أبرياء "أحلامهم" الموت والانتحار! تعاني شريحة الأطفال ظروفا صعبة ولعل أن أبرز مشكل تجابهه تلك الفئة يتمثل في مختلف أشكال العنف وصوره التي أضحت تتربص بالطفل في كل مكان بالشارع والمدرسة وحتى على مستوى الأسرة التي باتت تجهل الأسس القويمة في تربية الطفل مما أفرز أطفالا عنيفين غير سويين ومنهم حتى من تبلورت في أذهانهم أفكار الموت والانتحار والقتل بدليل تسجيل بعض الجرائم على فئاتهم لم نكن نسجلها من قبل. نسيمة خباجة وتناول مختصون تربويون ونفسانيون مشكل العنف بكل عمق في إطار الأسبوع المفتوح حول الإعلام المدرسي والمهني لفائدة التلاميذ وأوليائهم المنظم من طرف مركز التوجيه المدرسي والمهني بدرارية. دق الحاضرون ناقوس الخطر حول مختلف صور العنف التي تهدد الطفل في كل مكان حتى على مستوى الأسرة مما يؤدي إلى إفراز طفل غير متزن. ورأت الدكتورة غربي مختصة في علم النفس وأستاذة جامعية أن التدليل المتزايد هو نوع من أنواع العنف الممارس الذي لا يخدم الطفل، والأجواء المشحونة في المحيط الأسري من شأنها أن تؤثر على نفسية الطفل إلى جانب مجموعة من صور العنف الممارس ضد الأطفال كالعنف الجنسي والبسيكولوجي الناجم عن الحرمان العاطفي والإهمال مما يولد في نفسية الطفل الخضوع لأنه يعيش دوما في حالة تهديد وعنف داخل الأسرة، كما أن العنف يؤثر على صحة المخ ويخلق طفلا عنيفا يتركز تفكيره على حماية نفسه ولا يكون هناك تطور في الخلايا المنشغلة دوما بحماية الذات، كما أن أساليب العنف والضرب تشكل عدوانية في الطفل والتي تكون بغاية الحماية من الخطر الدائم الذي يرافقه. ويكون الطفل في مرحلة دفاع دائمة عن النفس من الخطر الذي يهدده في الشارع أو المدرسة أو البيت مما يخلق له أمراضا مزمنة وينقص مناعته في مقاومة الأمراض فهو يتسلح دوما بطاقة للدفاع عن النفس ويتبلور تفكيره حول حماية نفسه ولا يتطور كآثار سلبية للعنف من الناحية الصحية والجسمية لذلك لابد من توفير الأمن وتحسيس الطفل بالحب والحنان وإبعاد وسائل العنف عنه ومنحه الوسائل التربوية التي تثبت ذاته. خصوصا وأن العنف والضرب يؤديان إلى التبلّد أي أن الطفل يعتاد على الضرب ولا يردعه ويواصل سلوكاته أو حتى تنغرس في ذهنه أفكارا خاطئة بأن العنف هو وسيلة لتحقيق أغراض نبيلة ومن أجل تقويم سلوكاته مما يؤدي إلى استهدافه من طرف العصابات وانحلال سلوكاته، ويرى أنها صور من صور العنف التي تؤدي به إلى الثراء والكسب أي ذات أبعاد إيجابية مادام أنه قد اعتاد على العنف داخل الأسرة كأسلوب إيجابي حسب بعض الأولياء من أجل التقويم، ومنه وجب استبدال تلك الأساليب بأساليب أخرى في التربية كطريقة التأديب التي نجدها ناجعة وبعيدة كل البعد عن صور العنف التي لا تخدم الطفل، فإستراتيجية التأديب لها تأثير إيجابي على نفسية الطفل لاسيما وأن سوء المعاملة والتعنيف أدت إلى الفتك بأرواح بعض الأطفال بعد عدم مقاومة أجسادهم الهزيلة للضرب المبرح أو تخليف عاهات مستديمة على أجسادهم. أطفال أحلامهم الموت والانتحار ذكرت السيدة دوّة مختصة في الأمراض العقلية في إطار تدخلها الذي تمحور حول العنف الأسري وتأثيره على النجاح المدرسي والصحة العقلية للطفل أنها وبالتجربة اكتشفت أن العنف أو الحالة التي يعيشها الطفل على مستوى الأسرة من شأنها أن تؤثر على حالته الجسمية والنفسية وحتى العقلية، وقدمت حالة للطفل رضا البالغ من العمر 12 سنة والذي كان يعيش في عزله وانطواء حادين يرفض المدرسة ويقضم أظفاره بأسنانه مما دفع أمه إلى الإسراع في أخذه إلى طبيبة نفسية لكن التزم الصمت واختار التعبير عن ما يختلج في نفسه بالرسم، وكانت رسومات مليئة بالدم والشنق والقتل والعنف وأخبر الطبيبة أنه يرى انتشار الجثث منذ خروجه من البيت في طريقه إلى المدرسة ذلك ما يتصور في مخيلته المضطربة وبالفعل كادت حالته أن تتفاقم لولا تدارك الطبيبة للأمر بالمهدئات والحصص العلاجية المتتابعة، ومرد ذلك الحالة التي عاشها بعد طلاق أمه وهو في سن الستة أشهر، إذ فتح عيناه على أمه التي لعبت دور الأب والأم في آن واحد ما عبر عنه في الرسم الذي رسمه بحيث رسم امرأة على ملامح رجل وهي تلبس فستانا وتظهر بشارب إذ كانت تلك الصور المرسومة تعبر عن حالة متأزمة ويائسة يعيشها رضا تم تداركها في الوقت المناسب، لكن لم يتم تدارك المشوار الدراسي مع متابعة الطبيبة للحالة، إذ خرج رضا من المدرسة في السنة الأولى ثانوي مما يؤكد تأثير المحيط العائلي على الطفل، بحيث تبنى به شخصية الطفل المستقبلية كما ذكرت الطبيبة المختصة في الأمراض العقلية السيدة دوة ونادت بضرورة حفظ الجو الملائم للطفل على مستوى الأسر ليترعرع في هدوء خصوصا وأن الطفل هو كائن يتأثر بكل ما يدور من حوله. العنف وليد المدرسة لم يبعد الحاضرون أن العنف كذلك منبعه المدرسة والشارع ففي المدرسة يكون مصدر العنف الزملاء المحيطين بالتلميذ وكذلك من الممكن جدا أن يكون العنف صادرا من بعض الأساتذة والمدرسين الذين يجهلون كيفية التعامل مع الطفل، ما يبرز ضرورة حضور المرشدين والمستشارين التربويين وكذا المختصين النفسانيين على مستوى المدارس، إذ اشتكى الأولياء من لجوء بعض المدرسين إلى طرق خطيرة في العقاب قد تولد غريزة العنف في فلذات أكبادهم. وهو ما سردته إحدى الأمهات التي راح ابنها يقلد معلمته التي تقوم بوضع شريط لاصق على أفواه التلاميذ وبالفعل أعاد المشهد في منزله وجسده على أخيه البالغ من العمر عامين، بحيث أدار الشريط اللاصق على فمه لمرات حتى وجدته مصفرا وأنّبت ابنها واستفسرته فقال إن المعلمة تقوم بنفس الأسلوب في القسم لمعاقبة التلاميذ. مما يظهر الطرق العنيفة في التعامل التي يكسبها الطفل من المدرسة التي سادها العنف من كل جانب وهو نفس ما وضحه ممثل أولياء التلاميذ من متوسطة ابن رشد الذي عايش بعض الوقائع التي تجسد الخطر الذي يتربص بالأطفال على مستوى المدارس مما زرع الخوف في قلوب الأولياء الذين لم يعودوا آمنين على أطفالهم بعد إرسالهم إلى المدارس بسبب العنف الممارس في العديد من الحالات والذي اتخذ أشكالا متعددة في الآونة الأخيرة وصار بين التلاميذ أنفسهم وبين المعلمين والتلاميذ مما يستدعي اتخاذ إجراءات وقائية عاجلة. الإدمان شكل من أشكال العنف الإدمان هو الآخر شكل محور نقاش بسبب تغلغل فئة الأطفال في تلك الآفة المشينة التي تعد شكلا آخرا من أشكال العنف الممارس ضد الأطفال واستغلالهم من طرف عصابات مافيوية والتربص بهم وحتى تقديم المخدرات على شكل حلويات في الأول لاستقطاب الأطفال في ذلك العالم المشين والمشبوه، وهو ما نوه إليه السيد نيساس فريد رئيس خلية الإصغاء والنشاط الوقائي لأمن مقاطعة درارية الذي أكد ظواهر العنف في المدارس التي تنوعت صوره وصولا إلى الإدمان على المخدرات التي تبدأ بتعاطي السجائر في سن التاسعة وتتحول تلك الآفات إلى سموم حقيقية بإقدام الطفل على المخدرات في سن الحادية عشر والثانية عشر وهي التجارب الحية التي مروا بها خلال عملهم وأكد تغلغل المخدرات في المدارس لاسيما القنب الهندي أو (الزطلة) التي تصلنا الأطنان منها بدليل وصول آخر الإحصائيات إلى 300 ألف مستهلك للمخدرات في الجزائر وهي إحصائيات رهيبة جدا، وأكد أن الأمن الوطني يسعى بكل جهوده إلى التصدي لتلك الآفة التي غزت كل الأماكن وأضحت تهدد حتى المحيط المدرسي ويكون التصدي لها بطرق ذكية ومحكمة وذكّر بإحصائيات بيّن من خلالها أن 51 بالمائة من التلاميذ يدخلون إلى عالم المخدرات بعد تغلغلهم في عالم التدخين المبكر في السن التاسعة ومنه إلى استهلاك المخدرات ما بين 12 و15 سنة.