رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    الدخول التكويني جاء من أجل مسايرة التوجهات الكبرى للاقتصاد الوطني    مالية/دفع: الجزائر حققت "خطوات معتبرة" في مسار التحول الرقمي    صناعة : مجمع "ايفيكو" الايطالي يعرض مشروعا لتصنيع السيارات النفعية بالجزائر    مقراني: "قطاع التجارة بصدد إعداد قانون لضبط السوق وحماية القدرة الشرائية للمواطنين"    محروقات: توقيع مذكرة تفاهم بين وكالة "النفط" وشركة "غلف بتروليوم ليميتد" القطرية    تصفيات كأس إفريقيا للأمم 2025: الخضر يباشرون التحضير لمواجهة الطوغو بتعداد مكتمل    السيد العرباوي يستقبل سفير الجمهورية الإيطالية بالجزائر    تكوين مهني (دورة أكتوبر): آلاف المتربصين الجدد يلتحقون بمؤسساتهم التكوينية بغرب البلاد    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 41 ألفا و965    وزير التكوين والتعليم المهنيين يشرف بوهران على الدخول التكويني لدورة أكتوبر    الوزير الأول الصحراوي : قرار المحكمة الأوروبية "مكسب تاريخي لا رجعة فيه"    حوادث الطرقات: وفاة 24 شخصا وإصابة 1516 آخرين خلال أسبوع    المهرجان الثقافي الوطني لعكاظية الشعر الشعبي بمثابة المكافأة التي يستحقها أهل الشعر في الجزائر    العُدوان الصهيوني على غزّة كارثة    الجزائر بوصلتنا    الرئيس يأمر باستحداث هذه الوكالة..    جزائري يتوّج بجائزة أنغولا    الأهلي يعرض قندوسي للبيع    توقيع اتفاقية تقنية مع فيدرالية الفندقة والسياحة    ضخّ تدريجي للقهوة بالسعر المسقّف    12 سنة على وفاة الشاذلي بن جديد    الرئيس يستقبل سفيرَيْ الصين واليابان    انطلاق البرنامج الوطني للتظاهرات الرياضية    فرنسا تُرحّل مئات الجزائريين    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: أفلام وثائقية فلسطينية تنقل تفاصيل حرب الإبادة في غزة    معرض وطني للألبسة التقليدية بقسنطينة    تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية.. الشروع في الضخ التدريجي لمادة البن بالسعر المسقف في أسواق الجملة    كرة القدم/كأس الكونفدرالية الإفريقية: اتحاد الجزائر يفتتح المنافسة أمام اورابا يونايتد (بوتسوانا)    اجتماع تنسيقي بوزارة الصحة لمتابعة الوضعية الصحية بالمناطق الحدودية    حمدان: معركة "طوفان الأقصى" مستمرة على خطى الثورة الجزائرية المباركة    غرداية.. 9 اتفاقيات تعاون لتدعيم فرص التكوين عن طريق التمهين    قالمة.. الشروع قريبا في إنجاز أكثر من 2000 وحدة سكنية جديدة بصيغة العمومي الإيجاري    اجتماع مكتبي غرفتي البرلمان وممثل الحكومة.. دعوة لتعزيز الاستقلالين السياسي والاقتصادي للجزائر    محرز يخيّب الآمال    المجلس الشعبي عضو ملاحظ    لا زيادات في الضرائب    الحوار الوطني الذي كان قد أعلن عنه سيكون نهاية 2025    إجمالي ودائع الصيرفة الإسلامية لدى البنوك يفوق 794 مليار دج    الشعب التونسي ينتخب رئيسه الجديد في ظروف استثنائية    الاستلاب الثقافي والحضاري..!؟    مطالبة أطراف فرنسية مراجعة اتفاق 1968 هو مجرد "شعار سياسي"    فتح التسجيلات اليوم وإلى 12 ديسمبر 2024    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: عرض أعمال تروي قصص لتجارب إنسانية متعددة    رئيس الجمهورية يأمر بمتابعة حثيثة للوضعية الوبائية في الولايات الحدودية بأقصى الجنوب    رئيس الجمهورية يأمر برفع قيمة المنحة السياحية ومنحتي الحج والطلبة    خلال تصفيات "كان" 2025 : بيتكوفيتش يسعى لتحقيق 3 أهداف في مباراتي توغو    افتتاح مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    المنافسات الافريقية للأندية (عملية القرعة): الاندية الجزائرية تتعرف على منافسيها في مرحلة المجموعات غدا الاثنين    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: فيلم "ميسي بغداد" يفتتح المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يعود بعد 6 سنوات من الغياب.. الفيلم الروائي الجزائري "عين لحجر" يفتتح الطبعة ال12    بيتكوفيتش يعلن القائمة النهائية المعنية بمواجهتي توغو : استدعاء إبراهيم مازا لأول مرة ..عودة بوعناني وغياب بلايلي    أسماء بنت يزيد.. الصحابية المجاهدة    دفتيريا وملاريا سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل القاطنين    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيركيوليز في حظيرة العرب
نشر في السلام اليوم يوم 10 - 10 - 2011

رغم مرور سنوات طويلة على مشاهدتي لمسرحية الكاتب السويسري الكبير فردريك دورينمات “البطل في الحظيرة”، إلا أن أحداثها وإشاراتها وإيحاءاتها تظل تلح وتطل علي باستمرار، كلما قلبت فكرة يميناً كشفت تحتها عن معنى مختلف يساراً، لأظل أقلب وأتقلب، ليس مع أحداث المسرحية الرائعة فقط، ولكن مع أحوال بلادي، التي ربما توصِّفها هذه المسرحية التي كتبها أحد سكان الشمال، بأبلغ مما استطاع أحد من أبناء شرقنا الأوسط، وهنا قيمة الأدب الرفيع الذي يستحق عن جدارة وصفه بالعالمي، ليس بناء عن شهرة ذائعة، وإنما لقدرته على التعبير عن الإنسان وأحواله مهما بعد الزمان واختلف المكان. تحكي المسرحية (وعفواً إذا لم تسعفني الذاكرة بما يكفي الالتزام الصارم بنص ما جاء بها، وسأترك العنان لبعض من أفكاري وتأملاتي التي رافقتني عنها طوال تلك المدة الطويلة) قصة حظيرة أو مدينة تراكم فيها الروث على مدى حقبة طويلة، واختلط بالنفايات من كل لون وصنف، وتفاقم الأمر حتى غطت النفايات كل المكان، ولم يعد للبشر من منفذ أو مجال يتحركون فيه وقد سد الروث كل الطرقات والمنافذ، وحاولوا البحث عن حل يخلصهم مما هم فيه من كرب، فوجدوا أن الحل الأمثل هو الاستعانة بالإله هيركيوليز، لأن هذه المهمة العسيرة لا يستطيعها إلا الآلهة، خاصة أنه قد نما إلى علمهم أن الإله هيركيوليز كان في تلك الأثناء عاطلاً عن العمل، ومن المتوقع أن لا يترفع على مهمة حمل الروث وتطهير الحظيرة، وبالفعل قبل هيركيوليز المهمة وتحمس لها وشرع فوراً في الاضطلاع بها، حتى ينهيها في الوقت الذي كانوا قد حددوه له!!
عندما استعرض هيركيوليز مختلف الأساليب الممكنة للتخلص من تلال الروث والنفايات بكل ما تحوي من هوام وحشرات ضارة وثعابين سامة، والتي تكاد تطمر المدينة، لم يجد أفضل من أن يطلق عليها طوفاناً من المياه، يكسح أمامه كل الركام، وينهي المهمة في سويعات، فالتخلص الكامل منها الذي لا يبقي ولا يذر حتمي، لتصلح المدينة أو الحظيرة بعدها لسكنى كائنات حية، لكنه ما أن شرع في التنفيذ حتى أخبره مجلس المدينة أن عليه أولاً استخراج تراخيص وموافقات من جهات عديدة، مثل إدارة المياه والآثار والتراث، علاوة على وجوب موافقة مجلس الشيوخ، الذي يجب عليه أولاً دراسة تأثير إلقاء كل ركام الروث والمخلفات في البحر، مع احتمال تضمنه لأشياء ثمينة مادياً ومعنوياً مثل متعلقات الأجداد وثرواتهم ومدوناتهم الحاوية لكل كنوز الحكمة.
لم يجد هيركيوليز بداً من الرضوخ لتعليماتهم، واكتفى بحثهم على استخراج الموافقات اللازمة في أسرع وقت ممكن، حتى يستطيع إنجاز المهمة في الموعد الذي حددوه هم، لكن ما حدث أن المناقشات والمداولات طالت واستطالت، وظهرت محاذير عديدة، منها ما يمنع عملية التخلص من الروث والمخلفات من الأساس. . وزاد الأمر سوء ظهور أصوات بين الناس تتهم من يريدون التخلص النهائي من المخلفات بالخيانة، مقابل أصوات المرحبين بالخلاص من الاختناق الذي تسببه. . بالتدريج كانت تظهر المزيد من العقبات القانونية والتاريخية والاجتماعية أمام تنفيذ العملية، بالتوازي مع ازدياد المعارضة الشعبية لها، مع تصعيد لنبرة تهديداتها للراغبين في الخلاص من تلال القمامة التي تكاد تحجب ضوء الشمس، ثم تطورت الأمور إلى حدوث قلاقل وأعمال عنف وتخريب، وصارت الأحوال في المدينة وكأنها على حافة بركان، فيما هيركيوليز يقبع جانباً يتميز غيظاً وحنقاً، حتى انتهت الفترة المحددة له لإنجاز التطهير، فعاد الإله إلى جبل الأولمب وهو يسب البشر وغباءهم!!
لو تخيلنا أن الرائع فردريك دورينمات كتب مسرحيته خصيصاً لواحدة من دول الشرق الأوسط العربي، فهل كانت أحداثها من بدايتها إلى نهايتها ستختلف، أليس كل ما حوت المسرحية من إيحاءات ورموز له مقابله في واقعنا العربي، أو لسنا أغنى شعوب العالم بركامنا المقدس، والذي لا نتصور ولا نقبل حياتنا بدونه؟!! لقد تراكمت النفايات في المدينة كما هو الحال في بلادنا، إذ نحمل على كاهلنا كل ميراث الأجداد، دون أن نكلف أنفسنا تنقيته، والتخلص مما انتهت فترة صلاحيته، فصرنا مطمورين داخل ركام متنافر غير قابل للتوافق أو التفاعل، لنخرج منه بسبيكة تفيدنا في أي شيء، بدلاً من أن تكون مجرد ركام يخنقنا ويقف عثرة في طريقنا، بعكس شعوب العالم الحرة، التي تعتز أيما اعتزاز بتراثها، لكنها تحسن توظيفه، بعد فصل ما يصح تسميته “بالجزء المتحفي” منه، والذي لم يعد يصلح إلا لاطلاع الباحثين ودارسي الأنثروبولوجيا، وليحدث جدل مع الصالح منه، تفاعلاً مع حقائق ومتغيرات كل عصر، ليولد للأمم طاقتها الدافعة والكاشفة للأمام، لا أن يقعدها ويعوقها ويسد أمامها كل السبل!!
نحن نضج أيضاً مختنقين بحياتنا التي صارت لا تطاق كما كان أصحاب دورينمات، لكن هذا الضيق لا يدفعنا للمسارعة بالتخلص مما يسببه وهو هذا الركام، وإذا ما حاول أحدهم أن يخبرنا بضرورة كسح الروث والقمامة من بيوتنا وشوارعنا وعقولنا، لابد وأننا سنفعل كأهل تلك المدينة، ونتهمه بالخيانة والتفريط في كذا وكذا وكذا من قيم هي هويتنا وثوابتنا القومية. نلحظ أيضاً أن أهالي مدينة دورينمات عندما أرادوا حل مشكلتهم، كان الحل الذي وجدوه هو الالتجاء إلى الإله هيركيوليز، وهو حل متوقع بالطبع من أناس عجزة، تركوا نفاياتهم تتراكم عبر قرون، ولم يتعودوا على النهوض بأي إنجاز، ولماذا يكلفون أنفسهم عناء وجبل الأولمب بجانبهم يغص بالآلهة، ويستطيعون متى أرادوا الاستعانة بالإله لينجز لهم كل ما يطلبون؟!!. . هي وسيلة ورؤية أبوية، سواء كان الالتجاء إلى إله في جبل الأولمب، أو إله أرضي بطل مظفر وقائد ملهم، أو كان صاحب فضيلة أو قداسة، لديه مفاتيح الحكمة الكفيلة بتحقيق كل ما نريد ونحن في حالة استرخاء أو نوم قيلولة!! نرصد أيضاً لدى أهل مدينة دورينمات كما في بلاد العرب أن الناس ناقمة على أحوالها، لكن إذا ما كان الحل في التخلص مما تحتفظ به من نفايات فلا وألف لا، هم كما نحن نريد أن نتنفس وتنفتح أمامنا طرق الحياة، ونحن محتفظون بتراثنا وروثنا ونفايات كل القرون الغابرة، وهو ما رأينا أنه حتى الآلهة تعجز عن تحقيق هذا الحلم المستحيل!!
السؤال الذي يدور بذهني الآن هو: هل ستكون نهاية حلم الربيع العربي مماثلة لنهاية حظيرة دورينمات، ويغادرنا هيركيوليز ناقماً، تاركاً إيانا نستمتع بالاختناق بروثنا ونفاياتنا الحبيبة؟!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.