يعيش المجتمع في السنوات الأخيرة ظاهرة قديمة وجديدة، تتمثل في العنف الاجتماعي، وكان البعض يعتقد أن هذه الظاهرة انحصرت في الوسط المدرسي نتيجة التفاعل اليومي مع العديد من العوامل التي أصبحت دخيلة على المدرسة، لكن يبدو أنها بدأت في توسع مستمر لتشمل مساحات واسعة من المجتمع، حيث أن العنف لم يعد وسيلة منبوذة، كما كان يتعامل به في الماضي، بل تحوّل إلى سلوك يومي وكأن ذلك يمتد إلى ثقافة المجتمع. العنف المدرسي امتداد للعنف الاجتماعي فالناس في مختلف المواقع والمواطن يلجؤون إليه لأتفه الأسباب، سواء في محطة القطار أو الأماكن العمومية، أو أثناء الانتظار أمام مختلف شبابيك الإدارات المختلفة وغيرها، وهو الأمر الذي يدفع بالمختصين للتساؤل عن هذه المعاملة الغريبة التي بدأت تتكرس في السلوك الاجتماعي، والحديث عن العنف المدرسي قد تجاوزه الزمن كونه لم يعد يمثل الخوف الذي كان يشكو منه الأولياء أو الأسرة التربوية، مما فرض عليهم التعايش بقدر الإمكان مع هذا المحيط الجديد، شريطة أن يبقى في حدود ما يسمح به دون إحداث أي تجاوز يذكر. ولعل الإتلافات المتكررة في المؤسسات التعليمية جاءت نتيجة هذا السلوك الشائن، لكن الخوف الكبير هو أن هذه الظاهرة تنتقل إلى المجتمع لتؤسس كيانا قائما بحد ذاته، تحت عدة مسميات، فإن الأمر مرفوض على الإطلاق، كونه يهدد كيان المجتمع برمته، وينشر الخوف والفساد الأخلاقي، ولابد أن نشير إلى أن استفحاله في كبريات شوارع المناطق الحضرية أو حتى الريفية، هو انحراف لمسار المجتمع المحافظ لدينه وأخلاقه وتربيته، وإن تدخل المختصين أو اللجوء إليهم هو أمر أكثر من ضرورة، وعلماء الاجتماع والنفسانيون مطالبون بدراسة الظاهرة بكل تعقيداتها وتشابكها، كونها متصلة اتصالا وثيقا بالحياة اليومية وأيضا بالسلوك الفردي الذي يمتد إلى المجتمع. خصال التسامح تغيب عن المساجد فالعنف طال حتى المساجد ولم تعد خصلة التسامح قائمة وموجودة في سلوك المصلي، فهذا الأخير كثيرا ما يجد نفسه مضطرا أو تلقائيا للتعامل مع أي تطور سلوكي داخل هذه الأماكن إلا بالعنف، بحيث ملأتها الصراعات لأتفه الأسباب عند الخروج والدخول من وإلى المسجد، مما سيعطي انطباعا أن هذا السلوك هو انعكاس مباشر للواقع الذي يعيشه الفرد في مجتمعه، وأن التطورات الحاصلة على المستويين الداخلي والخارجي، أثرت بصورة أو بأخرى على الوجدان والذات البشرية، إذ أن الإنسان لم يعد في جزيرة نائية ومنعزلا عن العالم، بل أن وسائل الاتصال المختلفة الاجتماعية وغيرها لها ما لها من تأثيرات قوية على سلوكيات الفرد والمجتمع، ولا شك أن أي تأخر في العلاج سيلحق ضررا كبيرا بمستقبل الأجيال القادمة وعلى الجميع أن يهتم بهذا الموضوع وبكل جوانبه، وإن استمرار الأمة يعتمد بالدرجة الأولى على المكاسب التي تحقق على أرض الواقع. إن العنف مهما تكن طبيعته أو شدته أو مستواه الأفقي والعمودي، هو في الأصل يمثل تهديدا مباشرا لأي تطور أو نمو أو حتى استمرار لمسيرة المجتمع، فالأمم الراقية لم تصل إلى المستوى العالي من العدم، بل جراء تضحيات ونجاحات ومجهودات ..، والحاصل من الواقع المر الذي يهدد كيان المجتمع، يفرض على كل فرد من المجتمع أن يقوم بما يلزم عليه من مسؤولية هادفة، حكيمة، تهدف للحفاظ على المكتسبات والمقومات التي تتسمك بها الأمة الجزائرية.