لعل من أوائل الأحاديث المشهورة التي يحفظها الشباب الملتزم هو حديث غربة الإسلام في بدايته ومنتهاه؛ التي تتسلى وتتصبر به النفس كلما حل بالمسلمين مصيبة لا يستطيعون دفعها غير أن بعضهم يتعامل معه باستسلام اليائس الذي ينتظر النهاية لا بحرص العامل أن يكون من الصفوة الأخيرة التي تحمل الراية حتى النهاية؛ ولكن الاستهداف في زمن غربة الإسلام لم يعد لأتباع الدين فقط؛ بل أصبح لذات الدين الرباني أيضا؛ حيث أصبح رهنا للانتقاد والتشويه ومحاولة التحريف والتغيير ونزع القدسية وكأنه ليس الدين الخاتم المنزل الذي اكتملت رسالته جامعة أفضل وأكمل ما كان للسابقين من الأمم!!! هي ليست فقط غربة الإسلام؛ ولكن يتمه ويتم أتباعه إذ ليس لهم رأس أو هيئة أو سلطة تمثل صحيح الإسلام كما ورد في مصادره المنزلة وإجماع الأمة بعد تنقيته من الخلافات والانقسامات والانحيازات والآراء الشاذة، ليس للإسلام ولا للمسلمين مرجعية علمية صادقة وصافية لم تلوثها أدران الدنيا تكون لهم مرساة رشد وقاعدة تمثيل وجامعة لمواقفهم ووحدتهم! لم يعد يكفي أن تقول إنك مسلم أو دينك الإسلام؛ فلقد أصبح الأمر بحاجة لمزيد من الشرح والتوضيح وأحيانا دفع التهمة؛ فالإسلام الآن مدارس ومذاهب بعضها لا يشبه روح الإسلام في شيء، ولا يأخذ منها سوى الاسم والأشكال! إن الكل يزعم أنه الممثل الشرعي والوحيد للإسلام، وغيره سفيه أو مارق أو مخالف أو خارج!!! والكل يبحث عن دعم شرعيته، وترسيخ وجوده على قمة التمثيل الإسلامي والنطق باسمه؛ ولو بحديث غريب مقطوع أو رأي آحاد؛ لم يلق قبولا لا من المتقدمين ولا من المتأخرين!!! أصبح المنطق السلس والتسهيل والاحتضان الذي أجاب به الرسول صلى الله عليه وسلم عن سؤال الأعرابي عن الأعمال التي تدخله الجنة، وكان الجواب عن إقامة الفرائض بصدق وإخلاص، غير كاف عن البعض للقبول، وللدخول في دائرة المسلمين؛ وليس دلالة على صلاح وخير، ولا تدخل المرء في عصمة الإسلام من دم ومال وعرض!!! فعن أي إسلام نتحدث؛ فالإسلام لم يعد اسما جامعا؛ بل أصبح أشكالا مختلفة حتى ما عاد المرء يعرف أين موقعه من الإعراب، مقبول أم مطرود، من أهل الجنة أم من أهل الجحيم، فلقد تعددت الطرق والخرائط، وكل صاحب طريقة يوزع كالكنيسة صكوك الجنة، من معه يدخلها، ومن ضده إلى جهنم، وساءت مصيرا!! أي إسلام نريد، ومن يمثل المسلمين الآن؟! هل نريد الإسلام الليبرالي المائع العلماني الذي يفصل بين الدين والدولة ويتاجر بالدين ويقولبه كيف يشاء؟ ماذا عن الدين التبريري والتخديري بوصف علي شريعتي الذي يلبس لبوس التقوى، ويبرر الثالوث المشؤوم من الاستبداد والاستعمار والاستحمار، فيصبح من الواجب الطاعة، والصبر على الظلم والفقر والمرض في انتظار نعيم الجنة، وهذا مواجهته أصعب من مواجهة الكفر الجلي؛ فهذا لا تستطيع الوقوف بوجهه لأنه يقول أيضا قال الله وقال رسوله ويتساءل ببراءة مصطنعة: أولسنا كلنا مسلمين؟ بل وتقوم على هذا دول؛ تستمد الغلبة والتمكين من ادعائها تمثيل الإسلام، والإمساك بمفاتيح المرجعية لوقوعها ضمن بقعة جغرافية مقدسة مع أن الصحابي من آل البيت سلمان الفارسي قال (إن الأرض لا تقدس أحدا، إنما يقدس الرجل عمله)، هل هو إسلام النسب الذي يتكأ على العائلة أو الوراثة من الصالحين؛ ليكتسب شرعيته أمام الناس، ثم تأتي الأفعال لتخالف تماما ما كان عليه السلف؟! هل هو الإسلام الضحية والمظلوم الذي يريد الانتصار لنفسه بكل الوسائل حتى ولو ارتكب كل الكبائر، وتجاوز كل الحدود بحجة أن السيل بلغ الزبى، وأن العقوبة بمثلها؟! هل هو إسلام أصحاب العمائم واللحى والجلابيب؛ الذين ساروا في ركاب الطغاة، وبرروا أعمالهم، وفصلوا لهم الدين والفتاوى على مقاسهم؟! هل هو الإسلام الأمريكاني الذي وصفه رئيس وكالة المخابرات الأمريكية CIA السابق (جيمس وولسي) في 2006 فقال: سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا، ثم نجعلهم يقومون بالثورات، ثم يتم انقسامهم على بعض لنعرات تعصبية، ومن بعدها قادمون للزحف وسوف ننتصر؟! الإسلام والمسلمون ليسوا في غربة فقط؛ بل في تيه وفي قفص الاتهام؛ يحاولون فقط أن يخذلوا عن أنفسهم، ويدافعوا عن دينهم بدل أن يستثمروا جهودهم في نشره، وعمارة الأرض برسالته، وعلماء المسلمين الصادقين في تيه أيضا دون هيئة ولا مظلة تجمعهم، وتوحد رأيهم؛ فإذا حل بالمسلمين أمر جلل لم يجدوا من يوجهوا أنظارهم إليه، ويضعوا ثقتهم فيه؛ بل وجدوا بضع آراء منثورة هنا ولا هناك، لا تشكل حالة إجماع وقوة ضغط! عن عمر قال: (إن الإسلام في بناء، وإن له انهداما، وإن مما يهدمه زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن وأئمة مضلين) والناظر في أحوالنا يرى اكتمال عناصر انهدام الإسلام؛ فأين العلماء الصادقون المخلصون ليحرروا الإسلام من مختطفيه ،ممن يدعون الانتساب إليه وقيادة زمامه، ويكفلون اليتامى من المسلمين الذين يبحثون عمن يسترشدون به ويمثلهم؟!