من الصعوبة تحديد النقطة الزمنية التي ظهر فيها مصطلح (المشروع الإسلامي)، فهو مصطلح جديد، لم يعرفه السلف، وظل (غيبا) حتى نهاية السبعينيات في القرن الماضي، ولعله ظهر مع (التثوير الشيعي) وانتصار (الخميني) على شاه إيران عام 1979. الانبهار ب(التشيع السياسي) والإعجاب ب(الخومنة) في إيران، والاعتقاد بأنه ليس بعيدا عن الاستنساخ في المجتمع العربي السني، شجع على تعدد الجماعات بشكل متسارع.. فبعد أن كان لا توجد (تاريخيا) إلا جماعة واحدة الإخوان المسلمون ظهر على جانبي تلك الجماعة، تكوينات (ثورية) جديدة، احتفظت بمساحات من التمايز والتباين عنها، وإذا كانت الإخوان، تأسست كرد فعل لإحساس العالم الإسلامي ب(اليتم) لسقوط الخلافة العثمانية عام 1923.. فإن الجماعات اللاحقة عليها، جاءت من قبيل (تقليد) النموذج (الثوري الشيعي)، ومتأثرة أيضا بالوهج اليساري العربي، وأداته في تغيير الأنظمة (العنف الثوري).. والتي لخصها الجهادي المصري (عصام القمري) ضابط سابق بالجيش قتل عقب هروبه من السجن بقوله (كنس السلم من أعلى). لم يظهر (المشروع الإسلامي) كمصطلح إلا مع هذا الجيل جيل ما بعد الثورة الإيرانية وهو الارتباط التاريخي الذي (أساء) له، إذ ترك انطباعا لدى (الآخر) أي آخر بأنه (مشروع عنف).. وليس إحياء دينيا سلميا ل(الإسلام الحضاري) إذا جاز التعبير. المشروع الإسلامي (السني) الذي قدمه هذا الجيل فقد القدرة على (الإقناع)، ليس فقط بسبب شرنقته داخل أطر الاصطلاحات الدعائية وحسب، وإنما أيضا بسبب غياب (الآباء) المؤسسين، الذين يعدلون نموذج الخميني في إيران. ففي الحالة الإيرانية كان الآباء المؤسسون آيات الله ينتمون إلى المؤسسة الدينية الشيعية الرسمية (الحوزة العلمية في قم).. بينما في الحالة السنية، فإن المشروع اعتمد على مجتهدين شباب من (الهواه) وعلى مرجعيات علمية مثل سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، لا ينتمون إلى المؤسسات الدينية السنية الكبرى مثل (الأزهر) بمصر و(الزيتونة) بتونس و(القرويين) بالمغرب، ففقد المشروع أهم أدوات الإقناع، إذ تظل المؤسسات الدينية الرسمية في العالم السني تحظى بمنزلة الإجلال والتوقير في الضمير الشعبي، فضلا عن قيمتها العلمية، كأداة اعتدال ديني في مواجهة الغلو والتطرف. على ذلك.. بقي المشروع الإسلامي بطبعته التي نراها الآن محض تعبير عن حماس جيل حالم يرى فيه عوضا عن (الهزيمة) العسكرية والحضارية أمام (المنتصر) الغربي.. وكأداة في الصراع على السلطة مع الأنظمة القائمة.. فيما ظل فحواه الحقيقي (غيبا) لا يعرف الناس عنه شيئا.