إن كل شخص بداخله إعلامي أو صحافي كبير لكن بشرط أن يحب الشخص ذاته أن يكون كذالك بمعنى له الفضول بمعرفة كل ما يحيط به من أحداث و أخبار .ثم بعدها ينمي لغة الحوار و فنون إدارته ثم قوة و سلاسة الأسلوب وصولا إلى فن الخطابة التي يفتقدها الأشخاص العاديون . لكن ظاهرة تفشت عند خريجي الإعلام ألا وهي احتقار وعدم الاعتراف بالصحفيين الممارسين للمهنة بالرغم من أنهم لم يدخلوا معاهد أو كليات الصحافة لكن حبهم للمهنة ومعرفة الحقيقة وثقافتهم الواسعة تمكنهم من امتلاك مهارات تمكنهم من ولوج عالم مهنة المتاعب . فالمحامي أو الطبيب يمكنهما أن يصيران صحفيان أو مراسلان صحفيان لكن المتخرج من الإعلام محصور في مجاله المتمثل في العلاقات العامة أو الصحافة هذا إن ترك له المجال لينطلق في تخصصه لهذا فالصحافة مهنة تكتسب بالخبرة والممارسة الميدانية. فللأسف الشديد بعض الزملاء الذين درسوا الصحافة و اتخذوها المصدر الوحيد لرزقهم حيث رسموا في أذهانهم فكرة خاطئة عن المهنة. استذكرت نقاشا حادا بين و بين زميل لي خريج صحافة وإعلام من أحد الجامعات الجزائرية ليجبني حينما سألته عن الفرق بين المراسل الصحفي والصحفي أو الإعلامي بجواب لست أدري من أين استلهمه قائلاً :"لا يمكن للمراسل الصحفي أن يصبح يوما ما صحفي ، فالأمر يشبه المسعف و الطبيب "مجيبا بسؤال ثان "هل يمكن للمسعف أن يصبح طبيبا؟ ". لم أكمل معه النقاش لأني تأكدت من عقم الحوار . سأجيب اليوم هذا الصديق من خلال هذه الأسطر البسيطة أما الطبيب أفنى ما يربو عن سبع سنوات في دراسة الطب و تشخيص الأمراض ليصير بعدها ومارس المهنة وتخصص في فرع من فروع الطب المتعددة ثم مارس المهنة و اكتسب خبرة فأصبح اسمه مقترنا بكلمة حكيم و المسعف درس على الأكثر ثلاث سنوات نظري و تطبيقي لكن المهنتين مكملتين لبعضهما البعض و كلاهما يستحقان الاحترام لأنه لولا الأطباء والمسعفين لانقرض بنو البشر من على وجه الأرض . لنعرج الآن إلى الصحفيين الذين يتخرجون اليوم بالآلاف من الجامعات الجزائرية فللأسف يا ليت هناك حيا لتناديه و لكن لا حياة لمن تنادي فهم ضحايا المنظومة التربوية الجزائرية التي فلحت إلا في الإضرابات الغير متناهية ليتخرج جيل لا يجيد اللغات حتى اللغة الأم لا يتقنوها جيدا .بل تجدهم يرضون برتبة مراسل صحفي بعد أن كانوا يدرسون لنيل شهادة الليسانس في علوم الاتصال والعلاقات العامة يلتحقون بجرائد لا تعطيهم حتى أبسط وثيقة لتحميهم قانونيا رغم هذا تجد حب المهنة و تقديسهم يرضون براتب لا يتعدى 5 الخمسة آلاف دينار جزائري الذي يدفعها السائق مقابل مخالفة مرورية ارتكبها مع قانون المرور الجديد الذي لا يرحم ضعاف الدخل ومن لا يملك واسطة "معريفة" لإلغائها . ولأضيف لكم بيتاً من الشعر لما سبق فاليوم تجد صحافيين وإعلاميين بمستوى السنة التاسعة أساسي بلغة أخرى مستوى إعدادي يترأسون مكاتب جرائد رائدة و معروفة لكنها في أخبار رياضة الجلد المنفوخ ينسفون أخبار اللاعبين باستعمال الوشاية و نشر فضائحهم والحديث عن معجباتهم اللائي يزعجنهم بالمساجات الغرامية . ليصبح هذا النوع من الصحافيين يدرسون المناهج وفنون تحرير الأخبار بالجامعات الجزائرية التي لا تزال يتيمة من حيث التأطير رغم توفر كل الإمكانات المادية والبشرية و تجد هذا النوع من الصحفيين لهم رأي مسموع و منابر خاصة بالإذاعة والتلفزيون ليعطوا رأيهم لأنهم ذوي رأي و أهل اختصاص . سابقا كانت الصحافة منبرا و وسيلة للمفكرين و الأدباء لتنوير عقول الناس و تثقيفهم عن طريق نشر مقالاتهم الأدبية و لفكرية لكن اليوم خلقت صحافة وللأسف الشديد تشهد رواجا و انتشارا رهيب عجيب اسمها الصحافة الصفراء قدوتها مجلة "البلاي بوي" الأمريكية تحت شعار "دعه يتفرج دعه يتكلم" أو "دعه يتفرج أتركه يتحسر" التي تهتم فقط بفضائح السياسيين، والنجوم وابتعدت كل البعد عن الرسالة المتمثلة في إصلاح المجتمع و توعيته عن طريق الحوار الفعال فالجرائد اليوم أصبح يطلق عليها اسم السخافة لأنها ابتعدت عن أخلاقيات المهنة التي قال عنها أحد المفكرين لا يجب أن تكون الصحافة كأي مهنة بال يجب أن تصبح وظيفة محترمة.