شهدت أسعار زيت الزيتون هذا العام ارتفاعا محسوسا تعدى سقف 600 دج للتر الواحد، على خلاف السنة الماضية، حيث لم يتجاوز اللتر 450 دج؛ ما أثار قلقا واستياء واسعين من مستهلكي هذه المادة الضرورية؛ نظرا لفوائدها الغذائية والصحية ولقيمتها العالية في الموائد الجزائرية. يتساءل الكثير من المواطنين عن الأسباب الكامنة وراء ارتفاع أسعار مادة زيت الزيتون، التي صار يعرف استهلاكها تزايدا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، بالنظر إلى فوائدها الصحية الجمة؛ سواء للمرضى أو الأصحاء. وفيما يتهم البعض أصحاب المعاصر برفع سعرها يرى آخرون أن السعر النهائي يتحدد عند الباعة الذين يضاربون فيه. لكن الكثير من الفلاحين وأصحاب المعاصر يبررون ارتفاع أسعار زيت الزيتون بانخفاض إنتاج الزيتون خلال الموسم الحالي؛ ما انعكس سلبا على الأسعار بفعل قانون العرض والطلب، وهي الإجابة التي سجلناها خلال جولة قام بها “موقع الإذاعة الجزائرية” في بلدية بني عمران بولاية بومرداس، التي تُعد من أهم مناطق إنتاج زيت الزيتون كمية ونوعا، وذلك كعيّنة عن باقي مناطق الوطن. انخفاض المحصول يعني ارتفاع الأسعار.. اخترنا النزول إلى الميدان والتوجه مباشرة إلى المنتجين الفعليين لهذه المادة؛ لمحاولة التعرف على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ارتفاع أسعار زيت الزيتون. وفي هذا الصدد، يُرجع رابح مقدود صاحب معصرة واقعة بقلب مدينة بني عمران، غلاء سعر زيت الزيتون إلى غلائها عند الفلاحين، الذين يرفعون سعرها تلقائيا كلما انخفض إنتاج محصول الزيتون لديهم، حيث بلغ هذه السنة، ولأول مرة، السعر 7 آلاف دينار للقنطار. وأكد مقدود أن معصرته اشتغلت هذه السنة لمدة لم تتجاوز الشهر، بينما اشتغلت السنة الماضية لأكثر من ثلاثة أشهر؛ وذلك لقلة المحصول، مشددا على أن المتسبب الرئيس في غلاء هذه المادة الغذائية الحيوية، انخفاض المحصول الذي شهدته أغلب مناطق ولاية بومرداس، ونفى أن يكون أصحاب “المعاصر” المتسببين في ذلك. وقال إنه كلما كان السعر أقل كلما كان ذلك في صالح “المعصرة”؛ حيث يمكن للزبون أن يشتري كمية أكبر من زيت الزيتون. وعن قلة الإنتاج الذي عرفته أغلب حقول الزيتون هذه السنة، اعتبر رابح مقدود ذلك أمرا طبيعيا؛ بالنظر إلى خبرته في المجال، وقال إن محصول الزيتون معروف لدى الجميع بأنه يختلف من عام لآخر، فعام يكون فيه المحصول وفيرا، وآخر يكون فيه قليل الوفرة. عوامل طبيعية وأخرى بشرية.. ومن جانبه، شاطرَ بطاطا حكيم صاحب معصرة وفلاح ينتج محصول الزيتون بالبلدية عمي رابح تبريره، وشدد على أن سعر زيت الزيتون وصل إلى 600 دينار للتر الواحد؛ بسبب قلة المحصول من الزيتون الذي شهده الموسم بفعل الظروف الطبيعية. وأوضح بطاطا أن سعر زيت الزيتون يرتفع تلقائيا عندما يقل المحصول عند الفلاحين؛ حيث بلغ سعر الكيلوغرام من الزيتون هذه السنة 70 دينارا للكيلوغرام الواحد بينما لم يتعد 40 دينارا السنة الماضية، وهو ما انعكس على مادة زيت الزيتون، التي ارتفع سعرها إلى 600 دينار للتر، بينما لم يتعد سعرها السنة الماضية 45 دينارا، على حد قوله. ويعزو محدثنا قلة المحصول من زيت الزيتون إلى عوامل أخرى، يتسبب فيها الإنسان بالدرجة الأولى، ومنها عدم العناية بشجرة الزيتون إلى جانب عامل آخر، يراه بطاطا مهمّا في الحصول على مادة وافرة من زيت الزيتون، ويتمثل في طريقة الجني، ويشير هنا إلى أن الطريقة التقليدية والعشوائية تتسبب في الكثير من الأحيان في تلف كمية كبيرة من المحصول. الفلاحون يؤكدون.. ويتمنون عاما آخر أفضل كان لنا خلال جولتنا لقاء مع بعض الفلاحين أيضا، الذين يشتغلون على جني محصول الزيتون، منهم من يبيعه مباشرة لأصحاب المعاصر كمادة خام، وبعضهم الآخر يفضّلون نقله إلى المعاصر لاستخراج زيت الزيتون مقابل مبلغ مالي متفق عليه، ويقوم هو بنفسه ببيع الزيت بالتقسيط. ويؤكد هؤلاء الفلاحون أن أشجار الزيتون شحت هذه السنة بثمارها؛ فكان لزاما عليهم أن يرفعوا سعرها تحت تأثير العرض والطلب. ويقول بن فرحات سليم فلاح من بلدية سوق الأحد، أن محصول الزيتون كان ضعيفا جدا؛ مرجعا ذلك للعوامل الطبيعية المختلفة، وأشار إلى أنه استطاع السنة الماضية أن يتحصل على كمية تتراوح بين 50 إلى 60 قنطارا من 300 شجرة زيتون يملكها، بينما لم يتعد هذه السنة 30 قنطارا. وأكد أنه لا يوجد أي سبب لغلاء سعر زيت الزيتون في الأسواق حسب قوله - غير قلة العرض الناجم عن انخفاض المحصول وكثرة الطلب، التي تزداد من سنة لأخرى، خاصة أن هذه المادة أصبحت ضرورية بالنسبة للكثير من المواطنين، سواء للأكل اليومي أو للتداوي بها. لكن هناك من الفلاحين من يؤكد أنه لم يجن شيئا من ثمار الزيتون هذا العام، مثلما هي حال عمي السعيد، الذي قال إنه لم يجن شيئا من 100 شجرة زيتون اعتاد على الاشتغال عليها كل سنة، بينما جنى السنة الماضية من نفس الأشجار، ما يفوق 50 قنطارا. وقال عمي السعيد أن ثلاثة معاصر بكل من “تولموت” و”الحدادة” و”دباغة”، وهي مناطق جبلية ببلدية بني عمران، تُعرف بزراعة الزيتون لم تشتغل هذه السنة ولم تفتح أبوابها أمام الفلاحين.