عائلات بأكملها تفترش الأرصفة في عز الشتاء عندما تهدأ العاصمة ليلاً وتخيم السكينة في أحيائها، ويعود الجميع لمنازلهم تبقى فئة المشردين في الشارع تبحث عن مكان لقضاء الليل، هم رجال ونساء، أطفال وشيوخ يفترشون الكرطون ليلاً، يقاومون البرد والمطر في وسط تنعدم فيه شروط الأمن والنظافة وكل شروط الحياة، قمنا بالتنقل ليلاً رفقة مجموعة شباب الرحمة للتقرب من هذه الفئة ومعرفة أسباب تواجدها بالشارع وعدم توجهها لدور الإسعاف الاجتماعي فوقفنا على حقائق يندى لها الجبين. سيد أحمد يونس وعلي البداية كانت من ساحة أول ماي بالقرب من محطة الحافلات، حيث انطلقنا مع شباب الرحمة الذين كانوا يقومون بتوزيع الوجبات الساخنة وملابس وأغطية على المشردين الذين صاروا ينتظرون المجموعات الخيرية كل ليلة ليقدموا لهم الأكل، النقطة الأولى كانت أمام مدخل مستشفى مصطفى باشا الجامعي، حيث توافد حوالي 50 شخصاً معظمهم رجال جاءوا من ولايات أخرى للبحث عن عمل أو للتسول، واصلنا التعمق في قلب العاصمة، وكانت المحطة الموالية شارع حسيبة بن بوعلي، حيث كان بانتظارنا أكثر من 60 شخصاً من بينهم عشرين امرأة من بنات قصر وأمهات مطلقات وعجائز، رفضت العديد منهن الحديث معنا، فتقربنا من خالتي عيشة عجوز تعد من بين النسوة اللواتي عاشرن الأرصفة لسنين طوال في حسب ما صرحت به لنا، وكشفت لنا بعض أسرار المتشردات الأخريات اللواتي انضممن إلى فئتهن لغرض التسول ويفترشن الأرض لذات الغرض ولا يعدن لمنازلهن قبل منتصف الليل. بائعات هوى وسكارى... خلف الستار
أخبرنا توفيق حاكم عضو بمجموعة شباب الرحمة أنهم يقدمون 300 وجبة أي أنه يوجد 300 مشرد يتم إطعامه ولكن قاطعته خالتي عيشة قائلة كذابين ومنافقين ياوليدي مايستاهلوش ، حيث أخبرتنا أن هناك فئة أخرى قد يضعها البعض في خانة المشردين ولكن هم محتالون، فالبعض عبارة عن سكارى يفضلون قضاء الليلة في الشارع وعدم دخول منازلهم في تلك الحالة وأخريات وصفتهم بعاملات الليل حيث يقفن في جانب الطريق للبحث عن الزبائن وعند سؤالنا عن مصالح الأمن التي من المفروض أن تحاربهم بشدة قالت إنهن يلعبن دور المشردات أو مطرودات من المنازل فيفترشن الكرطون لأغراض دنيئة. كما أخبرتنا أنه لمعرفة عدد المشردين الحقيقيين يجب التجول قبل الفجر، حيث يمكن معرفة من هم حقا مشردين ويبيتون في العراء، وفي سؤالنا عن الأسباب التي دفعتها للخروج للشارع تهربت عن سرد قصتها وحصرت الأمر بمشاكل مع عائلة زوجها الذي توفي وترك إرثاً حرمت منه وطردت للشارع، فاتخذت منه ملاذا لها رفقة ابنتيها. ساحة السكوار أكبر نقطة لتجمع المشردين ساحة بور سعيد أو السكوار لاحظنا توافدا كبيرا من الناس للحصول على الوجبات الساخنة حوالي 100 شخص من نساء ورجال وأطفال، ملامح الكثير منهم تدل على أنهم ممن اعتادوا المبيت في العراء، كان هناك شخص يحمل في يده قضيبا حديديا شبيها بالسيف، تقربنا منه وسألناه عن حاجته له فقال لسنا بمكة وأولاد الحرام في كل جهة ، فسلاحه الأبيض هذا كان صديقه الوفي طيلة 10 سنوات التي قضاها في الشارع، حيث تعرض لعدة مشادات مع أشخاص حاولوا سرقته ليلاً أو الاعتداء عليه، وحسب ما أفادنا به فإن النساء هنا الأكثر عرضة للمخاطر والتحرشات لهذا نجد دائما النساء بمقربة من مشردين آخرين يضعن فيهم الثقة حتى يحموهن ليلاً. الهواري .. عميد المشردين عند وصولنا للمسجد الكبير، توقف أعضاء شباب الرحمة لمواصلة توزيع الوجبات، فقابلهم بوجه بشوش رجل في الأربعينيات من عمره اسمه الهواري الذي يعد من أقدم المشردين بالعاصمة منذ أكثر من 25 سنة، حين كان شابا أتى من ولاية سيدي بلعباس بعد أن ترك منزل والديه لأسباب لم يصرح بها، ولكن عندما سألناه عن دور الإسعاف والهلال الأحمر الجزائري صرح لنا بأنه في دور الإسعاف بباب الزوار أو سيدي موسى أو غيرها هي أماكن للمجانين فقط وتنعدم فيها ظروف الحياة لانعدام النظافة وأيضا الأمن، حيث يفضل الهواري المبيت حراً بالشارع، أين توفر له المجموعات الخيرية الأكل والملبس ويمكنه أن يعمل صباحاً، كما أعاب الطريقة التي صاروا يقتادون بها المشردين الذين يرفضون الدخول لهذه المراكز للأسباب المذكورة سابقاً، حيث تمر دوريات من الشرطة والحماية المدنية وحافلات تابعة لمراكز الإسعاف لإدخال المشردين بها وغالبا ما يرفض المشردون مرافقتهم ويكتفون بتقديم الوجبات الساخنة لهم، وفي هذا الإطار أخبرنا عضو بمجموعة شباب الرحمة أن الهلال الأحمر الجزائري ووزارة التضامن ترى في المجموعات التي تقوم بتوزيع الأكل للمشردين السبب الرئيسي لبقائهم بالشارع بسبب جهل الطرق أحيانا التي تجذب المشردين إلى مراكز الإسعاف. أزقة باب الوادي ملاذ النساء في أزقة باب الوادي، وجدنا عددا كبيرا من النساء مع أطفالهن يبيتون في الشارع، تقربنا من إحداهن التي كانت رفقة رضيع وثلاث أخوات لها كان مآلهم الشارع بعد أن طردوا من منزل العائلة بفوكة بولاية تيبازة بعد طلاق الوالدين وموت الأم، وما شد انتباهنا عند حوارنا لها وجود شباب من أبناء الحي يقومون بحراسة السيارات ليلاً كانوا يراقبوننا عن كثب، وعندما سألنا عنهم قالت لنا إنهم يحمونها ليلاً، فقد تعرضت وأخواتها لعدة مضايقات خاصة ليلاً من طرف منحرفين ولكن كان هؤلاء الشباب بالمرصاد لهم كما أخبرتنا أنه منذ شهر رمضان الفارط وهم بالشارع يعانون الويلات ولم تصلهم أية التفاتة، إلا بعض المبادرات من شباب متطوعين في ظل غياب تام لوزارة التضامن. ظروف اجتماعية قاسية واصلنا التجوال ليلاً في أزقة العاصمة، ونفس الصور التي شاهدناها كانت تتكرر مناظر للبؤس والحرمان يضعها الليل تحت المجهر لتظهر بشكل أوضح، رغم العامل المشترك للعديد من المشردين وهو الكتمان، فلكل منهم قصة مبهمة يرفض الخوض فيها ويبقى صابراً، ولكن ما لمسناه من إخواننا المشردين معاناتهم من مشاكل نفسية، ليسوا مجانين بل بالعكس وجدنا فيهم أساتذة ومثقفين، ولكن معظمهم أصيبوا بصدمة نفسية جعلتهم يفضلون العزلة وحياة الشارع، لهذا البعض منهم يرفض بشدة دور الإسعاف، كما نجد فئة أخرى لم تدفعها المشاكل العائلية والصدمات النفسية وحدها للشارع وإنما حصروا الأمر في المشكل المادي، حيث أضحوا عالة على عائلاتهم وأصبحوا يعيشون على هامش المجتمع لعدم توفرهم على عمل، مما جعلهم مستهلكين فقط، حسب ما أخبرنا به شاب في ال 25 من عمره أتى من ولاية الشلف.