بقلم: عبد القادر حمداوي تحمل الشعب الجزائري خلال حقبة الاستدمار الفرنسي ما لا يتصوره العقل من المعاناة كالقتل الجماعي والتعذيب والسجن والنفي والمحتشدات والتجويع والحرمان وتم تدمير ثمانية آلاف قرية وانتهج سياسة الريف وطبق سياسة الأرض المحرقة، وحشر ما يقارب ثلاثة ملايين داخل المحتشدات المسيجة بالأسلاك الشائكة، وأخليت مناطق كثيرة من سكانها واعتبرت مناطق محرمة طوال سنوات الثورة وفرضت حالة الطوارئ على البلاد ليلا ونهارا مدى سنوات الثورة كلها. بينما لم يستعمل المجاهد سوى الرشاشات وطبق أسلوب الكر والفر وحرب العصابات الحقيقية والسريعة وكلها أمور متواضعة. ويسير المجاهد وفق حرمة التاريخ ومعه إرادة الله سبحانه وتعالى يحارب من أجل قضية عادلة واقتنع المجاهد بقضيته لهذا قام المجاهد سي موسى بدور بارز، وعمل على التأسيس للنشاط الفدائي بتنس. ولد سي موسى الرباط قوبيلي في عام 1930 بتنس ولاية شلف، نشأ بها ودرس وحفظ القرآن الكريم في صغره، ولاحظ بعض أصدقائه عليه الذكاء. غير أن الأوضاع التي سادت هذه الجهة كانت سيئة جدا. انضم للنضال السياسي قبل 1954، انخرط في صفوف الكشافة الإسلامية ومنها انضم إلى الحركة السياسية السرية وكان عمله في بداية الثورة المباركة كانت مهمته الأولى تحسيس رفاقه وسكان المنطقة والأخذ بيد المتحمسين منهم للالتحاق بصفوف جبهة وجيش التحرير الوطني. كانت سيرته وجهاده وعبقريته نورا يسطع ويتجدد عبر الأجيال ليؤكد لنا بعض الشهود أن الشهيد البطل سي موسى كما عرفوه بشخصيته الفذة وإبراز أعماله وتضحياته. لقد خاض عدة معارك إلى جانب رفاقه في الكفاح والنضال البطولي ضد المستعمر الفرنسي حيث التحق بصفوف جيش التحرير الوطني عام 1955 بالولاية التاريخية الرابعة (المنطقة الرابعة ) تقلد عدة مسئوليات من مرحلة إلى أخرى كون المجاهد البطل سي موسى من عائلة فلاحية وبتقديمه مناضل في الحركة السرية التي علمته قواعد حرب العصابات التي طبقها بدقة. حرص سي موسى من أول تاريخ تجنيده على احترام المثل الحياة وسط الشعب وهو ما طبقه جيش التحرير الوطني وهذا رغم الضباط الفرنسيين والمختصين الذين تخرجوا من الأكاديميات العسكرية في الحرب والذين حاولوا دون جدوى تجفيف ينابيع الماء على المجاهدين وبإنشاء تجمعات ومحتشدات. لكن جيش التحرير الوطني عندما يكلف مناضلي المنطقة بتحضير معلومات كافية وخاصة عندما يريدون القيام بعمليات عسكرية أو فدائية مما جعل السكان ينضمون إلى الثورة ويقدمون كل ما تحتاجه الثورة من معلومات، وأمن الوقوف إلى جانب القضية الوطنية الكبرى الواجب يدعون إلى معرفة والتعرف على الأبطال الذين خاضوا معارك ضد العدو وماتوا من اجل أن تحيا الجزائر، وبذكر أسمائهم نستحضر ذاكرة الشهداء. وقضى سي موسى طفولته بمدرسة قرآنية واجتاز الابتدائية بامتياز، بدا حياته كرجل مخلص لوطنه بجانب عائلته انطلاقا من هذه القرية يوصف سي موسى بصفحة تاريخية ينبغي أن نعرفها ونتأملها. تولى سي موسى قائد فصيلة في الكتيبة الحسينية ثم قائد الكتيبة، وانتقل على الناحية الثانية، تحمل مسئولية الكتيبة الحامدية ثم مسؤول سياسي عسكري بالناحية. لقد حاول العدو ضرب تماسك مجاهدي الولاية الرابعة باللعب على الفوارق بين الريف والمدينة والغرب والشرق، التمايز بين غني وفقير. وشنت فرنسا على الشعب الجزائري حربا شاملة استعملت فيها مختلف الأساليب ووسائل الفتك والدمار لقد كانت المكيدة التي صنعتها فرنسا في عام 1958 والتي حاولت أن تضرب تماسك المجاهدين، وبفضل حنكة العقد سي أمحمد بوقرة فالثوار لهم قواعد خلفية وعمقا استراتيجيا تتمثل في معجزة الثورة الجزائرية التي صنعها تلاحم الشعب وعمق مطلق للثورة فضلا عن القيم الراسخة والعريقة في الشعب الجزائري. أين نحن اليوم من التاريخ العريق لهذه الثورة النبيلة التي هجرها أهلها بعدما ضاقت بهم السبل بأعالي الجبال. إننا نجد على سفوح جبال هذه المنطقة تصارع الزمن خاوية على عروشها، لقد قرر أهلها التخلي عنها رغما عنهم وهم يبكون، كانت حرقة في قلوبهم كبيرة وهم يفارقون المنطقة التاريخية ليتركوها للطبيعة تفعل فعلتها تصارع الزمن. كانت في وقت غير بعيد تحفة معمارية نادرة بقلب شرشال وتنس وبني حواء ومليانة والمدية والبليدة. ينبغي التحرك العاجل لإنقاذ هذه المنطقة التاريخية التي تعد تحفة نادرة بامتياز وأصبحت في السنوات الأخيرة ملجأ يتخذه كبار الباحثين من جنسيات مختلفة وهم يقومون بدراساتهم في تاريخ المنطقة. المنطقة التي صنفت ضمن تاريخ الولاية الرابعة إنها قامت بدور هام وفعال تستحق ذلك، لكن البعض الذين كلفوا أنفسهم عناء أخفقوا بل تنافسوا مع أنفسهم. استمر سي موسى في النضال متحديا غطرسة العدو، كان رجلا يعتمد على الأخلاق في مسيرة الثورة كانت أخلاقه عالية مع الجميع فالأحداث والحوادث التي ميزت حياته اليومية والنضالية سواء ما تعلق بنشأته في دوارهم أو في عمله في الفلاحة وتفوقه في حفظ القرآن الكريم وموازاة مع نضاله في أوساط الطلاب والسياسة من أجل التعريف بقضية الشعب الجزائري وعدالة ثورته تم الالتحاق بالثورة ولا ينتظر من كاتب في صفحة من جريدة أن يترجم عمل سي موسى كما تردده حوادثه السياسية والجهادية. الكتابة عنه والعودة إليه للتذكير بمآثر الثورة التحريرية. وفي اعتقادي أن سي موسى رجل ذو شخصية فذة يفكر في كيفية تنظيم وإنجاز الكمائن في معارك وساعده مساعدوه كان يلقاهم في الجبال وفي مسائل تموين الثورة. وكان العدو لا يستريح لنجاحه في الكمائن وكان سي موسى يعتمد على أعوانه وعلى المخلصين له والأصدقاء والمؤيدين له في القضية، لتذليل المصاعب وجمع القوى وأنه لذلك أعظم الحالمين في مبحث الخالدين والذي دانت له الطبيعة. ذلك الرجل لا يسلم كان دءوب الرجل عن عزيمة ماضية لا عن ذهن ضيق أو نفس شاردة عما حولها كانت مداورته للواقع عن دهاء وتبصر لا عن دجل ومراوغة رخيصة، لابد من الإشارة إلى أن المجاهد سي موسى كان جهاده خلال الثورة المباركة مفيدا وتمكن من إسقاط مناورات جنرالات فرنسا التي دبروها من أجل القضاء على كتائب المجاهدين، لكن مسؤولية سي موسى في المنطقة الرابعة كضابط في جيش التحرير الوطني حظي بالتقدير من كل الجنود والضباط والمسؤولين. لقد اختار لنفسه أن يموت شهيدا من أجل تحرير شعبه ووطنه من عبودية وربقة الاستعمار وزبانية التمسيخ والتمسيح. لقد طوق العدو المنطقة بقوات عسكرية ضخمة وبعد تعيين سي موسى قائد المنطقة الرابعة عام 1961 قام سي موسى جولة للمنطقة وذلك للمراقبة والتنسيق والتنظيم وعند وصوله إلى جبل بوسمام وجد قوات العدو قد حاصرت المكان وتعرف على مكانه وبسرعة أمر الدليل عن الخروج من هذا المكان لكن العدو وضع الكمائن في المكان وعند الخروج نشبت المعركة بسرعة في عين المكان ببلدية مناصر سقط شهيدا بعد أن أصابته رصاصة العدو وقبل أن تفارقه الحياة قام بإحراق كل أوراقه حتى يفوت على الاستعمار كل ما يفيده وقد استعان الاحتلال ببعض الحركى الذين تقدموا على أنه مسؤول حملوه إلى ثكنة قرب بلدية مناصر وعند جمع رفات الشهداء دفن في مقبرة الشهداء بمناصر والذي يحمل رقم 1.