لم تهدأ قضية الإمام عبد اللّه إسماعيل (أبوبلال)، إمام مسجد (غريمهوي) في مدينة آرهوس، أحد أكثر المساجد إثارة للجدل في الدانمارك، بسبب حملة إعلامية وسياسية تتّهمه بنشر التشدّد بعد خطبة جمعة ألقاها في أحد مساجد برلين صيف العام الماضي أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزّة. بعد مرور أشهر عدّة على الحرب الإسرائيلية على غزّة راح ضحيتها نحو 2200 فلسطيني، بينهم 519 طفل على الأقل، والتي ألقى خلالها أبو بلال خطبة وصفت بأنها (حملت عناوين سياسية) تندّد بمذابح الاحتلال، وتصاعدت في حينها مطالب سياسية بإغلاق المسجد، جاء قرار النيابة العامّة الألمانية بفتح قضية ضده هذه الأيّام. ووجّهت النيابة الألمانية إلى إمام المسجد الدانماركي تهمة التحريض على (قتل اليهود) بناء على تحرّك من شخصيات يهودية بعد محاولات مماثلة للجالية اليهودية في الدانمارك لتحريك دعوى قضائية بذات التهمة ضده، غير أن النيابة الدانماركية لم تحرّكها بعد. * الجالية اليهودية جاءت الدعوى القضائية التي رفعت في ألمانيا بعد حملة بدأتها الجاليات اليهودية في كلّ من الجالية اليهودية في ألمانيا والنرويج والدانمارك تتبنّى الحملة ضد الجاليات المسلمة الدانمارك والنرويج لإثارة مسألة (الحاجة إلى الحماية الجدية من قِبل السلطات)، حيث تذهب الدعوات إلى الحماية، مع إشارات سياسية وإعلامية تعتبر المسلمين هم التهديد لتلك الجاليات، محاولين تحميل الجاليات المسلمة مسؤولية التهديد والكراهية، وذلك بعد ضغوط ومحاولات مستمرّة للجالية بدأت (منذ الأيّام الأولى للحرب في محاولة للتأثير على الرّأي العام الدانماركي اتجاه الاحتلال، والذي فقد بفعل القتل والقصف تعاطفا كبيرا)، حسب ما يقول ناشط فلسطيني، معقّبا على الحملة على عبد اللّه إسماعيل المنحدر من أصل فلسطيني. * الدعاء على القتلة في تعقيبه على القرار الألماني استنكر الإمام هذه الحملة قائلا: (حين كان القصف في أوجه والمدنيون يتساقطون والعالم صامت قلت ما قلت، داعيا اللّه أن يسلّط قوّته على القتلة من اليهود الصهاينة). واعتبر أبو بلال الأمر: (محاولة لاستغلال رخيص لحادثة كوبنهاغن، ووصم كلّ نقد لدولة الاحتلال التي تقتل شعبنا معاداة للسامية وتحريضا على القتل)، موضّحا: (أنا لم أدع أحدا إلى قتل اليهود، وخلال خطبتي كانت أخبار استشهاد المدنيين وقصف المنازل تصل أوّلا بأوّل، ومن الطبيعي أن خطبتي تطرّقت إلى الأمر ودعوت اللّه أن ينتقم لهؤلاء المدنيين من القتلة، لكن يبدو أنهم يريدون إسكاتنا وترك الغضب يتفاعل عند الشباب وينفلت). وحسب تصريحات للنيابة في مدينة آرهوس الدانماركية فإن الإجراءات القانونية في حقّ الشيخ عبد اللّه إسماعيل في الدانمارك بشأن الدعوى المرفوعة من قِبل الجالية اليهودية لن تتمّ طالما أنه سيلاحق في ألمانيا، وتبدو تلك الإجراءات ستمرّ أوّلا ب (التحقيق معه، فالإمام قد يحكم عليه لمدّة تتراوح بين 3 أشهر و5 سنوات في حال إدانته قبل أن يبتّ في قضية مثوله أمام المحاكم الألمانية). وحسب خبراء قانونيين فإن السلطات القضائية الألمانية تستند إلى مادة في القانون الألماني متعلّقة ب (التحريض ضد جماعة إثنية)، وهو بند لمنع تمجيد النّازية بعد الحرب العالمية الثانية. وإذا ما وجد الإمام عبد اللّه إسماعيل مذنبا فإنه قد يحكم عليه لمدّة تتراوح بين 3 أشهر و5 سنوات. * اعتداءات واتّهامات في صيف العام الماضي، وإبّان الحرب على غزّة تعرّضت مدرسة (كارولينا) اليهودية في كوبنهاغن لكتابة عبارات بالدانماركية على جدرانها تقول (أيّها الصهاينة الخنازير لن يكون لكم سلام إلاّ بالسلام في غزّة). وظلّ عدد من الساسة ووسائل الإعلام وأقطاب الجالية اليهودية مشغولين بتلك العبارة إلى ما بعد تنفيذ هجوم كوبنهاغن في الرابع عشر من شهر فيفري الماضي. لكن مسلمين يقولون (وما هي الإثباتات بأن المسلمين هم من كتبوا تلك العبارة؟ مساجدنا تتعرّض بشكل شبه يومي لعبارات التهديد وشعارات وهجمات وحرق، وتنتشر رسائل التهديد العلنية من جنوب القارّة إلى شمالها، فماذا يعني ألا يرى هؤلاء إمكانية أن يكون اليمين المتشدّد هو من كتب تلك العبارة كما يعلّقون رؤوس خنازير على جدران مساجدنا؟). وكان عدد من المساجد والمدارس الإسلامية في دول أوروبية قد تعرّضت لاعتداءات متنوّعة بعد هجمات (شارلي إيبدو)، وتعرّضت مساجد السويد أيضا في ديسمبر من العام الماضي لمحاولات حرق. وبعيد هجوم كوبنهاغن اشتكت مسلمات من تعرّضهنّ لمضايقات جسدية ولفظية صمت عنها الإعلام بداية، ثمّ ما لبث أن تعاطى معها بعد أن انكشف تأسيس شباب من أصول مسلمة مجموعات دفاع ذاتي. * أزمة عميقة في العادة، كانت السلطات الأمنية والاجتماعية تتواصل مع أئمة المساجد لتهدئة ما يثير الشباب، بينما ومنذ العام الماضي بدأ بعض هؤلاء الأئمة يشعرون بأنهم متّهمون بتحريض الشباب. وحول الاتّهامات التي توجّه إلى الأئمة بالتحريض يوضّح أبوبلال: (لسنا مسؤولين عن تصرّفات كلّ إنسان ولد مسلما، مساجدنا ليست نوادي مغلقة، بل مفتوحة للمواطنين، يأتي إليها حتى دانماركيون وأوروبيون يريدون التعرّف على أو تعلّم العربية)، ويضيف: (نحن جزء من هذا المجتمع، أكثرنا كبر فيه، ودائما ما يسجّلون ويتنصّتون على أحاديثنا ويعرفون أننا نتحدّث بصراحة مع الشباب بأن يحترموا قوانين البلاد، لكن السؤال لهم للإعلام والسياسيين : ماذا تفعلون أنتم من أجل هؤلاء الشباب المواطنين في مجتمعكم لرفع الشعور بالغضب عنهم، خصوصا حين يتمّ التمييز ضدهم؟ يأتينا بعض الشباب غير مدركين لماذا يظلّون يوصفون بأجانب ولا يعاملون بالتساوي، وهذا أمر ليس بأيدينا، بل بيد الساسة ووسائل الإعلام لتكفّ عن تصنيفاتها). ويخشى إمام مسجد غريمهوي من (أن تؤدّي هذه الملاحقة القانونية إلى إفشال جهودنا مع الشباب المسلمين، من حيث إقناعهم بأن حرّية التعبير مسموح بها في سقف احترام القوانين، لكن وسائل الإعلام للأسف لا تهتمّ سوى بالإثارة في الدانمارك وعموم شمال أوروبا، ماذا يريدون من الشباب حين يرون مواقف سياسية متخاذلة اتجاه عدد من القضايا وعلى رأسها الاحتلال والقضايا المحلّية؟). وفي مجال آخر يعتبر القائمون على عدد من المساجد في حديث ل (العربي الجديد) أنه (وعلى الرغم من الكشف عن أن الشابّ الذي ارتكب هجوم كوبنهاغن لم يكن له علاقة بالمساجد، ما يزال البعض يريد إلصاق التهمة بنا كأئمة). وتترافق الدعوى المرفوعة في ألمانيا في حقّ إمام مسجد غريمهوي مع اقتراحات دانماركية بإيجاد (إسلام دانماركي) من خلال تدريس الأئمة في البلاد والتعرّف على (القيم والثقافة الدانماركية). وعلى هذا يردّ أحد الشباب المسلمين قائلا: (هذا هروب سخيف من مواجهة حقيقة مجتمع التمييز، نحن شباب نتحدّث اللّغة أكثر من بعضهم ونعرفها ونعرف ثقافة البلد أكثر من هؤلاء الذين يجلسون في مكاتبهم، هؤلاء الشباب وهو يشير إلى مجموعة خرّيجو معاهد وجامعات وبعضهم بالكاد يعرف العربية، لكن أسألهم كم واحدا منهم حصل على وظيفة أو ردّ على طلبات التوظيف؟).