بقلم: ماهر أبوطير* أولئك الذين يقولون لنا إن كل ثمار الربيع العربي، من خلخلة للدول، وخراب اجتماعي واقتصادي وسياسي، ثمار ستجعل الطريق إلى فلسطين، أقرب، يبيعون لنا الوهم والضلالة، ويجعلون كل هذا الدم المسفوك، معنوناً باسم فلسطين وهي براء منه. في الترويج للربيع العربي، الذي انقلب سريعاً إلى فوضى دموية تحرق الأخضر واليابس، يقال أيضا إن الثورات في أوروبا، كانت على ذات النسق، ولا بد من التضحية قليلاً، من أجل التغيير، والكلام يشرعن هذا الخراب، ولا يؤدي بالضرورة إلى ذات نتيجة الأوروبيين من انفراجات وإصلاحات وحياة كريمة. خراب كل هذه الدول العربية تمت عنونته تارة باسم المطابقة مع تجارب أوروبية، وأحياناً تمت عنونته بكونه سيؤدي بالمحصلة إلى خلخلة الأنظمة، تمهيدا لتسيير الجيوش نحو فلسطين، واللافتة المقدسة، أي فلسطين، تم توظيفها، من كل المتقاتلين، لإدامة سفك الدم، والنتيجة العملية هي أن أصبحت فلسطين بعيدة جداً، إذ كيف ستصبح قريبة، وكل جوارها العربي غارق في الدم والاقتتال الديني والمذهبي والطائفي، فوق تدمير المؤسسات وزرع ثقافة الكراهية والحقد بين مكونات المنطقة، والأمر ذاته يمتد إلى ليبيا، واليمن التي يراد لها أن تكون سبب تفجير وخراب ما تبقى من العالم العربي، في ذروة التوظيف الإقليمي الذي لا يصب إلا في مصلحة إسرائيل أولا وأخيرا. بهذا المعنى علينا أن نقرأ ثورات الربيع العربي، ونقرأ أيضا محاولات العبث الإقليمي وتمدد النفوذ من جانب دول إقليمية في دول عربية، والمعاني ملتبسة، ويتم الضحك على الجمهور تحت عناوين مختلفة، لكن النتيجة، إقصاء فلسطين القضية والشعب والموعد، إلى مكان بعيد جدا، حيث لم تعد أولوية ذهنية ولا شعبية ولاوجدانية ولا رسمية أيضا. مسكينة هي فلسطين، فكثير من الاقتتال والحروب والفوضى، تتم ممارستها في العالم العربي تاريخياً باسم فلسطين، والذي يريد أن يحتل دولة عربية يقول لك إن فعلته هي الطريق إلى القدس، وتنظيم أو حزب يتسبب بالخراب، يرفع شعارات لها علاقة بفلسطين، واقتتال الرايات والمذاهب كله يتم ربطه بفلسطين، من أجل شرعنة كل هذا الدم والخراب، فيما لم تستفد فلسطين شيئاً، بل باتت بعيدة جدا، ولم تعد على مرمى حجر، مثلما كان يحلم أهل العروبة والإسلام في كل مكان. اقتتلوا كما تريدون، وخربوا دولكم وحياتكم مثلما تحبون، لكن دون أن تبحثوا عن لافتة مقدسة، تستعملونها عنواناً وسبباً لكل هذه الجاهلية التي نراها.