حلَّ شهر رمضان الكريم هذه السنة على المجتمع الجزائري برحمته و بركاته، وتزامن مع بدايات دخول فصل الصيف .... هذا الفصل الذي أضحى يمز رمضان الجزائريين في السنوات الأربعة الأخيرة، بعدما اعتادوا الصيام في فصل البرودة .. فصلي الخريف والشتاء ... ليعود بهم إلى ماضي أجدادهم الذين عاشوا هذه الفترة في صغرهم، فهل المجتمع يعيش الجو الرمضاني كما في السابق؟ وهل تغيرت صورته بين الماضي و الحاضر؟.... و كعينة من ولايات الوطن قصدت "السلام" ولاية بجاية لإستحضار روحانية هذا الشهر في المنطقة التي كرّس أهلها عاداتهم و تقاليدهم الراسخة أبا عن جد؟. في بجاية .. "حلاوة" رمضان في بساطة العيش .. توجهت "جريدة السلام" إلى ولاية بجاية المعروفة ببوجي التي تعني الشمعة، وبالضبط ببلدية القصر التي تبعد عنها بنصف ساعة تقريبا، للاطلاع على أجواء رمضان بالمنطقة، كانت الشوارع شبه خالية في الفترة الصباحية فلا تكاد تلمح أحدا، ومعظم المحلات كانت مغلقة لدرجة أن تتخيل نفسك في الصحراء الحارقة، بالصدفة التقينا بالحاج بشير ذو 67 عاما يمشي بخطواته المتثاقلة، نظرنا إليه مبتسمين فقال لنا :" قليل من يبتسم لك في هذا الحر ومع هذا الصيام فترى الكل مكشرا وجهه، فاغتنمنا الفرصة لنسأله عن أجواء رمضان فيما مضى ليقول: "أحلى ما كانت عليه أيامنا البساطة وحب المساعدة فرغم أن الحر شديد إلا أن الكل رحيم"، ليضيف: "كانت حياتنا في الماضي وخاصة أيام الاستعمار حياة بؤس وفقر، ما جعل الأهالي يعيشون في الحرمان، إلا أن أواصر الرحمة والترابط كانت تسود الأجواء الرمضانية، فالكل يتصدق على أخيه ولو برغيف من الكسرة .. كانت الهموم صغيرة حيث أن كل همنا هو ما نزرعه لنأكله، وأجمل ما ميّز تلك الأيام هي تلك المحبة بين الجيران، فالكل يسبق بجاره قبل نفسه، على عكس اليوم، نعيش في رفاهية وكل شيء متوفر إلا أن رمضان ولاَّت ما عندوش بنة". وفي نفس السياق تقول الحاجة أ.ط ذات 89 عاما التي استضافتنا في بيتها: " زمان يا بنتي رمضان عندو ريحتو، نشفى كنت في شبابي أرعى الغنم وأجلب الحطب وأنا صائمة وأعود لتجهيز الطعام، صحيح حياتنا كانت شاقة وكان الصوم يتعبنا بسبب صعوبة الحياة، لكن كنا نفرح عندما يحل رمضان لأنه شهر البركة والغفران"، وتضيف محدثتنا: " كانت أيام الماضي أيام شقاء وتعب خاصة وأني عشت فترة الاستعمار، ففي مثل هذه الفترة من السنة كان يحل موسم الحصاد، وكنا نعمل حتى في شهر الصيام، منذ ساعات الفجر الأولى ومن دون إصدار أي ضجيج لأنه بمجرد سماعنا سينزل المستعمر إلينا ليسألنا عن سبب قيامنا بعمل الرجال وأين هم أزواجنا، هل هم في الجبال يجاهدون؟، ليبدأ وبتعذيبنا بعدها، لكن كنا صامدات. ثم في نهاية يومنا المنهك كان إفطارنا على نوع واحد من الطعام. أما الآن فالحياة تغيرت وأصبحت الحاجات متوفرة والمرأة ترقد حتى الظهر لتقوم بتحضير وجبات بسيطة ومتنوعة". من جهتها تقول ليندة ذات 47 عاما أنها تتذكر تلك الأيام التي تضطر فيها إلى المجيء مع أهلها من مدينة بجاية إلى قرية بنور في شهر رمضان بحكم عمل والدها، ما يحتم عليها ملأ جرة المياه كل يوم من المنبع الطبيعي البارد قبل دقائق من الآذان، بسبب انعدام الثلاجة. بعد الأذان تكتظ الشوارع .. بعدها انتظرنا إلى ما بعد أذان المغرب أين بدأت الشوارع تكتظ بالناس من نساء وأطفال ورجال وشيوخ، كل يذهب في سبيله، فمنهم من يقصد المساجد لأداء التراويح ومنهم من يزور الأهل والأقارب، ومنهم من يخرج للتّفسح والتنزه، ومنهم من لا يبارح المنزل حتى لا تفوته إحدى الحلقات من المسلسلات الرمضانية. وهذا ما أخبرتنا به كنزة ذات 25 عاما أنها وأمها خرجتا اليوم لزيارة العمة إلا أن شقيقتها الصغرى رفضت مرافقتهما حتى لا تفوتها حلقة اليوم من مسلسل يبث على إحدى القنوات العربية. وتقول تسعديت أم البنت: "عييت ما نحلل فيها ما حبتش" مضيفة: "إن رمضان اليوم تحول عند الكثير إلى سهر وترفيه وجلوس أمام الفضائيات حيث تجتهد كل القنوات بهذا الشهر بتقديم المسلسلات والبرامج التي تنافس بعضها، لعَرض كل ما هو جديد من مناظرلا تتناسب مع هذا الشهر الفضيل، ما أفقده حلاوته". بعدها التقينا بحكيمة ذات 52 سنة التي قالت أنها لا تفوتها أي صلاة في شهر رمضان بما فيها التراويح، وأنها ضد الإسراف في الطعام والذي يعتبر تناقض مع شهر الرحمة فهو هدر وتبذير، لأن رمضان شهر الصيام والقيام، شهر العبادات والطاعات وليس شهر التبذير والإسراف والسهر ومشاهدة المحرمات، وتضيف: " صحيح أننا نعيش برفاهية ونتفنن بإعداد موائد الإفطار، ونحرص على تنويع محتواها لكن دون تبذير، ومع هذا كله فان أيام الماضي أفضل بكثير، فقد كانت تجمعنا علاقات حميمية ومودة وألفة مع الجيران والأقارب، لكننا نعيش اليوم في وضع بائس، فلا يحب أحدنا الآخر ولا يتمنى الكثيرون الخير لغيرهم". جيل الليل والسهر .. تقربنا من بعض الشباب لنسألهم عن أجواء رمضان في الوقت الحالي وعن ما يحكيه لهم أجدادهم فيما مضى، لنُذهَل بما أخبرونا به، فأغلبهم قالوا نحمد الله على أننا لم نعش في تلك الفترة، فلا تتوفر الحياة على أدنى شروط المعيشة. وهذا ما أكده لنا يوبى 19 عاما أن حياة أجداده لا تتوفر على أي تكنولوجيا تسمح له بالتسلية، فلا تلفاز للمشاهدة ولا مبرد هوائي ولا ثلاجة ولا إنترنت... فالقائمة حسبه طويلة والعيش في تلك الفترة أمر مستحيل، ويشاطره الرأي لونيس صاحب 20 سنة أنه لا يستطيع تخيل الحياة بصفة عامة ولا شهر رمضان بصفة خاصة دون وجود وسائل الرفاهية، فهو يتشوق إلى رمضان فقط من أجل التنزه ليلا والسهر مع الأصدقاء، فهي حسبه أيام لا تنسى. أما نسيم ذو 23 عاما فقال:" صحيح أقوم بالسهر مع أصدقائي لكن بعد أدائي لصلاة التراويح التي لا تفوتني أبدا، فرمضان شهر التوبة ومضاعفة الأجر"، وهذا ما قاله محدثتا الحاج بشيرأن جيل اليوم هو جيل الليل والسهر فهو يتناسى فضائل الشهر الكريم وفضائل قراءة القرآن فيه. لتبقى سنة الحياة مبنية على التغير والتبدل فعادات تبقى وتقاليد تنقرض، لكن المهم أن لا يكون التغيير إلى الأسوأ باعتباره أمر غير محمود، خصوصاً إذا تعلق الأمر بشهر رمضان المبارك، بما يتميز به من روحانية وقدسية.