة واجهات ويضم فضاء للصلاة تزينه الأقواس المتعددة التي تتزين بالزخرفة الإسلامية البسيطة والتي عرفت مؤخرا عدة ترميمات شوهت منظرها، وقاعة لتدريس وتحفيظ القرآن الكريم للتلاميذ والطلبة الذين كانوا يتوافدون عليه من عدة مناطق من الوطن للتسلح بأمور العقيدة وأسس روح الشريعة. تتزين المساحات المحيطة بالمسجد بعديد الأنواع من أشجار الفاكهة والنخيل التي تزيد من جمال وروعة هذا المعلم الإسلامي، ويعد الإمام «غازي عبد القادر» رحمه الله من بين أوائل أئمة الدين والفقه الإسلامي الذين أدوا رسالتهم النبيلة ونشروا فضائل الأخلاق، وعلموا القرآن الكريم، وكونوا إطارات بلغت من العلم ما بلغت على مستوى هذا المسجد. يحكي تاريخ المسجد العتيق بمدينة سعيدة إنجازات أجيال مرت على هذا المعلم والصرح الحضاري، الذي يحفظ ذاكرتها المواكبة لأشد مراحل المعاناة فيها، إثر سنين الذل والاستعمار، مرورا بفترة الاستقلال والتحرر من العبودية والاستغلال وعيش سنين الرخاء والازدهار في حين لازال هذا المسجد يؤدي رسالته الدينية على نفس الوجه الذي شهدته كل الأجيال السالفة والحاضرة.