صورة قديمة لبلدية بوقائد كانت مدينة تيسمسيلت آهلة بالسكان منذ العصر الحجري القديم المتأخر ، بشهادة الموجودات الأثرية المكتشفة بكاف "اللوز بعين تكرية بخميستي" ، و تمددت المظاهر الحياتية بالمناطق المجاورة كعين الصفا و التجمعات البشرية المتاخمة ، فأحدثت تقاربا جواريا تنوعت أحداثه و صاغته أوراق العابرين. منطقة الونشريس غزيرة بالإغراءات الطبيعية كالمرتفعات الجبلية ،التي كانت تتحصن فيها المقاومة المورية الساخطة على الاستدمار الروماني ، الذي كان يتعقب أثرها بالمطاردة و الاضطهاد، فتمطره بهجمات مباغتة ثم تلجأ إلى الجبال لتتجنب عواصف غضبه، و حملاته الانتقامية الفجائية .استوطنت جبال الونشريس قبائل "المور" المصطلح الذي اصطلح عليه المؤرخون للدلالة على التشكيلات القبلية المستقلة عن السلطة الرومانية، و رفضت الخضوع لهذه السلطة، كباقي القبائل التي عمرت شريط المغرب العربي ، و كان الونشريس ينتمي إلى الإدارة الملكية ل"ماصيصيليا" التي بدأت بحكم "سيفاقص"- 213 ، 202 – قبل الميلاد ,ثم سطع النجم النوميدي "ماسينيسا" ، الذي عجل في انهيار مملكة "ماصيصيليا" ، و أسس المملكة النوميدية فانضمت طاعة القبائل المجاورة إلى منظومة هذه المملكة بداية من الشريط الزماني لحكم كل من : "ماسينيسا"- 203 ، 148 ق.م – ،"مسيبسا" - 148 ، 118 ق.م- ، "يوغرطة" – 118 ، 105 ق.م- ، ثم " بوكوس" - 105 ، 33 ق.م- ، خلف بوكوس "يوبا الثاني" ، غير أن قبائل الونشريس المورية ، و البطون المتاخمة ثارت على حكمه بعد سنة فقط من مشوار عهده ، بيد أن ثورتهم انطفأت سنة 6 ميلادية ، ثم اشتعلت سنة 17 م بقيادة "تكفاريناس و مازيبا" انتهت بمصرع زعيمهم سنة 24م . كان زعيم قبائل المور بالونشريس معترف به ، و بطاقة هويته ثقيلة لدى السلطة الرومانية . مطلع عام 40م بعد مقتل "بطليموس" ، ثارت ثائرة هذه القبائل بقيادة "سبعل" ،انتهت سنة 42م بانتصار الرومان و ضم المنطقة إلى مزارع حكم روما ،غير أن قبائل المور واصلت مواجهاتها كلما توفرت لها أسباب المقاومة ، و تهيأت طرق تنفيذها ، لما اشتدت شوكتهم سنتي 43 و 75 م ، جهز لها الرومان حملات عسكرية أخمدتها سنة118 م ، أدرك الحاكم الروماني " هادريانوس " عزيمة النظم القبلية في خيار المقاومة ، فبادر سنة 122 م إلى حشد حملة عسكرية ضخمة لمسح جغرافية موريطانيا القيصرية بما فيها منطقة الونشريس ،انتهت بإجلاء المقاومين عن أراضيهم . رغم الحملات المتكررة للعسكر الروماني ، لم تفلح هذه السياسة في صد مقاومة القبائل المورية ، حيث استمرت في رفضها للإستيطان الروماني ، إلى غاية فترة ولاية الحاكم " سبتيموس سفيروس " ، الذي أعد خطا دفاعيا موسعا يدعى " خط الليمس " ، سيح به الونشريس بخطوط عسكرية تتمدد بخط شمالي من" عين الدفلى" إلى "غليزان" ، و خط جنوبي من" بوغار" ، "أولاد هلال" ، "بورباكي" ثم "تيهرت" ، و خط غربي من "تيهرت" عبر "واد مينا" إلى "غليزان" ، و خط شرقي من "بوغار فالمدية فتيبازة" .هذه الخطة الوقائية أضعفت حظوظ مقاومة القبائل المحلية ، و شتت توحدهم ، و فرقت قواهم حتى غابت الثورات لمدة تفوق القرنين ، و لم تظهر إلا في النصف الثاني من القرن الرابع و بالضبط سنة 372 م ، لما قامت ثائرة الثائر " فيرموس " بجذب قبائل الونشريس و التيطري ، غير أن ثورته انتهت بمصرعه سنة 375 م.مع مطلع القرن الخامس ، ارتفعت حرارة ثورة القبائل الرافضة للوجود الروماني ، مع تدهور وظائف الإدارة الرومانية ،و عجزها عن احتواء الموقف ، بداعي تعدد الجبهات المفتوحة. ظهر بديل استراتيجي منافس يدعى " الوندال " أزاح الحكم الروماني بمعية الثورات المحلية و سحب منه خريطة افريقيا سنة 429 م ، "الوندال" لم يكرروا نفس سيناريو الرومان في كيفيات ممارسة الحكم مع القبائل المحلية ، و لم يفتحوا جبهات صراع مع الثائرين بكيفية المد و الجزر ، بل تركوا تقاليد الحكم القبلي تتصرف في صياغة طبيعة الحكم الذاتي المستقل شريطة الانتماء الاسمي و الخضوع الشكلي للحكم الرئيس، هذه النمطية أظهرت من جديد مملكة الونشريس المورية التي كانت تمتد من الونشريس إلى نهر " ملوية " بوهران .لما انهزم الوندال على يد البيزنطيين ، و سحبوا خريطة إفريقيا من حكمهم سنة 534 م ، رفضت الإمارات المحلية الزائر الجديد ، معتبرة إياه النسخة الثانية من الوجود الروماني أو القراءة الثانية لنفس الكتاب، فتراكمت السحب السوداء للصراعات الثقيلة و أمطرت مواجهات عامي 535 م و 539 م ، انتهت بفشل محاولات البيزنطيين في انبعاث تراث موريطانيا القيصرية الرومانية ، ثم تجاوزوا الحدث في عهد الامبراطور "موريس" ، بحذف مقاطعة موريطانيا القيصرية من خريطة المقاطعات البيزنطية .الفتح الاسلامي للمنطقة كان خلال الحملة الثانية للفاتح الاسلامي عقبة بن نافع الفهري خلال الفترة الزمنية المضبوطة من سنة 681 م إلى سنة 683 م ، و وفقه الله في هذا الفتح و هو يمر بالونشريس جابه القبائل المحلية التي تصدت له ، هزمها و أخضع سلطان المنطقة إلى الحكم الاسلامي . خلال العهد الرستمي دبت الفوضى في مقاليد الحكم ، و انفجر من التكتل الأصلي ثلاث دويلات ، تقاسمت جغرافية المغرب ، فكان الونشريس من حظ الدولة الرستمية، التي جعلت "تيهرت " عاصمة لها سنة 144ه الموافق ل 761 م ، و أصبحت الونشريس جزءا من النظام الجديد إلى غاية القضاء على الدولة الرستمية سنة 298ه الموافق ل 910 م على يد "عبيد الله الشيعي "، الذي أخضع الموالين السابقين للدولة الرستمية لولاية "أبي حميد دواس بن صولات الكتامي" ، غير أن الولاء للدولة الفاطمية تفكك سنة 312ه الموافق ل 924 م بمقتل الوالي الفاطمي " مصالة بن حبوس " على يد المنشقين بإمرة " محمد بن خزر المغراوي " ، ثم توسع الخلاف بحرب اشتعلت بين الفاطميين و أتباع "محمد بن خزر" فلم يستقر الونشريس على ضبط اتجاه النصرة . ولى الفاطميون على المغرب بعد رحلتهم إلى مصر " بلكين بن زيري " ،الذي عمل جاهدا لاسترجاع الملك الفاطمي ، و تمكن في خرجته الميدانية سنة 360ه الموافق ل 970 م من القضاء على " الخير بن محمد بن الخزر " ، فعادت الونشريس إلى حضن ولاية عهده ، غير أن" أبا البهار" خرج عن طاعة ابن أخيه الأمير الزيري "المنصور بن بلكين " ، حيث انفرد بحكم "الونشريس" و "تيهرت" و باقي المغرب الأوسط . سنة 377ه الموافق ل 987 م ، ظهر "زيري بن عطية" و ملك الونشريس سنة 383ه الموافق ل 993 م ، غير أن خلافا نشب بين" زيري بن عطية" و" المنصور بن بلكين" سنة 386ه الموافق ل 996 م ،انتهى بإنتزاع هذا الأخير للونشريس من حكم الأول ، الذي فر إلى المغرب طالبا نصرة قبائل " زناتة " التي مكنته من استرجاع ملكه .ظل الونشريس تحت مظلة " الزناتيين " و إمرة " زيري بن عطية " ، إلى أن بزغ نجم " حماد "سنة 395ه الموافق ل 1005 م ،و أعاد الونشريس إلى حكم الزيريين ، غير أن الخلافات لم تنته بين علية الإمارة في طريقة ممارسة الحكم المحلي و الانفراد بالسلطة ، و دار الخلاف سنة 405ه الموافق ل 1015 م بين "حماد " وابن عمه" باديس" , عسكر هذا الأخير في " السرسو " على شريط نهر "واصل " و استطاع استمالة القبائل المجاورة ،التي كانت تحت إمرة " حماد " الذي عسكر بدوره على مشارف الضفة المقابلة ، انتهى بنصرة القبائل المحلية ل "باديس" ، و تمزيق حكم ، و ميراث "حماد" بإعلان الثورة عليه ، خلصت إلى إمرة جديدة بقيادة ابن عم بن باديس " عطية بن دافلتن" ، و تحول الونشريس إلى إمارة محلية تحت إدارة " بني توجين " ، هذه الأخيرة أخضعها " يوسف بن تاشفين " إلى حكم المرابطين سنة 473ه الموافق ل 1080 م ، إلى غاية ظهور الدولة الموحدية . سنة 539ه الموافق ل 1144 م انتزع " عبد المؤمن بن علي " الونشريس من سلطان المرابطين ، و حارب الخارجين عن طاعته من قبائل بني توجين ،التي كانت تحت إمرة "عطية بن مناد بن العباس بن دافلتن" ، و لما توفي خلفه ابنه " العباس " الذي خرج عن سكة الموحدين ، إلى غاية إغتياله ،ليخلفه ابنه "عبد القوي" . اعتلت صحة الدولة الموحدية و ثار عليها " منديل بن عبد الرحمن المغراوي" سنة 622ه الموافق ل 1225 م ، و بسط نفوذه على "الونشريس" و "متيجة" ، غير أن " عبد المؤمن " لم يهضم الأمر ، فحشد حشود بني توجين ، و خرج لمواجهة " منديل " ، فتمكن منه ، و استرجع الونشريس و أعادها إلى حظيرة الدولة الموحدية ، ثم توسع أكثر إلى قلعة "سعيدة" غربا و "المدية" شرقا ، غير أن طبيعة نمط ملكه على حد تعبير ابن خلدون " ملك بدوي ، لم يفارق فيه سكن الخيام " ، أي حكم بمواصفات البداوة المحضة.واصل بنو توجين توسعهم و مد سلطانهم في بداية العهد الحفصي الزياني المريني ، إلى أن ظهرت بوادر الانشقاق بين الدويلات الثلاث ، فطحنتها الحروب ، و مزقتها الفتن . في سنة 632ه الموافق ل 1234 م ، توجه الأمير " أبو زكريا الحفصي " من تونس إلى الونشريس ، أسر زعيم بني توجين " عبد القوي " ، ثم عفا عنه بعد إبدائه للولاء و الطاعة ، بعد ذلك وظف قدرات بني توجين في حصار تلمسان سنة 639ه الموافق ل 1241 م ، بعد أن سخر لهم زعيمهم وسائله المتاحة ، نكاية في " يغمراسن بن زيان " ، الذي أعاد ترتيب قدراته العسكرية ثم كر على بني توجين و أوجبهم الولاء و الطاعة .شارك " عبد القوي " في حملة " يغمراسن " لغزو المغرب سنة 647ه الموافق ل 1249 م ، بيد أن هذه المشاركة لم تشفع له لدى " يغمراسن " الذي حاول غزوهم سنة 649ه الموافق ل 1251 م ، غير أن المقاومة المحلية كانت عنيفة ، و عاد هذا الأخير إلى تلمسان يسوق أسباب خيبته ،ثم كرر محاولته سنة 657ه الموافق ل 1259 م لكن لطلب النصرة من" بني توجين " على " بني مرين " ، نجح في تعبئة الجموع غير أنه انهزم ، و صرف نظره عن الموضوع ، وولى وجهته إلى مقارعة " بني توجين " ، لكنه لم يفلح في إحتوائهم . تسممت العلاقة بين " بني توجين " و " الزيانيين " ، و استجاب " عبد القوي " إلى دعوة السلطان "المستنصر بالله" ، لصد الصليبيين عن سواحل تونس سنة 668ه الموافق ل 1270 م ، لجأ " عبد القوي " بعد انهزام " يغمراسن "إلى حماية الأمير المريني " يعقوب بن يوسف " ، فأبدى له الطاعة ،ثم شاركه حصار تلمسان سنة 670ه الموافق ل 1271 م .في سنة 682ه الموافق ل 1284 م ، سالم " عثمان بن يغمراسن " المرينيين ليتفرغ لمناوئيه ، و أفلح في حملاته المتكررة على بني توجين ، و اقتطع من أراضيهم الكثير ثم أجهز على أميرهم " موسى بن زرارة " سنة 690ه الموافق ل 1289 م استيقظت فتنة من العيار الثقيل في بيت بني توجين سنة 700ه ، استنجد فيها " يحي بن عطية كبير بن تيغرين "بالسلطان المريني " يعقوب بن يوسف " الذي طوق تلمسان سنة 701 ه ، فاستجاب لنصرته بجيش أخترق حصونهم ، و أعاد بني توجين إلى سكة الطاعة تحت ولاية " علي بن الناصر بن عبد القوي " ، بيد أن هذه الطاعة لم تعمر بعد وفاة الأمير " يعقوب بن يوسف " سنة 706ه الموافق ل 1306 م رفع المرينيون حصارهم عن تلمسان ، و خرج السلطان " أبو زيان بن عثمان" إلى الونشريس سنة 706ه الموافق ل 1306 م ، للنيل من بني توجين ، فشتت أمرهم و أخضعهم لسلطانه ، و مكثوا على عهدهم إلى أن خرج " محمد بن يوسف بن يغمراسن " على ابن عمه السلطان " أبي حمو الزياني " فأيدوه ، بعد وفاة هذا الأخير سنة 718ه الموافق ل 1318 م ، خلفه ابنه "أبو تاشفين" الذي بادر بمجرد أن استلم ولاية أبيه إلى القضاء على" محمد بن يوسف " و أقرانه ، فحاصرهم سنة 719ه الموافق ل 1319 م في حصن " توكال " ،مرت أيام معدودات ثم اخترق تحصيناتهم بمؤازرة " عمر بن عثمان " قائد بني توجين، و قضى على " محمد بن يوسف " و أتباعه.الصراع الزياني –المريني ، لم يثبت ميول طاعة بني توجين ، فبعد الانتصار الظرفي الذي حققه السلطان " أبو الحسن المريني" على الدولة الزيانية و افتك منهم "تلمسان" ، أبدى له بنو مرين الطاعة ، بعد ذلك جمع السلطان الزياني " أبو حمو موسى " أسباب تجديد بعث الدولة الزيانية ، فأعاد تلمسان إلى عهد دولته ، و هكذا تذبذب بنو توجين في تحديد الانتماء في ظل الصراع القطبي المريني – الزياني المتبادل ، إضافة إلى الانشقاقات القبلية إلى غاية نهاية الدولة الزيانية .بعد سقوط الدولة الزيانية ، دخل العثمانيون بقيادة " عروج " الشلف و الونشريس سنة 925ه الموافق ل 1519 م ، و كان الونشريس ينتمي إداريا إلى بايلك الغرب ، موزعا على مجموعات قبلية ، كل قبيلة مشكلة من عائلات عليتها أشراف و مرابطون ،منفصلة عن إدارة السلطة العثمانية ، تتحصن في الجبال و تمتهن الفلاحة .لما دخل الاستدمار الفرنسي الجزائر ، واجه مقاومة عنيفة في بداية حملته الشرسة على الوطن ، ثم واجه نيران المقاومات المحلية التي كانت تشتعل تباعا بقيادة الزعامات المحلية ، فقد انضم سكان تيسمسيلت إلى مقاومة " الأمير علد القادر " سنة 1835