بعد 7 أسابيع من غبار معركة لم تهدأ فيها نيران المعارك واشتدّت يوما بعد يوم، ومن تحت ركام المنازل التي دُمّرت فوق رؤوس ساكنيها ومن وسط الأحياء التي أُبيدت عن بكرة أبيها حقّ لغزّة أن تُعلن انتصارها، انتصار مؤزّر، انتصار ليس بالمتواضع وليس من مبدأ أن القوي إذا لم ينتصر مهزوم والضعيف إذا لم ينهزم منصور وليس من باب أن إسرائيل قد فشلت في تحقيق أهدافها، بل لأن المقاومة انتصرت على أعتى آلة قتل ودمار في العالم. لم تنجح غزّة في الصمود فقط في معركة غير متكافئة، بل ضربت وأوجعت وبادرت واقتحمت برّا وبحرا وجوا، فمن قصف تل الربيع وحيفا ودخول كلّ مدن الداخل المحتلّ في مرمى صواريخ المقاومة إلى عمليات الإنزال خلف خطوط العدو عبر الأنفاق تارة وعبر الكوماندوز البحري تارة أخرى، وليس نهاية بالكمائن المتقدّمة والاشتباك من منطقة صفر وفتح المدرّعات وسحب الجنود منها وسط عويل وصراخ الصهاينة. لقد أعطت المقاومة للصفر قيمة وهي تشتبك وتذلّ جيش الاحتلال الإسرائيلي وتحطّم صورة الجيش الذي لا يُقهر فإذا به أمام مجاهدين أبطال يبكي ويصرخ ويستنجد ويقف عاجزا عن التصرّف والحراك، ويكفي لتلك القيمة أن فيديو اقتحام موقع ناحل العوز العسكري لأبطال النخبة من القسّام في الشجاعية قد هزّ المجتمع الصهيوني وأربك حسابات قادته وجلّلهم بالعار. انقشع غبار المعركة وبدأ الخلاف في الصهاينة يستشري، والحديث عن فشل الجيش تارة وفشل الاستخبارات تارة أخرى وفشل الحكومة والمجلس الأمني تارة ثالثة، والحقيقة هو فشل لكلّ المنظومة الحاكمة في تل أبيب فمن عدم تقدير المقاومة حقّ قدرها مرورا بعدم قدرتهم على اكتشاف الأنفاق رغم كلّ التطوّر التكنولوجي وليس نهاية بعدم معرفتهم بقيام المقاومة بتصنيع صواريخ تصل حيفا وما بعد حيفا رغم الطائرات الحربية بلا طيّار التي لا تكاد تغادر أجواء غزّة، ورغم الحصار الخانق المفروض على قطاع غزّة. خرجت المقاومة من هذه الحرب منتصرة بإرادتها وصلابة شبابها والتفاف الشعب حولها والتضحيات الجسام التي قدّمها فما يزيد عن 2137 شهيد وأكثر من 11100 جريح، ودمار في كلّ مرافق البنى التحتية وهدم لأكثر من 10 آلاف وحدة سكنية، وإبادة عائلات بأكملها من السجِّل المدني وأحياء كاملة من الخريطة ورغم ذلك كان الشعب يهتف بصوت واحد (كلّنا مقاومة، كلّنا مع المقاومة). تلك التضحيات الجسام لابد وأن يكون لها ثمن سياسي كبير تمثّل بالتعهّد برفع كامل الحصار عن غزّة وامتثال العدو صاغرا لمعظم شروط وطلبات المقاومة، فهذه الجولة لم تكن كسابقاتها هي الجولة الأخيرة قبل حرب التحرير. أمّا حكومة نتنياهو ويعالون فهي إلى تفكّك وزوال، فما عادى أحد غزّة إلاّ سقط، وما ناصبها العداء أحد إلاّ كان من الهالكين، لقد قضت غزّة على طموحات التتار سابقا وها هي اليوم تحطّم غطرسة تتار العصر وتُحيي الأمّة بجهادها. وأمّا العرب فغزّة لن تنسى الخذلان، لكنها ترجو من اللّه أجر الدفاع عن شرف الأمّة، لا يُضيرها مَن خذلها، مُوقنة بنصر اللّه، وأنها كلّما دفعت الدماء للذود عن حياض العروبة والإسلام كلّما لاح فجر الخلاص الشامل، وكلّما كان موعد التحرير أقرب. لن ننسى الدماء التي سالت وهي تُعدّ لهذه اللحظة، حيث قضى شهداء الإعداد إلى ربّهم وهم يجهّزون الصواريخ ويحفرون الأنفاق ويتدرّبون على خوض أعماق البحار، ولن ننسى من مضى شهيدا وهو يُقارع المحتلّ ويقضُّ مضاجعه حتى حدّث الصهاينة أنفسهم بالرحيل فقد أتاهم الموت الزؤام من السّماء وراكضا في شوارع أراضينا المحتلّة، وتفجّر من تحت أرجلهم عبر عشرات الأنفاق الهجومية وأتاهم زاحفا من البحر عبر قوات الكوماندوز البحري. أسرانا قال لكم قادة المقاومة قد وصلت الرسالة، وها هم يتحضّرون لإخراجكم من سجون المحتلّ بصفقة وفاء الأحرار الثانية والثالثة ولن يغمض لهم جفن حتى تبيض سجون بني صهيون من أسرانا الأبطال. ختاما من المهمّ جدّا وفي غمرة فرحنا بالانتصار الكبير ونقطة التحوّل العظيمة في الصراع عدم نسيان من تهدّمت بيوتهم وسرعة إعمارها وضرورة الاعتناء بالجرحى، خصوصا من فقد طرف من أطرافه والوقوف بجانب عائلات الشهداء والجرحى لإظهار صور التكافل والتضامن الإسلامي، وقبل هذا وذاك إسناد المجال الصحّي بما يحتاجه ليكون عونا وسندا في أيّ مواجهة قادمة، دور التأهيل والإعمار بعد الدمار ضريبة الانتصار، وحتى يتيقّن الشعب أن مقاومته ومؤسساته لا تنساه في فترات الرّاحة كما كان الشعب مع مقاومته ومؤسساته في فترة الحرب والتصعيد. شكرا لشعب فلسطين، شكرا لأهل غزّة حاضن المقاومة الأوّل، ولولا اللّه ثمّ صمود وثبات الشعب والتفافه حول مقاومته ما انتصرت غزّة