كشفت قضية استفادة عدد من نزلاء سجن البليدة من شهادات تكوين "صورية" تم بموجبها استفادتهم من العفو الرئاسي في الخامس من جويلية 2015، عن فوضى في تسيير المؤسسة العقابية وظروف غير ملائمة لإستقبال المساجين بناء على تقارير سوداء رفعتها منظمة عالمية تابعة للأمم المتحدة. إلتمس أمس وكيل الجمهورية لدى محكمة البليدة توقيع عقوبة 10 سنوات حبسا وغرامة بقيمة مليون دينار في حق إطارات بسجن البليدة، ويتعلق الأمر بكل من "ق. فتحي" المدير العام للسجن منذ سنة 2009، "ب.عبد اللطيف" مدير مصلحة إدماج المساجين، "ب.سليمة" موظفة في نفس المصلحة، "ل.نصيرة" مدير المركز المهني والتمهين بأولاد يعيش، "ط.سليمان بوعلام" أستاذ في نفس المركز، "ش.محي الدين" موظف بالمركز، فيما أدين ستة مساجين بذات المؤسسة العقابية بعقوبة ثلاث سنوات وغرامة مالية بقيمة 100 ألف دينار. ويواجه إطارات السجن ومركز التكوين المهني تهم التزوير واستعمال المزوّر في محررات إدارية، تحرّي إقرارات غير صحيحة، وتسليمها لأشخاص دون وجه حق، إضافة إلى استغلال الوظيفة، وذلك بعد ثبوت استفادة عدد من نزلاء السجن من شهادات تكوينية مزوّرة بهدف الإستفادة من إجراءات العفو الرئاسي. وانفجرت القضية بناء على زيارة ميدانية من مديرية إدارة السجون لسجن البليدة، بعد ورود معلومات تؤكد أن المدعو "ق .جمال" المتهم في قضية الخليفة التي سبق أن فصلت فيها محكمة الجنايات بمجلس قضاء البليدة في شهر جوان من سنة 2015، استفاد بطريقة غير مشروعة من العفو الرئاسي الصادر في 5 جويلية 2015 بناء على شهادة تكوين"صورية" تحصل عليها دون إجراء تربّص. وبسماع المتهم "ق.جمال" المعروف بالذراع الأيمن لعبد المؤمن رفيق خليفة تم اكتشاف عدد آخر من المساجين الذين استفادوا من العفو الرئاسي بنفس الطريقة. وكشف التحقيق تواطؤ مسؤولين بسجن البليدة ومسؤولين بمركز التكوين المهني لأولاد يعيش من خلال إدراج أسماء سجناء في قائمة بداية الدورة ونهايته في فترة لم يكن فيها السجناء نزلاء في المؤسسة العقابية للبليدة، على حد ما خلص إليه التحقيق النهائي. وأوضح وكيل الجمهورية خلال مرافعته، أن الزيارة التي قامت بها إدارة السجون للمؤسسة العقابية بالبليدة، تندرج في إطار مبادرة إصلاح السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين التي انطلقت سنة 2005 بهدف إعادة إدماج المسجون منعا لإعادة ارتكابه للجريمة، موضّحا أن التكوين في المؤسسة العقابية ليس غرضه المباشر هو الإستفادة من العفو الرئاسي وإنما الإستفادة من تكوين كعامل محفز من شأنه تخفيض العقوبة ما يساعد المسجون على الإفراج حسب حالته. وخلال مثوله للمحاكمة، أنكر"ق"فتحي" مدير المؤسسة العقابية بالبليدة تهمة التزوير واستعمال المزور وإستغلال الوظيفة موضّحا في تصريحاته أمام قاضي الجنح أن "ب. عبد اللطيف " وبصفته رئيس مصلحة إعادة إدماج المساجين هو المسؤول عن الشهادات التكوينية لنزلاء السجن، مفندا ما جاء على لسان الأخير بخصوص تلقيه أوامر مباشرة من مدير السجن بهدف إدراج أسماء سجناء في قائمة المتربصين خلال الدورة التكوينية لفيفري 2015. علاقة متوترة بين مدير السجن ورئيس مصلحة الإدماج وسأل القاضي مدير السجن بخصوص العلاقة المتوترة التي كانت تجمعه برئيس مصلحة إدماج المساجين لمدة ست سنوات، فأكد أن المسؤول عن إدماج المساجين سبق أن وجهت له إنذارات بسبب الإهمال في العمل، مؤكدا أنه معين بمرسوم تنفيذي ويشغل منصبه منذ سنة 2010، في وقت تؤكد مصادر أن مدير السجن سبق أن رفع تقرير برئيس مصلحة إدماج المساجين السابق ما تسبب في تحويله، كما كتب تقرير بالمتهم "ب.عبد اللطيف" كان سببا مباشرا في تعيينه بذات المنصب. السجن مؤسسة شبه عسكرية وأشار المدير في تصريحاته، أن مهامه محدّدة وفقا لمرسوم تنفيذي المتعلق بتسيير المؤسسات العقابية في الجزائر، حيث يشرف على تسيير ثمانية مصالح، وتنحصر مهامه في التسيير الأمني للمؤسسة العقابية لكونها مؤسسة شبه عسكرية إضافة إلى التسيير المالي، فيما يتولى مدير مصلحة إعادة إدماج المساجين مهمة التعليم والتكوين والنشاطات الدينية والرياضية والثقافية في السجن. ولم يجد مدير السجن استفسارا لحالة "ق.جمال" الذي حوّل من سجن البرواقية رفقة باقي المساجين المتابعين في ملف قضية الحال في 18 افريل من سنة 2015 ليجد نفسه في قائمة المعفى عنه، بعدما استوفى عقوبة 10 سنوات سجنا بقرار نهائي صادر عن محكمة البليدة بقي منها 17 شهرا فقط على انقضاء مدة العقوبة، وذلك على أساس أنه حصل على شهادة طبخ جماعي خلال فترة وجوده في سجن البليدة. ملف تربص بدون طلب خطي وكشف التحقيق بخصوص المتهم المذكور آنفا أنه لم يودع طلب الاستفادة من دورة تكوينية في دورة فيفري 2015، فيما يضم ملفه طلبا خطيا يجهل مصدره، رغم أن الخبرة كشفت أن الخط الذي كتب به الطلب يشبه خط المتهم "ق .جمال" فيما كانت البصمة غير واضحة ما عرقل مهمة انجاز خبرة علمية عليها. وبرر المدير الأمر بأنه خارج مهامه، غير أن القاضي واجهه بصلاحياته في المراقبة وإمضاء المحاضر وكذا الاستدلال بالوضعية الجزائية لكل مسجون قبل إمضاء المحاضر. وأوضح مدير السجن، أن ملفات التكوين تتألف من شهادة مدرسية، شهادة ميلاد، طلب خطي ومطبوعات يتم ملأها تتعلق بوضعية المحبوس، ويتم إيداع الملفات في آجال محددة بعد الإعلان عن فتح باب التسجيلات للمساجين، حيث يتم جمعها وتحول إلى مركز التكوين المهني لمباشرة التكوين، مضيفا " أن المحضر الممضى ليس وثيقة رسمية بالنسبة لشهادة التكوين" و"أن المدير المركزي لإعادة الإدماج والشؤون الإجتماعية المكلف بالتحقيق في القضية لم يحرر محضر سماع، ليتم تحويل الملف مباشرة للعدالة دون الإطلاع على القوانين المنظمة للمؤسسات العقابية ". الذراع الأيمن للخليفة له الحق في العفو الرئاسي وأكد مدير سجن البليدة، أن المتهم "ق.جمال" له الحق في الإستفادة من العفو الرئاسي لأنه الحكم الصادر في حقه نهائي ليس محل طعن، كما أنه استفاد من عدة شهادات تكوينية خلال الفترة ما بين 2007 إلى 2015 خلال تواجده بسجن البرواقية، مشيرا إلى أنه أعيد إلى السجن بعد انفجار القضية ب"طريقة تعسفية". من جهته، أكد "ط.عبد اللطيف" رئيس مصلحة إعادة إدماج المساجين، أنه يشرف على عملية التكوين والإدماج والإشراف على قناة الورود المخصصة لمساجين سجن البليدة، منكرا تورطه في القضية، كما أنكر عمله بمصدر الطلب الخطي المودع في ملف المتهم "ق.جمال"، موضحا أنه تلقى أوامر من مدير السجن من أجل إدراج اسمي مسجونين آخرين في قائمة المتربصين التي تم إعدادها مخصصة لدورة فيفري 2015 ويتعلق الأمر بكل من "ش .حمد" المتعب في قضية سرقة وحكم عليه ب10 سنوات جسنا بمحكمة الجنايات بمجلس قضاء البليدة و"م .ابراهيم " المتابع في قضية إصدار صك بدون رصيد بقيمة أربعة ملايير سنتيم. وهو ما أكدته المتهمة "ب .سليمة" التي أوضحت أنها تلقت أوامر من رئيس مصلحة إدماج المساجين لإدراج الاسمين المذكورين في القائمة التي تم تغييرها عدة مرات، قبل إرسالها إلى مركز التكوين المهني بأولاد يعيش. وتبين من التحقيق أن المتهم "م.ابراهيم " دخل السجن في نوفمبر 2014 فيما تم إدراج اسمه في قائمة المتربصين لدورة أكتوبر 2014، فيما لم يكشف التحقيق عن المسؤول الذي أدرج أسماء باقي المتهمين في قوائم المستفيدين من التربّصات. مديرة مركز التكوين المهني لأولاد يعيش: "ملفات المساجين تحظى بسريّة تامة ولا علم لي بالوقائع" أنكرت "ل.نصيرة" مديرة مركز التكوين المهني والتمهين بأولاد يعيش بولاية البليدة لم تستلم ملفات المساجين المستفيدين من التربصات، على أساس أنها تتميز بطابع من السرية، مؤكدة أن الأستاذ "ط.سليمان.بوعلام" كان يتنقل إلى المؤسسة العقابية لتدريس المساجين في الساحة تخصص طبخ جماعي لمدة أربعة أشهر بمعدل مرتين في الأسبوع، وهو ما أكده الأستاذ المذكور خلال سماع أقواله من قبل قاضي الجلسة، غير أن المساجين المستفيدين من الشهادات أنكروا استفادتهم من أي تربص يذكر منكرين معرفة الأستاذ المذكور، وهو نفس ما ذهب إليه مدير إدماج المساجين الذي أنكر قدوم أي أستاذ للتدريس عدا أستاذة تعليم الإعلام الآلي مبررا ذلك بقلة الإمكانيات، نظرا لوجود قاعة واحدة بمساحة 15.99 متر مربع يتداول عليها 220 نزيل مستفيد من التكوين. المدير السابق لسجن البليدة يكشف: 70 بالمئة من نزلاء سجن البليدة مصنفين في خانة خطر كشف "ق.فتحي" مدير سجن البليدة سابقا، أن المؤسسة العقابية التي يزاول بها مهامه منذ سنة 2009 لها مميزات خاصة عرقلت مهمة التسيير حيث تمض المؤسسة 1200 نزيل 70 بالمئة منهم من تم تنصيفهم في خانة خطر. مشيرا إلى أن المساحة المخصصة لكل نزيل بالسجن المذكور لا تتجاوز 0.66 متر مربع، حسب تقرير رفعته منظمة تابعة للأمم المتحدة، وهو الجو الذي قال المدير خلال محاكمته إنه خلق جوا من التوتر وطريقة تسيير صارمة، يضيف مدير السجن " كنت أشرف بنفسي على التفتيش في كل عملية تحويل للمساجين تفاديا لأي تجاوزات".