أزيد من 40 عائلة تستغيث لانتشالها من خطر الموت لا تزال العديد من البنايات الهشة الفوضوية والشّاليهات تزّين منظر الجزائر العاصمة، رغم الوعود الكثيرة التي قدمتها السلطات المحلية لهذه الفئة من المواطنين إلا أنهم لا يزالون وإلى يومنا هذا يعيشون في وضعية مزرية، فقد أصبحت الجرذان والفئران ديكور حياتهم اليومية نظرا لاهتراء الشاليهات التي بدأت تنفر من قاطنيها بسبب طول مدة إقامتهم بها، دون أن تحل عليهم ساعة الفرج والرحيل إلى سكنات جديدة ولائقة تليق بسكن البشر بها، وهو حال أكثر من 40 عائلة تقطن بشارع عمار سعدي شاطوناف بأحد أرقى وأجمل شوارع بلدية الأبيار. عتيقة مغوفل كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا حين تنقلنا من مقر الجريدة إلى حي عمار السعدي بشاطوناف، الأبيار، كانت درجة الحرارة مرتفعة حينها قاربت 38 درجة مئوية، ومع ذلك وجدنا مجموعة من العائلات التي تقطن بهذه الشاليهات في انتظارنا بعد أن أخطرناهم مسبقا بأننا سنزورهم من أجل الوقوف على وضعيتهم التي يعيشونها لأزيد من نصف قرن، ومع ذلك فإن صدور هؤلاء السكان رحبت بنا وكانت فرحتهم بقدومنا لا توصف. معاناة بدأت تفاصيلها منذ سنة 1952 أول ما وطأت أقدامنا هذه الشاليهات اتفق قاطنوها على أن يستضيفونا في شاليه عمي مولود وذلك نظرا للاحترام الكبير الذي يكنه له الجيران على اعتبار أنه من أقدم السكان بهذا المجمع السكني، ليبدأ بعدها عمي مولود يروي لنا حكايته مع الشاليهات فقال: (نحن نقطن هنا لأزيد من نصف قرن فمنذ سنة 1952 تم إيجاد هذا المكان الذي كان في بداية الأمر عبارة عن مجموعة من السكنات الوظيفية والتي تتكون من غرفتين على أكثر، وهبتها بلدية الأبيار للقدامى من عمالها، وكنت أنا واحدا منهم على اعتبار أنني عملت بذات البلدية لأزيد من 30عاما، فقد تفانيت في عملي هناك وقدمت كلما ما أملك من قدراتي حتى أخدم هذا الوطن كل من منصبه ومكانه، ولكن لم يتم مكافأتي ولو بالقليل على نظير كل المجهودات التي قدمتها لهذا الوطن، فمنذ سنة 1952 عندما أسست عائلة لم أكن أملك سكنا لذلك قامت البليدة بتأجيري هذا المكان الذي هو عبارة عن شاليه خشبي على أساس أنه سيتم ترحيلي في أقرب فرصة من هذا المكان، ليمر الزمان والسنين وأنا هنا إلى أن بلغت اليوم سن 73 عاما، ولا زلت أسكن هنا رفقة الجرذان التي أصبحت خير أنيس لنا، وحين بلغ أولادي سن الزواج كان لا بد عليا أن أقوم بتزويجهم حتى يكملوا نصف الدين، حسبما يحثنا عليه ديننا الحنيف، و بالطبع وبما أنهم لا لم يجدوا مكانا يسكنوا فيه قاما اثنان منهما بكراء منازل والزواج خارج المنزل العائلي، بينما ثلثهما لا يستطيع استئجار منزل منفرد لأن ظروفه لا تسمح له بذلك، لذلك قمت بإسكانه معي داخل الشاليه، الذي كان لا بد علي أن أصلحه قليلا لأننا لا نستطيع أن نعيش وسط القاذورات فنحن بشر ولسنا حيوانات، سكت عمي مولود بعد أن أخذ نفسا طويلا وواصل حديثه إلينا قائلا (نحن سكان هذه الشاليهات كما تشاهدين لسنا من العرايا أو أننا جئنا من ولايات مجاورة بغيت الحصول على شقق في العاصمة فنحن سكان العاصمة الأصليون، وبما أننا كنا عمالا عند بلدية الأبيار حصلنا على هذه الشاليهات، وللعلم أننا نقوم بدفع إيجار الشاليه للبلدية مقدرا ب800دج للبلدية، وأحيطكم علما أننا الشاليهات الوحيدة التي تدفع الإيجار في العاصمة وذلك حتى نملأ جيوب السلطات المحلية لبلدية الأبيار، وما زاد الطينة بلة أنه في يوم من الأيام جاءنا محضر قضائي ومعه أوامر بالدفع لكل ساكن باسمه على أساس أنها أقساط كراء مترتبة عنا، كل واحد من الجيران طلب منه دفع مبلغ معين، فأنا مثلا طلب مني دفع مبلغ 10 آلاف دج وهناك من طلب منه دفع مبلغ 20 ألف دج، فما كان علينا سوى الدفع، فقد تخوفنا من عدم ترحيلنا فكما يقال ماذا يفعل الميت في يد غساله). مادة الأميونت تهدد السكان بأمراض خطيرة سكت عمي مولود تاركا الدور للسيدة زينب إحدى جاراته القاطنات في نفس الشاليهات وواصلت الحديثة إلينا بعد أن أحضرت لنا إحدى الصور القديمة بالأبيض والأسود وكانت الشاليهات حينها عبارة عن خيم أقيمت إبان الحقبة الاستعمارية، وكان حول المكان مذبحة كبيرة كان يستعملها المعمر الفرنسي في ذبح الخنازير التي توجه للبيع فيما بعد في الأسواق الخاصة بالفرنسيين، فعلا عجبا من قدم الصورة ولكننا أصيبنا بالحيرة والذهول، فإذا كان المعمر الفرنسي قد استعمل هذا المكان ونصب الخيّم فيه سنة 1952، فقد مرت أزيد من 52 سنة أخرى على استقلال البلاد وتحررها من الاستعمار الغاشم ومازالت نفس العائلات تسكن فيه. لتقوم بعدها السيدة زينب بعرض علينا مجموعة من الملفات الطبية لأبنائها وأبناء جيرانها الذين وللأسف كلهم أصيبوا بأمراض تنفسية مزمنة كالربو والحساسية وحتى أمراض القلب من مادة الأميانت الخطيرة التي صنعت منها الشاليهات، والجدير بالذكر أن هذه المادة هي عبارة عن صوف مدسوس وسط الخشب الذي شيّدت به الشاليهات لهذا اضطرت العديد من الأسر إلى استبداله بالآجور الأحمر، وصفائح (الترنيت) علهم يتمكنوا من تفادي الأمراض قليلا ولكن للأسف لم يتمكنوا من ذلك، فحرارة الصيف الحارقة وبرد الشتاء القارص كله فوق رؤوس أزيد من 40 عائلة التي تقطن بهذه الشاليهات. الزلزال الأخير خلف أضرارا جسيمة بعد أن أتمت السيدة زينب حديثها إلينا أخذتنا في جولة استطلاعية إلى الشاليهات وقامت بطرقها بابا بابا حتى نتمكن نحن من زيارتها واحدا واحدا، وتعجبنا فعلا من الطريقة التي يعيش فيها الناس وحييناهم على صبرهم ونفسهم الطويلين جراء الحالة المزرية التي يعيشونها، فجل الأسقف آيلة للسقوط خصوصا بعد الزلزال الأخير الذي ضرب العاصمة الفاتح من أوت الجاري والذي بلغت درجته 5.6 درجات على سلم ريشتر، والذي أحدث أضرارا جسيمة بالمكان، فعلى خلاف الأسقف تشقق أرضيات الكثير من المنازل فأصبحت مائلة تشعر من يقف عليها بالدوار والصداع المفاجئ في الرأس، لا يتوقف الأمر عند هذا فحسب فكل الجدران دون استثناء أصيبت بتصدعات وتشققات عميقة، ففي بعض المنازل ترى ضوء الشمس داخلا من الشق وبوضوح حتى أن بعض العائلات اضطرت لسدّها بأوراق الجرائد بسبب النور الكثير الذي يدخل البيت، لا يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط، فإن إحدى العائلات ومن شدة تخوفها من سقوط الشاليه عليها إذا ما حدثت أي هزة ارتدادية فإنها خلال اليوم تبقى داخل المنزل، ولكن ومع حلول الليل تفترش الأوراق بينها وبين شاليه آخر حتى تتمكن على الأقل من النفاذ بأرواحها. وهناك إحدى العائلات تخرج المياه من أرضية منزلها طوال أيام السنة وذلك أن الشاليه الخاص بها مشيد فوق منبع للمياه قديم، بعد الزلزال أصبح يسيل بطريقة غزيرة ما يضطر هذه العائلة إلى افتراش بعد البطانيات القديمة على الأرض ثم افتراش بقية الأفرشة الأخرى، وكل يومين تقريبا تقوم هذه العائلة بتغيير تلك البطانيات التي تجدها في كثير من الأحيان مبللة بدرجة كبيرة وكأنها غطست في الماء. لجنة المعاينة تستفز قاطني الشاليهات بعد أن قمنا بزيارة لتلك الشاليهات البالغ عددها 25 شاليه تقطنه 40 عائلة، أردنا الاستفسار عن حضور السلطات المحلية إلى عين المكان، وهل قامت بمعاينة كل تلك الشاليهات التي أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على حياة المواطنين، فأجابنا السكان أنهم قاموا بإيداع أكثر من 100 ملف عند مصالح بلدية الأبيار التي كانت تبعث في كل مرة بلجان إلى الشاليهات لطلب وثائق جديدة من السكان ليوهمونهم أنهم سيرحلون قريبا إلى شقق لائقة، والتي أصبحت حلما يراود الصغير قبل الكبير، ولكن لا حياة لمن تنادي، وآخر لجنة مرت على هؤلاء السكان كانت شهر فيفري الفارط من السنة الجارية، حيث جاءت إلى هؤلاء السكان لجنة متكونة من رئيسة اللجنة وبعض ممثلين عن المجلس البلدي وقد كانوا مرفقين بأعوان الأمن الوطني، وقد قامت رئيسة اللجنة هذه باستفزاز السكان شر استفزاز، حيث طلبت من عمي مولود أن يريها غرفة نومه رفقة زوجته، كما طلبت منه أن يفتح لها باب الخزانة حتى تشاهد ملابسه وتتأكد أنه من السكان الأصليين، كما طلبت من أحد الشباب بإحدى العائلات أن يستلقي أرضا ويريها كيف ينام ليلا وسط شقيقاته بسبب ضيق الغرفة، ليس هذا فحسب فقد طلبت من كل كنة في كل منزل أن تريها غرفة نومها، وحتى الجهاز الذي جاءت به حتى تتأكد فعلا أنها من سكان البيت، وهكذا استفزت رئيسة لجنة المعاينة العائلات متناسية أنه توجد وثائق تثبت الإقامة والدفاتر العائلية التي من شأنها أن توضح انتساب كل كنة لبيت حماها، وهكذا تكون هذه اللجنة قد كرست مبدأ البيروقراطية التي تسعى الدولة جاهدة للقضاء عليه، ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا لم تقم أية لجنة بمعاينة المكان، حتى بعد زلزال 1 أوت الفارط.