يعتبر الفن التشكيلي أحد أبرز الفنون التي تمكّن الفنان من التعبير وإيصال رسالته إلى الجمهور معتمدا في ذلك على أسلوب معيّن وتقنيات خاصة فتصبح لديه بصمة تميّزه عن أقرانه من الفنانين، ولكن مع مرور الزمن وتطور الفن واعتماده على التقنيات الحديثة تجاوز مسألة الأسلوب في الكثير من الأحيان وأصبح يهتم بالدرجة الأولى بقضية التعبير كيفما كانت الوسيلة وكيفما كان الأسلوب والتقنية. وفي هذا السياق، اقتربت "المساء" من أبناء الفن التشكيلي وبالضبط، من السيد عكاش المستشار بمتحف الفنون الجميلة، السيد زبير هلال أستاذ بمدرسة الفنون الجميلة وفنان تشكيلي، الفنانة التشكيلية جهيدة هوادف خريجة المدرسة الجزائرية، الصادق رحيم خريج المدرسة اللبنانية والإنجليزية والفنان التشكيلي لمين دوكمان ورصدت آراءهم حول الإشكالية: "هل يجب أن يتحلى كل فنان بأسلوب فني خاص وببصمة فنية خاصة به؟" السيد عكاش:"الأسلوب الفني يتغيّر والبصمة خالدة" "يستعمل الفنان لإيصال رسائله إلى الجمهور العديد من الوسائل ومن بينها الفن التشكيلي، وهناك نوعان من الفنانين، العصامي الذي لم يتلق أدنى تكوين واستطاع رغم ذلك أن تكون له مكانة في عالم الفن كالفنانة باية، والفنان الذي تلقى التكوين وبدوره ينقسم إلى قسمين الفنان المتأثر بأسلوب المدرسة التي تلقى فيها تعليمه، والفنان المبدع أو العبقري الذي يستطيع أن ينمي أسلوبه الخاص وأذكر هنا إسياخم وخدة". و»اعتقد أن الفنان يطوّر أسلوبه طوال مسيرته الفنية، لكن ورغم ذلك تبقى بصمته واحدة لا تتغيّر ويتعرف عليها النقاد بينما لا يمكن للجمهور العادي أن يتعرف عليها، وبالمقابل لا يجب الربط بين المسيرة الفنية للفنان وكفاءته فكم من فنان غرٍّ أثبت نفسه بجدارة، كما لا يجب أن يكون الفنان متجدّداً وأن لا يعتمد على نسخ أعمال الآخرين وهنا أقول أنه يمكن التعرف على عمل الفنان الجيّد، وهو دليل على أن هذا الفنان مبدع حقا". زبير هلال: "الحديث عن الأسلوب عقيم ولا طائلة له" "ما الذي يهمنا حقيقة؟ أسلوب الفنان أم مضمون أعماله؟ هل يهمنا التعرف على أسلوب الفنان في إيصال رسائله أم ماذا يحكي لنا هذا الفنان؟.. نحن نعيش في عالم السرعة حيث تتغير الأمور بشكل غير معقول، فحتى وسائل التعبير تتغيّر من فيديو وصورة ورسم وغيرها، فلنترك الفنان يعبّر بالطريقة التي يريد وليهتم كل فنان بتطوير فنه وأن لا يهتم بعمل الآخرين". "نحن وصلنا إلى هذا المستوى الدنيء من الحوار حول جدوى أن يكون للفنان أسلوبه الخاص أم لا، بفعل المستوى المتدهور للتكوين في الفنون الجميلة الذي انبثق عنه هذا النقاش العقيم، فعلينا أن نهتم بمضمون العمل الذي يجب أن يكون في القمة ومن ثم يمكن ربما التحدث عن الأسلوب". "قضية الأسلوب ليست حديث اليوم نحن الآن لسنا في عصر بيكاسو الذي بدوره مر على العديد من المدارس كالتكعيبية، الواقعية والسريالية ونهل من الثقافات الأخرى، بل نحن في عصر السرعة والأنترنيت والتكنولوجيا حتى أن هناك فنانين في القمة ولكنهم غير معروفين عند العامة، كما أنه ليست لدينا إحصائيات عن الفن التشكيلي تمكننا من التطرق إلى قضايا هذا الفن". جهيدة هوادف: "لكلّ فنان أسلوبه الخاص الذي يتأتى بالجهد والعمل" "أرى أن كل فنان يتصف بأسلوبه الخاص من خلال عالمه الخاص وهذا يتطلب الكثير من العمل والجهد، فالأسلوب الفني مهم وأن تكون لي بصمتي الخاصة مهم أيضا، وهذه البصمة عبارة عن عنوان لأعمالي، فأسلوب الفنان كيفما كان نوع الفن الذي يسلكه، قد يتغير ولكن البصمة تبقى ثابتة". "وبالمقابل اعتقد أن أهم شيء يقوم به الفنان هو التعبير بحرية عن فنه وقد يصل هذا الفنان إلى مبتغاه والمستوى الذي يريده في آخر عمره أي بعد مسيرة فنية طويلة جدا". صادق رحيم: "حرية التعبير في مقدمة إهتمامات الفنان" "الحديث عن أسلوب الفنان لم يعد حديث جيل اليوم الذي يعتمد على التقنيات الحديثة والأنترنيت التي تتغير بسرعة لا متناهية، فنحن أبناء هذا العصر يهمنا أن نعبّر بمختلف وسائل الفن كالفيديو والصورة ولا يهمنا أن يتعرف علينا أولا". »وفي هذا السياق، أذكر أسماء مثل عادل عبد الصمد وقادر عطية وهما فنانان جزائريان شابان لهما صيت عالمي ويعتمدان على الوسائل التكنولوجية، أي أنّ المهم هو التعبير وليس أسلوب التعبير، وأؤكد أنه لا يهمني أبدا أن يكون لي أسلوب خاص في الفن فأنا دائم التجديد كما لا يهمني أن يتم التعرف على أعمالي أم لا، كل ما أريده هو التعبير بكل حرية، فإذا كنت اخترت موضوع الحرا?ة فهل يهمني أن أوصل رسالتي إلى الجمهور أم أن يتعرف على أعمالي؟«. "اعتقد أنّ هذه الحرية متعلقة بالدرجة الأولى بالجيل الذي أنتمي إليه علاوة على تكويني فأنا درست في مدرسة الفنون الجميلة بلبنان ولم يكن لدينا تخصص فني مثلما هو عليه الحال في مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر، فكانت لدينا الحرية الكاملة في التعبير بأي وسيلة فنية كانت". "ولكي أكون أكثر صراحة فقضية الأسلوب هي قضية جيل، أي أنّ هذه المسألة تتعلق أكثر بالجيل الكلاسيكي وبالأخص في القرن العشرين حيث كان للأسلوب أهميته والحقيقة أن هناك جدل كبير بين ممارسي الفن الحديث وممارسي الفن المعاصر حول هذه القضية لكن في الحقيقة لم يعد للأسلوب الأهمية التي كان عليها في السابق وفي الأخير أقول إن جيل اليوم لا يقتصر على أسلوب واحد من الفن بل يتنقل من أسلوب إلى آخر ومن تقنية إلى أخرى واضعا نصب عينيه الرغبة في التعبير". لمين دوكمان: "لا يتأتى الأسلوب إلاّ بالمسيرة الحافلة بالإنجازات" "على الفنان أن يصل إلى المرحلة التي يتمكّن فيها من التحلي بأسلوب فني خاص، صحيح أن الفنان في مرحلة تكوينه وحتى في بداياته قد يعتمد على أعمال الآخرين ولكنها فترة محدّدة لا بد أن تنتهي، والأسلوب الفني الخاص والبصمة الفنية الخاصة يتأتيان بعد مسيرة فنية حافلة وهما مزيجان من الفن والمعرفة، الحقيقة قد أقول إن لدي بصمتي الخاصة نتجت عن عملي وأحاسيسي والمحيط الذي أعيش فيه وأتأثر به، لهذا لا يمكن أن يكون لفنان آخر عاش في محيط آخر ولديه أحاسيسه الخاصة أن يكون له أسلوب مثيل لأسلوبي ومع ذلك عندما نرى المستوى الفني الراقي سواء الحديث منه أو المعاصر، من الصعب عليك أن تقول بكل إصرار أنك تمتلك أسلوبا خاصا بك".