السماحة صفة وعقيدة إسلامية قام الله عز وجل بذكر قيمتها في القرآن الكريم، وطلبها رسول الله (صلى اله عليه وسلم) من المسلمين. ففي القرآن الكريم يأمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالسماحة حتى مع من يختلف معهم. قال تعالى مخاطباً نبيه (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين في شخصه الكريم: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) [يونس 99]، وقال جل وعلا: (قل يا أيها الكافرون.لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين) [سورة الكافرون ]. وقال سبحانه: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) [العنكبوت :46]. وفي مواجهة محاولات أهل الكتاب إرجاع المسلمين عن دينهم يقول تعالى: (فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير) [البقرة 109]، وقال: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) [البقرة 256]. فأي سماحة بعد هذا؟! وكذلك رسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) أرشدنا بقوله وفعله إلى هذا المعنى العظيم، فقد قيل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم): أي الأديان أحب إلى الله قال: (الحنيفية السمحة) [أحمد والبخاري]. والمراد بالأديان الشرائع الماضية قبل أن تبدل وتنسخ، والحنيفية ملة إبراهيم، والسمحة السهلة، وفي الحديث (اسمح يسمح لك). وورد في الحديث: (أفضل المؤمنين رجل سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء سمح الاقتضاء) [رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات]. ولما قيل للنبي (صلى الله عليه وسلم): ما الإيمان؟ قال: (الصبر والسماحة). فالتسامح من أعظم أسباب دخول الناس في هذا الدين، ولقد أثبت المسلمون الأوائل أن التسامح مع الآخرين هو الأصل في التعامل معهم، وشهدت معاهداتهم وسيرتهم بذلك، فقد صالح أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة أهل الشام على الإبقاء على معابدهم من الكنائس والبيع، داخل المدن وخارجها مصونة لا يهدم منها شيء، ولا يغير من معالمها شيء، وصالحهم على حقن دمائهم وحفظ حياتهم، وصالحهم على الدفاع عنهم وحمايتهم من اعتداء من يهم بالاعتداء عليهم، وصالحهم على أن من قاتلهم أو ناوأهم وجب على المسلمين أن يقاتلوه، ويدفعوه عنهم بقوة السلاح، فهل هذه المباديء يُمكن أن تصور على أنها استكراه للناس للدخول في دين الله؟ أو يشم منها رائحة غزو مادي لنهب ثروات أو جمع أموال؟! لقد رأى أهل الذمة في هذه المصالحات معاني العدل والرحمة، ولمسوا وفاء المسلمين لهم بشروطهم؛ فما كان منهم إلا أن صاروا أعواناً للمسلمين على أعدائهم ودخلوا في دين الله أفواجاً وبهذه السماحة فتحت بلاد الشام، وكم من بلاد فتحت بالقرآن كدول إفريقيا وجنوب شرق آسيا وبلاد الهند، وذلك لما لمسه أهل هذه البلاد من سماحة الإسلام في تعاملهم مع التجار. * المصدر: (د/سعيد عبد العظيم) موقع الإسلام