بقلم: فهمي هويدي حين يقال لنا إن مصر والخليج يواجهان خطر تركيا وإيران، فذلك كلام كبير وخطير. كبير لأنه يطرح معادلة إستراتيجية جديدة في المنطقة تضع مصر والخليج في معسكر الضد لأكبر وأهم جارين للمحيط العربي. وخطير لأنه يتجاهل حقيقة أن الخطر الاستراتيجي الحقيقي الذي يهدد الأمن القومي العربي هو الاحتلال الإسرائيلي وليس غيره. المقولة التي أعنيها كانت عنوانا نشرته جريدة الأهرام على ثمانية أعمدة يوم السبت الماضي (1/3) نصه كالتالي: مصر والخليج يواجهان مصيرا واحدا وخطر تركيا وإيران. والكلام المنشور تحته كان خلاصة لحوارات ندوة مشتركة بين مركزي الأهرام للدراسات والخليج والأبحاث، حضر فيها خبراء وأكاديميون يمثلون الجانبين. صدمني العنوان لأنني أنتمي إلى جيل تشكل إدراكه انطلاقا من رؤية تختلف جذريا مع الرسالة التي تضمنها. سواء فيما خص الموقف من إسرائيل أو إزاء الجارتين الكبيرتين اللتين اعتبرهما الدكتور جمال حمدان مع مصر العربية (مثلث القوة) في المنطقة. وارتأى أنه باتصال أضلاعه تنهض الأمة، وباختلالها تنكسر وتنهزم. من ثَمَّ فقد اعتبرت رسالة العنوان بمثابة انقلاب سلبي يشوه الوعي ويهدر بعض أسس المسلمات التي استقرت في الأذهان منذ عصر المد القومي، الذي استعاد فيه العرب هويتهم وكبرياءهم. وقد أدهشني أن تكون تلك الرسالة عنوانا لندوة تحدث فيها خبراء إستراتيجيون وأساتذة في العلوم السياسية، يفترض أنهم أكثر وعيا من غيرهم باستراتيجيات المنطقة. دفعني الاهتمام الخاص بالموضوع إلى مطالعة النص المنشور، واستلفت نظري فيه الملاحظات التالية: * إن عقد الندوة من تجليات الدفء الحاصل في العلاقات المصرية السعودية والتطور الذي حدث في علاقات القاهرة بدول الخليج في ظل نظام يوليو، وهو ما فسر تركيزها على المقترح السعودي الذي طرح قبل نحو سنتين ونصف السنة. كما فسر الحضور السعودي والإماراتي الملحوظ بين المشاركين فيها. * إن الاجتماع عقد أساسا لمناقشة فكرة الاتحاد الخليجي التي طرحها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الرياض الخليجية في شهر ديسمبر عام 2011، وانبنت على اقتراح تطوير صيغة مجلس التعاون الخليجي القائم منذ أكثر من ثلاثة عقود بحيث يصبح اتحادا بين الدول الخليجية تحت الرعاية السعودية. * إن فكرة الاتحاد فَتُر الحديث عنها بين النخبة الخليجية بعد تحفظ قطر وسلطنة عمان عليها وتململ الكويتوالإمارات منها، وهي لم تكن تعبيرا عن نضج العلاقات بين دول الخليج بقدر ما كانت محاولة لتحصين المنطقة في مواجهة رياح الربيع العربي التي هبت في أوائل ذلك العام (2011) بما يعني أنها كانت مقترحا لتحصين وحماية الأنظمة وليس للتفاعل وتبادل المصالح بين الشعوب. * إن المناقشات لم تختلف حول أهمية الاتحاد الخليجي، الذي وصف بأنه حلم نبيل ومؤجل. وكانت لبعض المشاركين ملاحظاتهم المهمة حول العقبات المحلية والإقليمية التي تحول دون إقامته في الوقت الراهن. ومن هؤلاء من دعا إلى توجيه الاهتمام نحو تقوية مجلس التعاون الخليجي سواء بتوسيع نطاق مجالات التعاون بين دوله أو معالجة الثغرات التي كشفت عنها الممارسة خلال العقود الثلاثة الماضية. * اهتم المتحدثون باسم دولة الإمارات والبحرين والكويت بالإشارة إلى القلق الناشئ عن التمدد الإيراني خليجيا وعربيا. واعتبروا أن ذلك يبرر حاجة الخليج إلى منظومة دفاعية تؤمن المنطقة. وهذه قد تتوافر أكثر في حالة وجود الاتحاد الذي من شأنه أن ينشئ تحالفا عسكريا ينهض بهذه المهمة. وتحدث البعض عن أهمية تطوير قوات (درع الجزيرة) التي بدأت بعشرة آلاف جندي ثم زادت إلى 40 ألفا، وثمة حاجة إلى زيادتها إلى 100 ألف لتصبح قادرة على النهوض بمهماتها. * تحدث صوت واحد عن أن الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج يمثل أهم التحديات التي تواجه المنطقة على الصعيد الأمني. (نشرت جريدة الشروق يوم الجمعة 28/2 أن 25 ألف جندي من القوات البرية والجوية والبحرية يتوزعون على 12 قاعدة عسكرية في الخليج وحوله) ولكن النص المنشور لم يشر إلى أن المناقشات تطرقت إلى هذه النقطة. * وجدت أن المقارنة في الندوة بين الاتحاد الخليجي المقترح وبين تجربة الاتحاد الأوروبي لا تخلو من قدر كبير من المبالغة والتخليط. لأن الاختلاف بين الأمرين يعادل المسافة بين الخليج وأوروبا من النواحي الحضارية والديمقراطية والعلمية.. و.. و.. إلخ. * لم تتطرق الندوة من قريب أو بعيد إلى ما تمثله إسرائيل من خطر أو تهديد لمصر أو منطقة الخليج، ولكن النص المنشور أشار إلى ذلك في حوار خاص تم خارج الندوة مع الأستاذ ضياء رشوان مدير مركز الأهرام للدراسات تطرق فيه إلى القواسم المشتركة بين مصر ودول الخليج، وذكر بينها تدخل دول غير عربية في شؤون الطرفين وخص بالذكر منها تركيا وإيران. القضية الأهم التي وردت في العنوان وتحدثت عن أن الطرفين المصري والخليجي يواجهان خطر تركيا وإيران لم أجد لها أثرا في النص المنشور. ورجحت أن مسؤول الصفحة أراد أن يضع عنوانا مثيرا يستلهم توجهات السياسة المصرية فصاغه على ذلك النحو. ومن ثم فإنه أقحم فيه الأزمة مع تركيا والامتعاض المصري من الموقف الإيراني، ولم يخطر على باله أن يضيف الخطر الإسرائيلي، لكي يظل ملتزما بحدود الموقف المصري الرسمي. وبهذه الطريقة فإنه أضفى على الندوة مسحة أقرب إلى الهزار الاستراتيجي منها إلى الحوار الاستراتيجي.