تشهد الفترة الأخيرة صراعا محموما بين نقابة القضاة ونشطاء مكافحة الفساد في الجزائر إثر تأجيل القضاء لمحاكمتي سوناطراك والطريق السيار، وهما من أكبر القضايا المطروحة منذ عقود. فبينما يرى النشطاء أن السلطة القضائية تعمدت التأجيل، يدافع رئيس نقابة القضاة جمال العيدوني عن القرار مقدما مبررات يقول أنها قانونية بحتة. لم تلق تبريرات القضاة المعنيين بمحاكمة المتهمين في قضيتي سوناطراك والطريق السيار قبولا لدى المتتبعين على رأسهم نشطاء حقوق الإنسان ومكافحة الفساد الذين اتخذوا هذه القضايا معيارا بحكمهم على عدم وجود إرادة حكومية جادة لمكافحة الفساد الذي ينخر جسد البلاد، فيما فتحوا النار على القضاة. وأدرج النشطاء القضيتين ضمن كبريات فضائح الفساد في تاريخ الجزائر، إذ كبدت الخزينة العمومية ملايير الدولارات جراء تبديد الأموال العمومية وإبرام صفقات مشبوهة وتهريب الأموال إلى الخارج، هذا بالإضافة إلى قضية الخليفة أو (الغولدن بوي) التي من المرتقب أن يفتح ملفها في الرابع من ماي المقبل. من جانبه، قال الحقوقي والناشط في مكافحة الفساد بوجمعة غشير إن ملفات الفساد المطروحة أمام القضاء لم يتم فيها إلا محاكمة الموظفين الصغار، بينما ما تزال الرؤوس الكبيرة من وزراء ومدراء طلقاء أحرار ولم يتم استدعاءهم حتى كشهود. وأضاف غشير في تصريحات لموقع (عربي 21) نشرت أمس (أن حجم القضايا لا يمكن أن ينسينا مسؤولية الرؤوس الكبيرة، وبالتالي لا يجب الاقتصار على متابعة بعض الموظفين الصغار من الدرجة الثالثة أو الرابعة دون المساس بالمسؤولين الكبار). وتساءل غشير: (كيف يمكن لموظف عادي أن يبرم صفقات بمئات الملايير دون علم المدير أو الوزير؟ بالتأكيد هنالك إجحاف وأعتقد أنه يجب إخضاع الجميع للمتابعة). * خلفيات التأجيل أجل مجلس قضاء الجزائر قضية سوناطراك قبل أسبوعين والمتابع فيها 19 متهما على رأسهم المدير العام السابق للمجمع البترولي محمد مزيان ومتهمين آخرين أغلبهم مسؤولون سابقون بالمجمع، إضافة إلى متابعة مسؤولين بمجمعات بترولية أجنبية لها عقود شراكة مع سوناطراك تحت طائل الفساد وتبديد الأموال وسوء التسيير. وبرر القاضي المكلف بالمحاكمة التاجيل بغياب الشهود. ليؤجل مجلس قضاء الجزائر في 25 مارس المنصرم النظر في فضيحة الطريق السيار شرق-غرب أو ما يعرف بفضيحة القرن والمتابع بها 25 متهما أغلبهم كانوا يشغلون مناصب عليا في وزارة الأشغال العمومية، ويتابع في القضية مسؤولون من 7 شركات أجنبية لها عقود شراكة مع الجزائر بتهم تلقي هدايا مقابل خدمات وعدم احترام حركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج وتبديد أموال عمومية. وبرر القاضي المكلف بالقضية قرار تأجيل المحاكمة بغياب المتهم الرئيسي شادي مجدوب وهو الوسيط بين الشركة المكلفة بإنجاز مشروع الطريق السيار والمتعاملين الأجانب. * هذه تبريرات نقابة القضاة بالمقابل، هوّن رئيس نقابة القضاة جمال العيدوني، من تأجيل القضايا واعتبرها شيئا عاديا نتيجة غياب الدفاع رغم تراكم القضايا، والقاضي لما يقرر التأجيل فالقرار يعود إلى الهيئة المعنية. وقال في تصريحات إذاعية مؤخرا (فهناك من أخذوا جزاءهم، فقضايا الفساد موجودة منذ القدم والقوانين موجودة وتبقى قضية مؤسسات ورجال الذي يتبعون مثل هذا القضايا)، مضيفا أن القضاء يتابع الملفات وهناك احتكاك مع خبراء في مجال محاربة الفساد، وتوجد مراكز وأجهزة تعنى بمكافحة الظاهرة وعلاقتها مع وزارة العدل، والجزائر الأولى إفريقيا في مكافحة الفساد الذي يعتبر ظاهرة دولية والعقوبة تسير حسب نوعية الجريمة، فالقاضي هو الذي يقدر العقوبات. وأوضح العيدوني أن القاضي له دور في مسايرة الأحداث ومعالجة القضايا فالعمل القضائي -حسبه- يتطلب خبرة كبيرة ومحكمة الجنايات بها عدد كبير من الحضور وهذا الأمر عادي وبمجرد انطلاق القاضي فالحكم يكون ساريا وهو من صلاحيات الهيئات المعنية.