إن قراءة سورة الكهف في ليلة الجمعة ونهارها مستحب، وهو ما ألفناه من صغرنا إذ وجدنا آباءنا وأمهاتنا يقرؤونها كل جمعة، أو _على الأقل_ يستمعون إليها عبر المذياع، ويحثوننا على تلاوتها في هذا اليوم، دون أن نعلم سبب هذا الاستحباب، وما علاقة هذه السورة تحديداً بيوم الجمعة. وكما ورد في القرآن الكريم إن الساعة تقوم في يوم جمعة، وذلك بعد أن تظهر علاماتها الكبرى، ومنها ظهور قوم يأجوج ومأجوج، والأعور الدجال، فما علاقة هاتين العلامتين بسورة الكهف؟، وتساؤلات أخرى يجيبنا عنها الشيخ عبد الباري خلة: تعصم من الفتن بدأ خلة حديثه بالاستشهاد بحديث للنبي (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ)، وآخر عن النواس بن سمعان في حديثه في ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) خروج الدجال، وفيه: (فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ) رواه مسلم، زاد أبو داود: (فإنها جواركم من فتنته). وتابع: (وعَنْ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ قَالَ: (كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ)_. وتقرأ سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها، وعند سؤالنا له عن السبب أجاب: (لا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة، ومن أشراطها الكبرى ظهور الفتن وخروج الدجال، وقد ذكر ذلك في سورة الكهف، التي ذكرت نهاية الدنيا بخروج يأجوج ومأجوج الذي هو من علامات الساعة الكبرى). واستطرد: (إن سورة الكهف تذكر بقرب وقوع الفتن وقيام الساعة والاستعداد لها وعدم الاغترار بالدنيا، وإنها ذكرت أربع قصص وأربع فتن وأربعة قوارب نجاة، وقد اجتمعت هذه الفتن في الدجال: فهو فتنة في الدين إذ يدعو الناس إلى الشرك، وهو فتنة في المال إذ تتبعه الكنوز، وهو فتنة في العلم إذ يخبر الرجل عن أبيه وأمه، وهو في فتنة في السلطان إذ يعيث في الأرض فسادًا، ويدخل البلاد إلا مكة والمدينة). سبب للنجاة وأكد الشيخ عبد الباري خلة أن قراءة سورة الكهف تكون سببًا للنجاة من جميع الفتن، مشيراً إلى أن الفتنة الأولى مع قصتها: فتنة الدين في قصة أهل الكهف، شباب آمنوا بربهم وأعلنوا توحيدهم لله (تعالى)، قال الله (تعالى): (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطًا * هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا). أما الفتنة الثانية مع قصتها (والقول لخلة) فهي فتنة المال في قصة صاحب الجنتين، قال الله (تعالى): {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا}. والفتنة الثالثة مع قصتها هي: فتنة العلم في قصة موسى (عليه السلام) مع الخضر، قال الله (تعالى): {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}. يتابع: (الفتنة الرابعة مع قصتها: فتنة السلطان في قصة ذي القرنين الملك العادل، قال الله (تعالى): {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)}. قوارب نجاة وعن قوارب النجاة الأربعة قال خلة: (أولها أسباب النجاة من فتنة الدين: الثبات على المبدأ، وملازمة الصحبة الصالحة، ومجانبة أهل الغفلة، قال الله (تعالى): {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَع هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْل يشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا}. وأضاف: (وثانيها سبب النجاة من فتنة المال: معرفة حقيقة الدنيا، فذكر قصة صاحب الجنتين، قال الله (تعالى): (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا). وثالثها _وفق قوله_ هي أسباب النجاة من فتنة العلم بنسبته لله (تعالى) والتواضع، قال الله (تعالى): (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي)، وقال: (قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا). وختم خلة بذكر القارب الرابع سبب النجاة من فتنة السلطان ألا وهو الإخلاص، قال الله (تعالى): (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، مؤكداً أنه يجب علينا وقاية أنفسنا من هذه الفتنة بالإخلاص لله (تعالى)، وأنه من الواجب على المسلم أن يحافظ على قراءة سورة الكهف كل جمعة ويتدبرها ويعيش أجواءها؛ لكي يجد عند الفتن ملاذًا آمنًا.