بقلم: هشام منور في بازار السياسة، كل شيء وارد، التحالفات وتغيراتها، الموازين وتعقيداتها، وحتى المصالح وتبدلاتها، ما دامت تصب في خانة الهدف السياسي المتبدل دوماً وأبدا. قرار الولاياتالمتحدةالأمريكية الانخراط في حرب معلنة ضد (داعش) أسال لعاب الجميع في سوريا وخارجها، للمشاركة في هذه الحرب (الشرعية) الأهداف والمقاصد ضد تنظيم متشدد، أجمع الكل على ضرورة مواجهته كل حسب أسلوبه وطريقته. ورغم أن سيد البيت الأبيض عاجز حتى الآن عن رسم ملامح واضحة لمواجهة تنظيم (داعش) وقتاله، وسط تردد بين الأساليب السياسية والعسكرية، وحجم ودور المنسوب العسكري في معركته، في ظل إصراره على عدم خوض أي حرب خلال فترة ولايته الثانية التي شارفت على الانتهاء، إلا أنه أعلن أخيراً أنه بصدد إعداد خطط عسكرية لمواجهة التنظيم في العراقوسوريا. إدراك الإدارة الأمريكية لخطورة تنظيم (داعش) المتمدد يدفعها إلى استلام زمام المبادرة هذه المرة، وعدم الاتكال على الحلفاء المحليين أو الإقليميين، إذ شرعت طائرات استطلاع أمريكية من دون طيار عملية مسح للأراضي السورية المجاورة للعراق، من أجل تحديد مواقع تنظيم (الدولة الإسلامية) (داعش) في مدينتي دير الزور والبوكمال ومناطق أخرى مجاورة للمدينتين، انطلاقاً من مدينة الموصل العراقية، في عملية استمرت ساعات، بحسب مسؤولين عراقيين مطلعين. وهذه هي المرة الأولى التي تخترق فيها طائرات أمريكية الأراضي السورية منذ بدء تدخلها العسكري في العراق مطلع الشهر الجاري. فالضربات الأمريكية لن تكون مفيدة في العراق، من وجهة نظر الإدارة الأمريكية، في ظل استمرار تدفق عناصر التنظيم عبر الحدود وتنقلهم بين البلدين بسهولة. قد تكون هذه الخطوة تمهيدا لعمل عسكري أمريكي، أو مجرد استطلاع لمعرفة خطوط إمدادات (داعش) بين العراق وسورية، لكنها بكل تأكيد تعني مزيداً من الانخراط العسكري الأمريكي في سوريا بعد العراق، الذي يرتبط مع سورية بحدود مشتركة تبلغ 640 كيلومترا، وتتسم بالتعقيد الجغرافي، بحيث سهلت تضاريس المنطقة الجبلية الوعرة والمتداخلة مع بعضها بعضا من عملية تنقل المسلحين بين البلدين من دون التمكن من السيطرة عليه. سباق محموم تنهمك مراكز صنع القرار في الولاياتالمتحدة بشأن الخيارات الممكنة أمام إدارة الرئيس باراك أوباما للتعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعد أن حسمت خيارها تجاه توسيع المواجهة، والنقاش لم يعد يتركز فقط على الوسائل العملية لدحر (داعش) عسكرياً وإلحاق الهزيمة به ميدانياً، بل يمتد ليشمل الخيارات الممكنة على الصعيد الأمريكي المحلي لتوفير الغطاء القانوني والسياسي والمالي لتحقيق الهدف المشار إليه. التصعيد الأمريكي ضد تنظيم (داعش) بدأ يأخذ مفاعيله على شكل سباق محموم بين النظام والمعارضة، للاستفادة، قدر المستطاع، من تبعات هذا التوجه، كل وفق حساباته السياسية والعسكرية، إذ يسعى النظام إلى الاستفادة من هذا التوجه في استعادة شرعيته الدولية، التي فقدها منذ الثورة السورية، ومن المرجح أن يشارك النظام في ضرب التنظيم، في حال تمت مهاجمة مواقعه من قبل واشنطن، بالتزامن مع تسويق إعلامي كبير لما يقوم به. لكن النظام لن يكترث بتحقيق مكاسب ميدانية على الأرض، لأسباب كثيرة أهمها طبيعة المناطق، التي يسيطر عليها التنظيم حالياً، والتي كانت تشكل عبئاً على النظام، بالإضافة إلى فقدان النظام ثكناته العسكرية في تلك المناطق، التي من الصعب إعادة إنشائها، بالنظر إلى الإنهاك الذي أصاب الجيش النظامي. قبل القرار الأمريكي بإعلان الحرب على (داعش)، لم تكن قوات النظام معنية بالهجوم على التنظيم، ما لم يبادر الأخير إلى مهاجمتها، حتى أن الفترة، التي سبقت إعلان التنظيم ما سمي (دولة الخلافة)، عرفت نوعاً من التنسيق غير المعلن بين قوات النظام والتنظيم، على ضرب المعارضة المسلحة، وحصارها إن تسنى لهما ذلك. في المقابل، تمتلك بعض فصائل المعارضة المسلحة فرصة قوية للدخول كشريك في التحالف الدولي الجديد، مع حسابات مختلفة عن حسابات النظام، إذ تسعى، من خلال هذا التحالف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، يأتي في مقدمتها تشكيل نواة لمؤسسة عسكرية مدعومة دولياً بالسلاح والتدريب، بالإضافة إلى السيطرة على المناطق التي يتم طرد تنظيم (داعش) منها. وفود من الائتلاف السوري ستزور عدداً من الدول الغربية، على رأسها الولاياتالمتحدة، من أجل التباحث في موضوع الضربة المحتملة للتنظيم في سورية، بحسب تسريبات من داخل الائتلاف، ومن الطبيعي أن تتولى المعارضة إدارة المناطق التي سيطرد منها تنظيم (داعش) كنتيجة لطرد (داعش) من هذه المناطق حال تنفيذ الضربة، كما يطمح الممثل السياسي الرئيسي للمعارضة السورية. وقد قامت المعارضة المسلحة مؤخراً بخطوات جدية للمساهمة في القضاء على (داعش)، إذ شهدت الفترة الأخيرة توحد معظم الفصائل في مختلف الجبهات، كما أعلنت من جبهة حلب معركة (نهروان الشام) بهدف محاربة التنظيم. هي إذن حسابات سياسية تتأرجح بين النظام والمعارضة، وتخشى الإدارة الأمريكية اختيار أحدها على الآخر لما قد يترتب عليه من تداعيات ربما تكون أكبر من الاستعانة بأحدهما، لكن المواطن السوري وبلاده المنهكة من القتال الدائر سوف يكون المستبعد الوحيد من حسابات الربح والخسارة، داخلياً ودولياً.