حذرت تقارير دولية حديثة من تمدد زحف تنظيم داعش الإرهابي إلى دول الجوار الليبي ومن بينها الجزائر، عقب سيطرة أكثر من 800 داعشي على مدينة درنة الليبية التي تبعد حوالي 950 عن الحدود الجزائرية، هذه الظروف غيرت نوعا ما من نظرة الفاعلين والمختصين إلى داعش الجزائر من عين الخطر المستبعد إلى منظور التهديد المحتمل . تمكن تنظيم داعش الإرهابي من السيطرة على مدينة درنة الساحلية شرق ليبيا التي تبعد بحوالي 950 كلم عن الحدود الجزائرية إلى جانب كونها تبعد نحو 200 ميل عن الشواطئ الجنوبية لأوروبا. الرايات السود لتنظيم داعش ترفرف فوق الأبنية الحكومية في درنة وسيارات الشرطة تحمل شعاره في الوقت الذي يستخدم فيه ملعب كرة القدم في المدينة كساحة لتنفيذ الإعدامات. وبين مصدر فضل عدم ذكر اسمه في تصريحات لشبكة CNN أن عدد مقاتلي داعش في درنة يبلغ 800 عنصر ويديرون نحو ستة مخيمات بأطراف المدينة وفي الجبال القريبة، حيث يتم تدريب عناصر من مختلف دول شمال إفريقيا. وبحسب مصادر ليبية، فإن التنظيم استغل ولا يزال الفوضى السياسية في البلاد ويقوم بالتوسع غربا على امتداد الشواطئ الشمالية بليبيا. ويشار إلى أن التعداد السكاني في درنة يصل إلى 100 ألف نسمة. واحتل الإرهابيون في درنة مبنى البلدية، وكتبوا عليه: المحكمة الشرعية ، وقاموا بإصدار أحكام على العشرات من جنسيات مختلفة ورموهم بالرصاص أو قطعوا رؤوسهم بمناشير خاصة بقطع الشجر، مرة في أرض معلب المدينة ومرة في ساحة مسجد الصحابة في وسط درنة. ورغم الإمكانات الأمنية المتواضعة للدولة، إلا أن رجال الجيش يواصلون فحص أوراق الأشخاص وسياراتهم من القادمين من درنة، وذلك في البوابة العسكرية الواقعة شرق المدينة، قبل السماح لهم بالتوجه إلى مدينة طبرق الأكثر أمنا والتي تنعقد فيها جلسات البرلمان ويقيم فيها كثير من رجال الدولة. البغدادي يتمدد في ليبيا وعينه على الجزائر أخذت تحليلات المختصين في الشأن الأمني إعلان أبو بكر البغدادي، زعيم التنظيم الإرهابي المسمى (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، في تسجيل صوتي تمدّد تنظيمه إلى الجزائر بعين الجد، بعد أن كانت ترى في تهديداته محض فرقعات إعلامية لا تشكل أي خطر على البلاد والعباد. وهدد البغدادي بشن سلسلة اعتداءات في الجزائر، مصر، ليبيا وبلاد الحرمين دون أن يأتي على ذكر مجموعات المتطرفين الذين سبق أن أعلنت ولاءها ل داعش . وقال البغدادي بصيغة العموم إنه يقبل بيعة من بايعه في الجزائر، دون الإشارة إلى (جند الخلافة) الذين بايعوه قبل شهور وأقدموا على اختطاف وإعدام متسلق الجبال الفرنسي بيار إيرفي غوردال في غابات تيزي وزو. وتشتغل مصالح الأمن الجزائرية على فحص مضمون التسجيل الصوتي الذي بثه التنظيم على منتديات المواقع الجهادية بعد أيام من الغموض حول مصيره إثر تنفيذ التحالف الدولي ضربات جوية استهدفت قادة للتنظيم في شمال العراق. ولم يأت شريط الفيديو ومدته 17 دقيقة، على ذكر الغارات التي أعلنت واشنطن أن طائرات التحالف نفذتها مساء الجمعة الماضية قرب مدينة الموصل، إلا أن البغدادي ذكر في التسجيل أحداثا وقعت في الأيام الماضية، منها إعلان عدد من المجموعات الإرهابية بيعتها للتنظيم. وفي التسجيل الذي حمل عنوان _ولو كره الكافرون_ مساء الخميس المنقضي، قال البغدادي: _نبشركم بإعلان تمدد الدولة الإسلامية إلى بلدان جديدة، إلى بلاد الحرمين (السعودية) واليمن ومصر وليبيا والجزائر، ونعلن قبول بيعة من بايعنا من إخواننا في تلك البلدان، وإلغاء اسم الجماعات فيها، وإعلان ولايات جديدة للدولة الإسلامية وتعيين ولاة عليها، وكما نعلن قبول بيعة من بايعنا من الجماعات والأفراد في جميع تلك الولايات المذكورة وغيرها، ونطلب من كل فرد اللحاق بأقرب ولاية إليه، وعليه السمع والطاعة لواليها المكلف من قبلنا). الحوار الليبي لدرء الخطر الداعشي يرى الكثير من المتابعين أنّ الجزائر ستكون أمام تحدٍّ صعب وهو السيطرة على الميليشيات المسلّحة لإنجاح الحوار الذّي لن يكون له معنى إذا استمرت الحرب الأهلية بليبيا، بسبب نفوذ الميليشيات. ويؤكّد من جانب آخر خبراء أن الامتحان الذي سيجتازه حوار الجزائر في سبيل السيطرة على هذه الميليشيات يكمن في التحاور مع الحركات المسلّحة المعتدلة، والتي لها تأثير على باقي الحركات والعديد من الميليشيات، ويمكن أن تقنع حركات جهادية متطرفة بالعدول عمّا هي عليه، أو ما يسمى ب المراجعات الفكرية التي يقودها بعض القادة الميدانيين للحركات المسلّحة بليبيا، في محاولة تستهدف إقناع الجهاديين المتطرفين بالعدول عن العنف وتغليب الحوار ومصلحة ليبيا. وقطعت الدبلوماسية الجزائرية شوطا كبيرا نحو جمع الفرقاء الليبيين على طاولة حوار الجزائر، بفضل الاتّصالات المتعدّدة التّي باشرتها سواء مع ليبيين أو دول لها نفوذ على بعض ألوان الطيّف السياسي والمشهد العام بليبيا. والملفت أنّ الاتّصالات الجزائرية لم تستثن أيّ ليبي، فكان لها اتّصالات بأمازيغ ليبيا بباريس وكذا القيادات السابقة في نظام القذافي والليبيراليين الليبيين بفرنسا، واتّصالات أخرى مع عائلة القذّافي في الجزائروعمان، عن طريق عدّة منافذ، منها اتّصالات غير مباشرة، وعن طريق الحركة المسلحة المقاومة، وعن طريق قذّاف الدّم أيضا، وكذا أسرة القذّافي التي تملك روسيا تأثير غير مباشر عليها، وأقاربه المقيمين في عمان، واتّصالات تصبّ في المغزى نفسه مع دول كالإمارات العربية المتّحدة وفرنسا وقطر وحركة النهضة التونسية من أجل الوساطة مع حلفائهم في ليبيا، إضافة إلى مصر التّي تعدّ الأكثر تأثيرا على اللّواء المتقاعد خليفة حفتّر، إضافة إلى تأثير الدوحة على بعض الحركات السلفية. لكن أمام التّقدم الهام الذّي أحرزته الدبلوماسية الجزائرية في إقناع الأطراف الليبية والدّول الإقليمية الفاعلة، سواء بإقناع تشكيلات ليبية بالحوار أو الكفّ عن تمويل ودعم الميليشيات المسلّحة، تبقى مبادرة الجزائر أمام تحدّي آلاف الميليشيات المسلّحة بليبيا، التّي تعمل الجزائر على تضييق الخناق عليها من جانب التّمويل والتّسليح من جهّة، وتحييد بعض الدّول المتواطئة معها بالسلاح والمال من المشهد اللّيبي من جهة ثانية، خاصة إذا علم أنّ هذه الميليشيات تعدّ جزءا من منظومة عمل إقليمية.