بقلم: مازن صاحب ما زالت التحليلات التي تنتشر في مراكز الأبحاث الغربية، لاسيما الامريكية لتداعيات ظهور ما عرف بتنظيم الدولة الإسلامية، بحاجة الى معلومات واقعية تجيب على سؤال محدد من يحارب ضد من؟ . ولأن هذه التحليلات تؤخذ من قبل صناع القرار في التحالف الدولي، لرسم سيناريوهات حربهم ضد داعش ، فإنها تقع في محظور معروف في مصفوفة التحليلات الاكاديمية، بأنها تقرأ النتائج من معطيات المعلومات التي تبرز كمدخلات في برامج التحليل، وتنتهي الى إجابات لا تتطابق بالضرورة مع وقائع الميدان، لتكون نتائج هذه الحرب بالتالي مخطئة بالكامل. الإجابة على هذا السؤال تتطلب تحديد الطبقات الاجتماعية لهذه الحرب، من وجهة نظر باحثين ومحللين عراقيين، فهناك البدوي من تنظيم داعش ، وهو في الاغلب الاعم من الشيشان وأفغانستان وشمال أفريقيا ومناطق البو كمال السورية والقائم العراقية وربيعة نينوى، يتصف بالتطرف الصلب وحب القتل، لكنه متقلب المزاج سيئ الظن حتى بالصديق. وهناك من يمكن وصفه ب القروي هو في الغالب من عشائر سهل نينوى وقرى العكيدات ودير الزور ومنطقة الثرثار والجزيرة في صلاح الدين وشهربان وبهرز وحوض حمرين في ديالى، تسيطر عليه من حين إلى آخر العواطف الطائفية، ونار الحماسة المذهبية تجتاح عقله فينكر إنسانيته ويتناسى أخلاقه العربية ويقاتل بدافع التعصب. اما من يمكن وصفه ب القبلي فهو من دول الخليج والأنبار ويثرب والحويجة في صلاح الدين والعظيم في ديالى، ليس بريئا من التطرف والظُلم، ولكن حسب المتابعة فإنه لا يتنزه عن السرقة أو القتل. فيما من يوصف ب المدني فهو من محافظات سورية، خاصة الرقة والحسكة ومحافظاتالعراق، خاصة بغداد والموصل والفلوجة وكركوك وكردستان ومن المهاجرين من أوروبا، يتصف بالاستقرار، كذلك هو أكثر وعيا وأكثر مهنية عند خوضه الحروب، ويندرج ضمن هذا التصنيف بقية خلايا حزب البعث المنحل. هذا التنوع الطبقي الاجتماعي، انتج نوعا من التفاؤل والغرور الذي كان مستحوذا على تفكير قيادة تنظيم الدولة بعد العاشر من يونيو، وظهور أبو بكر البغدادي في خطبته المعروفة ودعوته بقية التشكيلات لمبايعته، خليفة للمسلمين، لكن هذا الغرور أفسد عليهم قوة الإرادة، وانشغلوا بالسلب والنهب وسرقة الأموال ونقلها ثم خزنها، يضاف الى ذلك صعوبة التواصل في التطبيقات الإلكترونية الذكية والموبايل، خشية الاختراق، وبالتالي التأخر بالتنفيذ والتسرع بالاجتهادات الميدانية غير المدروسة، ما أدى الى ظهور الخلافات بين صفوف القيادة الميدانية حول الخطط العسكرية، ونفرة البيئة التي يسيطرون عليها بسبب غلوهم وتطرفهم وانهيار الوضع المعيشي والاقتصادي للسكان المحليين. مشكلة التحليلات الامريكية عن التعاطي مع البيئة الاجتماعية الحاضنة ل داعش في العراق وسورية انهم يريدون البحث عن ثغرات في نظام القيادة للنفوذ من خلالها الى داخل التنظيم، عبر خلايا استخبارية، لتكرار تجربة سيرج العملية العسكرية التي صممها وقادها ونفذها الجنرال بيترايوس، حينما شكل وحدات الصحوات ضد تنظيم القاعدة . الامر اليوم يختلف في معالمه الاجتماعية عن تلك الفترة، لان البيئة الحاضنة ل داعش تتضمن قيادات قبلية وبدوية وقروية، تهمين على قرار الطبقة الاجتماعية المدنية الساعية للتغيير السياسي، من خلال بندقية داعش ، فانتهت هذه الطبقة الى مجرد أداة بيد تلك الطبقات المهيمنة، بما يؤكد صحة الرأي القائل بان كل الحديث عن ثورة عشائر في العراق ما بعد سقوط الموصل، لم يكن اكثر من أمنيات التحالف مع الشيطان، لكي يسبح ساسة الرفض للعملية السياسية في العراق في موجة داعش ، فانتهوا الى الغرق في سياساتها، والانزواء عن قيادة ما يعرف بالدولة الإسلامية. كل ما تقدم في فنون التحليل الاستخباري لمعطيات حرب معلنة على منظومات حرب صغيرة، يطبقها داعش ومن معه في هذه الحرب، جعل الأمور تتجه الى أنواع من الخلافات بين صفوف القيادة الميدانية حول الخطط العسكرية.. ونفرة البيئة التي يسيطرون عليها بسبب غلوهم وتطرفهم وانهيار الوضع المعيشي والاقتصادي للسكان المحليين، بما أدى الى وهن الأسس التي أعلنت عنها خطبة أبي بكر البغدادي، وما عرف بوثيقة الموصل، حينما تعددت محاور المعارك وتوسعت جغرافية القتال وتكرار محاولات حصار القوات النظامية، التي تحتاج الكثير من الاقتحاميين والزخم الناري والعمليات الانتحارية، وتسارع الزمن القتالي انتهى الى استنزاف للبشر والسلاح من خلال خسائر كبيرة بالنسبة للإنجازات التي أحرزها تنظيم داعش ، لاسيما بعد الدور الذي نفذته القيادة الإيرانية بتوسيع أدوارها من خلال مليشيات الحشد الشعبي، وإعلان طهران، عبر وكالة انباء فارس، ومحطة العالم التلفازية الناطقة باللغة العربية، عن تلك الأدوار، وصور الجنرال قاسم سليماني وهو يقود هذه العمليات في امرلي وجرف الصخر، ومن الملاحظ أن قيادة داعش كانت تعد سيطرتها على جرف الصخر وعامرية الفلوجة أمرا ضروريا يجب تحقيقه، فقد عملت على اعتبار سكان تلك المناطق كفارا ومرتدين وعملت على استهدافهم بالهاونات والصواريخ، لتنفيذ قرار احتلال مناطقهم، فانتهت الاستراتيجية التي يتبناها المجلس العسكري لتنظيم الدولة، المتمثلة في الهجوم المعتمد على المبدأ القائل بأن الدفاع الأفضل هو الهجوم، أي نقل الحرب بأسرع وقت إلى أراضي العدو وحسمها في جولة خاطفة، مرتكزا على العمليات الانتحارية وكتيبة الاقتحاميين.. أصبحت مكشوفة والاستعداد لصدها يمنع قوة الصدمة الخاطفة، كما سبق ان حصل في الموصل وتكريت التي انتهت بجريمة معسكر سبايكر المعروفة. لذلك لم يعد بوسع كتائب تنظيم الدولة أو المشاة التحرك، كما كان الأمر في السابق بأرتال كثيفة، بسبب عدم قدرتها على مواجهة سلاح الجو للتحالف الدولي من جهة، وسلاح الجو العراقي الذي اخذ يستعيد مهماته بشكل تدريجي، ما حد من حرية الحركة والمناورة، لدرجة غدت السمة الأساسية للحرب، التخندق في حفر واستحكامات، وكان من نتيجة ذلك أن تغلبت استراتيجية القوات العراقية التي تحاكي اساليب العدو على استراتيجية تنظيم الدولة. السؤال الجديد المطروح عن الصفحة الجديدة لهذه الحرب بعد معركة جرف الصخر ومساعي استثمارها عراقيا لفتح خطوط قتالية في عامرية الفلوجة والانتقال من الدفاع المنظم للقوات العراقية الى الهجوم متعدد الأطراف، الأيام المقبلة ربما تحمل إجابات متعددة الجوانب ما بين قدرات تنظيم داعش على احتواء زخم تصاعد الهجوم العراقي، الذي ربما يتصاعد اكثر في ظل توافقات ما بين قيادات عشائرية وحكومة العبادي من جانب وتدخل إيراني اكثر وضوحا ربما بموافقة إيرانية من جانب اخر ما دامت الحرب سجالا والمعارك صفحات .