يعيش المجتمع في السنوات الأخيرة ظاهرة غريبة ودخيلة لم تكن في الماضي موجودة، وهي مظاهر العنف والاعتداء والانحراف التي بدأت تبرز في سلوك فئة الشباب وحتى المتمدرسين ، وأصبحت العائلات تتخوف من هذا الموضوع ، كونه يتعلق بالاستقرار العائلي والاجتماعي، كما أن التحكم فيه لم يعد سهلا ولا ممكن على ضوء التغيرات التي يشهدها العالم حاليا ، من خلال ما تبثه الهوائيات المقعرة والفضائيات المختلفة من قضايا العنف والدمار والتدمير ومختلف الاعتداءات التي لا تحترم لا الكبير ولا الصغير ولا أي شريحة من شرائح المجتمع، بغض النظر عن الوضعية المأساوية التي عاشها الشعب الجزائري خلال سنوات الإرهاب وكذا الربيع الأسود، إنها مرحلتين هامتين في عمر الأمة الجزائرية، وأصبحت انعكاساتها تظهر جليا في السنوات الأخيرة وبدأ السلوك العدواني المبني على العنف ينمو مطردا مع نمو الأطفال والشباب، ولعل الواقع اليومي يؤكد هذا التوجه المخيف، من خلال الأرقام التي تبين نسبة الجرائم والاعتداءات وغيرها من الأمور التي يقترفها الأطفال بمختلف أعمارهم في حق المجتمع، والمتتبعين لهذا الملف يرجعون الأسباب إلى تعلق الموضوع بعدة جوانب منها ما يتعلق بالناحية الاجتماعية، حيث كلما زادت الشريحة الفقيرة توسعا زاد معها العنف ، كلما تخلى الأولياء عن مسؤولياتهم تجاه الأفراد كلما ساهم في استفحال الظاهرة ، واليقين أن الأولياء تملصوا من هذه المسؤولية الكبيرة، ولعل الأسباب عديدة جدا، ومن ناحية أخرى ، وهي حقيقة يجب الإشارة إليها هي عدم الاهتمام بالجانب التربوي السلوكي في المدارس، وأصبح الاهتمام منصب على نسب النجاح وكيفية الحصول عليها، دون أخذ بعين الاعتبار واقع العنف الذي بدأ يتوسع بشكل يستدعى التفكير والاحتياط منها ما له صلة، بالتسرب المدرسي، وترويج المخدرات من قبل عصابات همها الوحيد هو جني الثروة والمال على حساب الأبرياء، والجانب الآخر هو أن عدم الإقرار بوجود مظاهر العنف في الوسط المدرسي، لا شك أنه يمهد الطريق لأن تأخذ هذه الظاهرة أبعادا خطيرة في المستقبل، والإشارة إلى هذا التأكيد هو تعرض نسبة كبيرة من الأساتذة إلى الاعتداءات من قبل التلاميذ لاسيما في التعليم الثانوي، والأرقام مدونة لدى المصالح المعنية. إن تنامي ظاهرة العنف في المجتمع، أصبحت من الضروريات التي تتطلب العناية والدراسة من كل جوانبها، وذلك لتأمين المستقبل من تحول هذه الظاهرة إلى الكابوس المرعب، والذي بدأت بعض الدول تعاني منه جراء ما يحدث من قتل وخراب ودمار وغيره من الأمور التي تتنافي مع أبجديات الحياة الاجتماعية، وهذا يقتضي من الجميع علماء اجتماع، سوسيولوجيون ، تربويون وبيداغوجيون وأولياء وجهات رسمية للتكفل بهذا الملف في أقرب وقت ممكن، مع دعوة الخبراء لإيجاد مخرج سريع، لتفادي الأخطر والأكبر والعمل على محاربة العنف في وكره قبل أن يتحول إلى وحش مخيف يهدد الاستقرار الاجتماعي، فالمسؤولية لا تخص طرف عن باقي الأطراف، بل يتحملها الجميع، فالظاهرة أشبه بنار إذا اندلعت في الهشيم ، فإنها لا تذر ولا تبقي فيه شيء ، يبقى الاحتياط واجب والوقاية خير من ألف علاج.