يبدو أن حجم التحديات التي تنتظر الباجي قايد السبسي التلميذ الوفي لبورفيبة، بعد إعلان الهيئة العليا للانتخابات بتونس رسميا عن فوزه بمنصب الرئاسة هائلا. يعد الباجي قايد السبسي أول رئيس لتونس ينتخب بشكل مباشر من الشعب بعد الثورة، كما يعتبر أول رئيس تفرزه انتخابات ديمقراطية نزيهة وتعددية تشهدها تونس لأول مرة في تاريخها الحديث. ومع أن الدستور الجديد الذي تمت صياغته بعد الثورة داخل المجلس الوطني التأسيسي قد قلص من صلاحيات الرئيس لمصلحة رئيس الحكومة ضمن نظام سياسي يقوم على المزج بين الرئاسي والبرلماني، إلا أن الرئيس لا يزال يتمتع بسلطات مهمة تشمل السياسة الخارجية والأمن والدفاع فضلا عن سلطاته التشريعية. كما لا يزال يحتفظ الرئيس برمزية قوية لدى الشعب، ما يجعل دوره محوريا في المرحلة المقبلة قياسا إلى التحديات الاقتصادية الهائلة التي تنظر الحكومة المقبلة. وقال الباحث نصر بن سلطانة مدير مركز دراسات الأمن الشامل: (يمكن القول إن السبسي هو الأنسب للمرحلة المقبلة بالنظر إلى طبيعة التحديات الأمنية والاقتصادية وارتباطها بصورة تونس في الخارج). وأضاف الباحث: (السبسي يملك أكبر قدرة على تطوير العلاقات الخارجية، ما سيمكّن من دفع الاستثمار الخارجي والتعاون الإقليمي في مكافحة الارهاب، فضلا عن قدرته على جمع أكثر ما يمكن من التونسيين بدل تقسيمهم). وعمل السبسي (88 عاما) الذي امتهن المحاماة في بداياته وعلى مدار سجله السياسي الممتد لنحو ستين عاما في نظام الرئيس الراحل الحبيب بورفيبة باني دولة الاستقلال منذ خمسينيات القرن الماضي، وتقلد خلال حكمه عدة حقائب حتى انقلاب نوفمبر 1987، كما شغل منصب رئيس البرلمان في الحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي عام 1991 لكنه غادر بعدها الحياة السياسية. ودعي السبسي بعد الثورة في فيفري 2011 لترأس الحكومة المؤقتة التي قادت البلاد نحو أول انتخابات ديمقراطية في تاريخها أفرزت المجلس الوطني التأسيسي المكلف بصياغة دستور جديد للبلاد وأغلبية برلمانية بقيادة حركة النهضة الإسلامية التي شكلت الحكمة الائتلافية لاحقا. وأسس السبسي في 2012 حزب حركة نداء لتحجيم هيمنة النهضة على المشهد السياسي ونجح في جمع الآلاف من حوله قبل ان ينجح في قلب المشهد السياسي بعد الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي بفوز النداء ب86 مقعدا مقابل 69 للنهضة. عودة هيمنة الحزب الواحد مع الصعود المدوي للسبسي وحزبه النداء أبدت أحزاب خشيتها من أن يشكل فوز النداء بكافة السلطة السيادية رئاسة البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية عودة إلى مربع الاستبداد وحكم الحزب الواحد. وقال أزاد بادي، العضو بحزب حركة وفاء الداعمة لترشح المرزوقي: (ترشح السبسي الى منصب الرئاسة هو عودة إلى هيمنة حزب واحد على مفاصل الدولة وتهديد للديمقراطية الوليدة التي تفترض توزيع للسلطات على أكثر من طيف سياسي). وأضاف بادي: (عندما ينفرد حزب واحد بكافة السلطات فإنه سيكون هناك منحى نحو التغول ونحن نخشى على الحقوق والحريات خاصة ان حزب نداء تونس يضم رموزا من النظام السابق). وعلى امتداد حملته الانتخابية حذر المرزوقي من أن احتكار حزب واحد لكافة السلطات سيعطل الاستقرار السياسي وسيهدد الحريات بينما يعتبر نداء تونس ان الانسجام بين رأسي السلطة التنفيذية ضمانة أساسية لعدم تعطل مؤسسات الدولة. وقال بن سلطانة: (السبسي أكد فوزه للمرة الثالثة في الانتخابات، نجح حزبه نداء تونس في الفوز بالانتخابات البرلمانية وفاز مرتين في السباق الرئاسي [الدور الأول والثاني]، وبالتالي اختاره الشعب عن وعي وبغض النظر عن انتمائه إلى النظام السابق. يجب احترام إرادة الشعب ونتائج الصندوق). لكن لمجابهة التحديات الاقتصادية والتنموية المقبلة يرى بن سلطانة أنه من الأنسب تشكيل حكومة تشاركية حتى تكون قادرة على الدفاع عن كل التونسيين ولا تفرق بينهم. وفي المقابل، يوضح آزاد بادي أن التصدي لمخاطر العودة إلى الوراء يتمثل الآن في توحد الأحزاب الوسطية الديمقراطية، خاصة وأن الانتخابات البلدية ستكون على الأبواب. تنصيب الرئيس السبسي رسميا الجمعة أكدت مصادر مقربة من الرئيس المنتهية ولايته منصف المرزوقي أن تنصيب الرئيس الجديد الباجي قائد السبسي سيكون الجمعة، وفق ما أوردت بوابة (أفريغايت نيوز). ومن المنتظر أن يتسلم الرئيس السبسي مهامه الجديدة بعد إعلان حملة المرزوقي أن الرئيس الخاسر لن يطعن في نتائج الانتخابات بعد قبوله بها. وسيؤدي الرئيس التونسي الجديد الباجي قائد السبسي اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب صباح الجمعة قبل تحوله إلى قصر الجمهورية في ضاحية قرطاج شمال العاصمة تونس. وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أعلنت رسميا فوز مرشح نداء تونس محمد الباجي قائد السبسي بالدور الثاني من الانتخابات الرئاسية بنسبة 55.68 بالمائة أمام الرئيس المؤقت المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي الذي حصل على 44.32 بالمائة من الأصوات، في جولة شهدت إقبال 60 بالمائة من التونسيين المسجلين في القوائم الانتخابية على التصويت. إصابة رجال أمن في مواجهات مع محتجين جنوبتونس أصيب ليلة أول أمس الاثنين عدد من عناصر الشرطة بمدينة دوز من محافظة (قبلي) جنوبتونس وذلك خلال مناوشات مع أنصار الرئيس المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي. وشهدت الجهة عمليات كر وفر ومطاردة بين المحتجين ورجال الشرطة على خلفية الإعلان عن فوز الباجي قائد السبسي في الانتخابات الرئاسية. من جهته، دعا محمد علي العروي الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية ،التونسيين إلى ضبط النفس وتفويت الفرصة على المتربصين الشرّ لتونس من عصابات إجرامية وجماعات إرهابية. وقد أصدرت وزارة الداخلية التونسية بلاغا استنكرت فيه الاعتداءات المجانية على مركزيْ الشرطة والحرس الوطنيين بمحافظة قابس (جنوب البلاد) أثناء احتجاجات انصار المرزوقي على نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. وأضافت الوزارة في نص بلاغها أنه لا علاقة لها بنتائج الانتخابات، مؤكدة أن الوحدات الأمنية ستتعامل مع كل المظاهر المخلة بالامن العام بما يخوله لها القانون، وأشارت إلى أن مختلف وحداتها الأمنية تتولى حماية كل مظاهر التجمعات السلمية بالطرق والساحات العامة إثر نهاية العملية الانتخابية وبداية صدور النتائج النهائية لها. وقد شهدت بعض محافظاتالجنوبالتونسي وجهة الكرم الغربي (قريبة من العاصمة) إثر الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية احتجاجات من قِبل أنصار الرئيس المنتهية ولايته وتطورت إلى مناوشات مع رجال الأمن انتهت بأعمال عنف وكرّ وفر بين المحتجين وقوات الأمن. من جهته، دعا الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية (تكتل حزبي يساري والقوة التيابية الرابعة في البرلمان التونسي) حمه الهمامي الشعب التونسي إلى الابتعاد عن العنف والفتنة والقبول بنتائج الانتخابات، مشددا على أن دوامة العنف ستضر بالمواطن فقط وتدخله في متاهات لا تحمد عقباها.