بقلم: ماهر أبوطير تلك اللحظة التي نصب فيها أول لاجئ فلسطيني خيمته ودق فيها وتدها لم تكن لحظة فلسطينية، إذ كانت إيذانا بمخيمات عربية في كل مكان. تلك اللحظة، أي دق الوتد، تعامى عنها كثيرون في مشارق العرب ومغاربهم، باعتبارها قدر الفلسطيني وحيداً، وعليه ان يتحمل محنته باعتبارها تخصه، غير ان غياب البصيرة آنذاك كان شديدا، فالسكوت على اللجوء وتشريد الناس من وطنهم وتركهم لمآلاتهم تحت الخيم كان يعني عمليا السكوت على الاحتلال وتركه لينمو ويزداد شراسة. بعدها ارتاحت إسرائيل. مخيمات الفلسطينيين في كل مكان من دول الجوار، وبعد هذه العقود بدأت اسرائيل مرحلتها الثانية، أي تحطيم كل دول الجوار لفلسطين، تكسير السوار الشعبي، وتفتيت البنى الاجتماعية والدينية، فكان ما كان من حروب الاخوة في مكان، وسقوط الدول وتفريخ التنظيمات والشعارات لإدامة الاقتتال، والنتيجة ان شعوباً كثيرة من السوريين والعراقيين وغيرهما، باتوا أيضا في مخيمات في بلادهم. ليس وراء الكلام وهم يقول ان هذا عقاب جراء خذلان الفلسطينيين، فهذا منطق لا يليق ببشر، والايمان بالدم الفلسطيني الازرق ليس منطقياً. الفكرة تقول ان ترك السكين المسمومة في الظهر الفلسطيني وحيدا، لم تؤد الى نجاة الاخرين، فبعد ان فعل السكين فعله عاد وبحث عن ظهور الاخرين، من عرب في كل مكان، فجاءت أسباب الخراب تحت عوامل مختلفة، في العراق واليمن وسوريا وليبيا، ودول أخرى، وما هو محزن حقا، ان يفهم الفلسطيني ان عدوه سرق بيته ومنحه خيمة تحمل شعار الأممالمتحدة. لكن بقية العرب الملتحقين، يبدو المشهد عليهم أكثر ثقلا، لأن أقاربهم سرقوا حياتهم، ومنحوهم خيما أيضا، واسرائيل وراء هذه البلايا، لأنها لا يمكن ان تعيش ما لم تدمر كل جوارها، وما هو أبعد من جوارها، بوسائل مختلفة وأدوات متنوعة. ذاك اللاجئ الذي ذرف دمعة عام 48 وهو يدق وتد خيمته الأولى، لم يكن يعرف ان شقيقه العربي الذي تركه بين فكي الاحتلال سيأتيه الدور بوسائل مختلفة، فالاحتلال أنهك الشعب الفلسطيني، وبدأ بغيره، وما يوحد كل هؤلاء من فلسطينين وعرب، المخيم، وآلاف الخيم المنصوبة في العالم العربي، قبل العروبة ليس في باطن الحرف شماتة، لكنها تلك الصرخة التي دوت من عجوز فلسطينية ذات يوم، تسأل عن العرب، فأصموا اذانهم عنها، ولم يعرفوا لحظتها ان ذات الوحش سيأتيهم الواحد بعد الاخر، فيصح ان نقول اليوم عرب المخيمات عوضاً عن أمة عربية واحدة .