من طبيعة القوى الغربية المهيمنة على القارة الإفريقية والعالم العربي أن لا تترك بلدا كبيرا ذا مهابة واقتصاد وتطور مستمر إلا وعملت على تفتيت كيانه. وكانت أعادت إلى الأذهان عمليتا التوغل التجسسي من طرف عملاء الموصاد والعملية الإرهابية التي أقدمت عليها جماعة ليبية في إليزي أن الجزائر لا تزال في منطقة الخطر وأنها مهددة من حدودها كلها لا سيما من ليبيا إذ تتمركز فيها الميليشيات الإرهابية التي بلغ أفرادها 200 ألف فرد بحسب مصادر أمنية موثوق بها إلى درجة أن وزير الخارجية الليبي السابق قال منذ يومين أن "أكبر خطر يهدد الجزائر حاليا هي الميليشيات الليبية". القوى العظمى تخطط لتفتيت كل بلد عربي ذات الشوكة ماذا يعني أن تصبح الجزائر أكبر بلد إفريقي وعربي؟ لعله يغيب عن الكثير من الناس أن الجزائر أكبر بلد إفريقي وعربي من حيث المساحة، والعاشر عالميا. وقد أصبحت الجزائر الأولى إفريقيا من حيث المساحة بعد انفصال جنوب السودان عن السودان في سنة 2011. هذا أمر ذو بال له حساباته لدى المخابر الاستراتيجية الدولية الغربية والاسرائيلية والعمل على تفتيت هذا البلد الكبير قد بدأ فعلا منذ أكثر من سنة وكانت أوضح تجلياته في خضم الثورات العربية. وكان الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي قد "تنبأ" بأن سقوط الجزائر سيكون تاليا لسقوط ليبيا ولكن شاء الله أن يسقط هو في الإنتخابات التي فاز بها غريمه فرانسوا هولاند. نعم "تنبأ" الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" في صيف 2011 أن الجزائر ستسقط بعد عام وأن إيران ستكون مدة سقوطها بعد ثلاث سنوات على الأكثر. هذا ما همس به في أذن أمير قطر ثم في أذن رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل أثناء زيارة رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي إلى باريس. وكان من أعمال ساركوزي المحسوبة عليه إيصال كميات هائلة من السلاح إلى قبيلة الزنتان في جبل نفوسة بغرب ليبيا مع ما كان يعلمه من إمكانية تخطي العدوى إلى الجزائر لأن قبيلة الزنتان بربرية أمازيغية تتمذهب بالمذهب الاباضي مثل أهالي غردايةبالجزائر. فالتلميح كان واضحا ومفهوما من الجميع وانتظم في نسق محاولة تفتيت الجزائر من ناحية الجنوب عن طريق التمرد الطوارقي ومن ناحية الشمال من خلال دعم فرحات مهني وحركته الانفصالية المتطرفة والمعزولة حتى بين أهالي القبائل. القوى العظمى تعمل على ضرب الدول بالوكالة وبالطرق غير المباشرة بيادق على رقعة الشطرنج إن المحاولات هذه لا تكف وما نلمحه من المؤشرات المطلة علينا بين الحين والآخر لا تنبئ بخير ولا تبشر بكف بعض العواصم الغربية عن دعم مثل هذه الحركات. ولا تزال الخلافات قائمة بشأن كميات السلاح الذي أدخلته فرنسا إلى الجبل الغربي لليبيا ونوعية هذا السلاح غير أن المؤكد أن السلاح قد وقع فعلا في أيدي الثوار بكميات تسمح لهم بالزحف على طرابلس. وتعد هذه العملية التي تذكر بعمليات فرنسية قديمة حصلت في إفريقيا في الستينيات والسبعينيات بواسطة المرتزقة وتجار السلاح وصناع الموت الفرنسيين ولعلها تعد أخطر لأنها حصلت تحت غطاء الناتو والإتحاد الأوروبي. وأكبر من هذا وذاك فإن العملية في حد ذاتها تعتبر استفزازا للجزائر ودول الجوار الليبي واستهتارا بالجهود الإفريقية لإحلال الأمن في ليبيا بالطرق السلمية وهدية لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب للتزود بالسلاح الثقيل. تمت اعتمادا على القوى الكبرى ودول الجوار عمليات "الموصاد" السرية شملت التنصت الإلكتروني انتقلت إسرائيل من الجوسسة من خلال البلدان المجاورة مثل موريتانيا والمغرب ومؤخرا ليبيا إلى الجوسسة على الجزائر من تونس وعبر الأقمار الصناعية وقد كشف مؤخرا موقع "ديفونس إيبدات" الإسرائيلي المتخصص في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية أن إسرائيل قامت بعمليات تجسس واسعة النطاق على الجيش الجزائري خلال عام 2010. وأضاف أن المخابرات الإسرائيلية "الموصاد" سربت عددا من الصور تبين قواعد لصواريخ أرض-جو روسية الصنع تم زرعها قرب العاصمة الجزائرية من أجل الدفاع عن المراكز الحكومية، مثل مقر الرئاسة ووزارة الدفاع للتصدي لأي هجوم محتمل كما التقط قمر التجسس الإسرائيلي صورا أخرى لمنشآت ومواقع عسكرية جزائرية في مدينتي بومرداس والبليدة القريبتين من العاصمة، إضافة إلى صور أخرى لقواعد جوية حساسة تقع في أم البواقي شرق البلاد وأولاد فايت قرب العاصمة وقاعدة أخرى في بلدة رغاية شرقها. وأشار الموقع أن عملية التجسس على الجزائر هذه بدأت في الحقيقة عام 2006 واستمرت طيلة أربع سنوات متتالية، مشيرة أن المحرر العسكري لموقع "ديفونس إيبدات" أبدى إعجابه بمدى احترافية وحدات الدفاع الجوي الجزائري والتقدم الذي أحرزه خلال السنوات الأخيرة، مضيفا أن الجزائر سارعت في وتيرة بناء قواعد جوية وجهزتها بمخابئ شديدة التحصين واشترت أنظمة دفاعية متطورة لحماية المنشآت النفطية والسدود والموانئ. وإلى ذلك، اعتبر كلود مونيكيه وهو رئيس المركز الأوروبي للاستراتيجية والأمن أن عمليات التجسس تلك التي قامت بها إسرائيل في الجزائر ممكنة ومستعملة في العديد من مناطق العالم . وأضاف أن الجزائر، رغم تطور عتادها العسكري والتكنولوجي، لا تملك التقنيات الحديثة اللازمة لاكتشاف الأقمار الصناعية التي تتجسس عليها. "هناك دول قليلة فقط مثل فرنسا وبريطانيا والولاياتالمتحدة وإسرائيل والصين التي تمتلك مثل هذه القدرة"، يقول كلود مونيكيه. وتساءل المتحدث عن الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى التجسس على الجزائر، بالرغم من أن هذا البلد بعيد عنها ولا يشكل خطرا على أمنها مثل إيران أو حزب الله ولم يصدر حتى الآن أي رد فعل رسمي للجيش الجزائري في خصوص عملية التجسس الإسرائيلية على عتاده العسكري. المنطقة المغاربية – الساحلية محط اهتمام القوى الكبرى الجزائر وخطر الحدود السبعة استقطب الساحل الإفريقي - أنظار المجموعة الدولية منذ مطلع السنة الماضية وعودة زهاء ألف عسكري إلى دولة مالي خصوصا والساحل الافريقي على وجه العموم وأصبح محل اهتمام الدول العظمى لما يترتب على المخاض السياسي والعسكري والأمني الحاصل فيه من تبعات على دول الجوار ومن هيمنة القوى الكبرى والإبقاء على مصالحها وإحكام القبضة عليها في المنطقة. نظرة عجلى على الساحل الافريقي كفيلة بأن تضعنا أمام صورة لإحدى أغنى مناطق العالم فبالإضافة إلى المعالم الأثرية ومناطق السياحة ومآثر تاريخية تعد مهد البشرية وبالإضافة أيضا إلى يورانيوم منطقة أرليت بأغاديز النيجر ومناجم الذهب في مناطق كثيرة من مالي فهذا حوض تاودني الذي تتقاسمه الجزائروموريتانياومالي من أغنى مخزونات النفط العالمي على وجه الإطلاق. ويقع حوض تاودني، الذي يعتبر أكبر حوض رسوبي في غرب إفريقيا، على مساحة تقدر ب 1.500.000 كم بين موريتانياوماليوالجزائر ويمتد حتى حدود بوركينافاسو. وتقوم شركة "توتال" الفرنسية بأعمال حفر في الجزء الموريتاني من الحوض على بعد 100 كلم شرق مدينة ودان. لعل سنتي 2012 و2013-كانتا "أسخن" السنوات على الجزائر وأخطرها على منظومتها الأمنية الخارجية وبالتالي الداخلية أيضا. فالأزمة الليبية حملت في طياتها مخاطر أمنية كثيرة ولا تزال. وما إن سقطت طرابلس بأيدي الثوار حتى قامت بوادر الحرب في مالي. الحلقات الهشة في المنظومة الأمنية دول ضعيفة حليفة رغما عنها مع استراتيجيات التفتيت الأمر لا يقل خطورة أيضا في النيجر مع تحرك الطوارق إليها وتمركز فلول من القاعدة بالمغرب فيها بالإضافة إلى القبضة الحديدية لفرنسا على الاقتصاد الداخلي وبالتالي على دواليب الحكم. أما الجار التونسي فقد أنهكته الثورة الداخلية وأحبطت منظومته الأمنية والعسكرية إلى نقطة الصفر. إذا أضفنا إلى هذا الجار المغربي وما يحمله الصراع القائم منذ أكثر منذ ثلاثين سنة واعتلاء الحركات الإسلامية السلطة في المغرب العربي بأسره باستثناء الجزائر وسيطرة الدول الغربية العظمى على الجانب الشمالي لحوض البحر الأبيض المتوسط اكتملت الصورة وأنذرت أن الجزائر محاطة من كل جهاتها بمخاطر تسدعي استعدادا لها. حتى تونس التي شكلت إلى وقت قريب الجار "الهاديء" دخلت في حرب ضروس مع الأرهاب الذي أخذت جماعات كبيرة منه غابات "الشعامبي" المحاذية للجزائر ملاذا لها. أما البحر الأبيض المتوسط فلقد أصبح لعبة الكبار مثل الناتو والولاياتالمتحدة اللتين تحاولان إعطاء الدور الكبير لإسرائيل فيه بعدما قررت تل أبيب أن "أمن إسرائيل يبدأ في البحر قبالة الجزائر". أمام هذه الانزلاقات والمخاطر سعت الجزائر إلى إيجاد الجواب الصحيح لكل سؤال أمني: فالجزائر تحث على الدوام دول الساحل على الإسراع في التنمية بمناطق الشمال التي تعاني من التهميش والحرمان فتكثر فيها الحركات الاحتجاجية والتمردية والإرهاب في آخر المطاف كما تعمل منذ 2007 على ضرورة إنشاء منظومة أمنية قوية للتصدي للقاعدة ومطامع القوى الكبرى. فالقوى الكبرى – لا سيما الولاياتالمتحدةوفرنسا - لا تقل خطرا عن القاعدة لأنها تبحث منذ سنوات عن موطئ قدم لها في الساحل تحت غطاء محاربة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب ولكن أهدافها الخفية تبقى تأمين مصادر الطاقة ومنابع النفط والمعادن الإستراتيجية الكثيرة والمتواجدة بالصحراء والساحل الإفريقي.