بقلم: هيفاء زنكنة* ما هو دور المثقف تحت الاحتلال؟ واحد من الأسئلة التقليدية التي تواجه الكتاب والفنانين والمثقفين إذا ما حدث وعاشوا أو ذاقوا عن مبعدة طعم الاحتلال، تختلف الأجوبة ومهما يحل المزيد من التساؤلات، هل هناك مساحة للنقاش حول أهمية ما يراه المثقف الملتزم مسألة واضحة ترتبط بمعنى وجوده وتستدعيه لمواصلة الكتابة والإبداع بأشكاله المختلفة ؟ ولأن أفضل الأسئلة هي التي تقود إلى تحفيز المخيلة وإثارة المزيد من التساؤل، يحضر سؤال آخر عن الأدب والحرب، كيف يتمكن المحاصر بالدماء والموت من كتابة نص إنساني، غير مؤدلج؟ ألسنا نطلب المستحيل؟ في احتفالية فلسطين للأدب، في عامها الثامن، اقترنت تحديات الأجابة على الأسئلة (التقليدية)، بمواجهة (نقاء) عنصرية الكيان الصهيوني، بإتاحة الفرصة لعدد من الفنانين والأدباء العالميين أن يعيشوا ولو (قسطا بسيطا من تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين تحت الاحتلال، بالإضافة إلى بناء علاقات التواصل في الإنتاج والإبداع الفني والثقافي مساهمة في كسر الحصار المفروض على الحياة الثقافية الفلسطينية)، كما ذكرت أهداف سويف، رئيس مجلس أمناء الاحتفالية. يتجلى (النقاء) الديمقراطي الإسرائيلي في كل لحظة من لحظات الليل والنهار وفي كل شبر يقطنه فلسطيني، في زمن لا تتاح فيه للفلسطيني إمكانية العودة إلى بيته، محكوما عليه بالغربة أينما حل، يتم جلب كل يهودي أو من يدعي اليهودية ليستوطن البيت الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، لايزال التهجير القسري مستمرا، فالعنصرية الإسرائيلية لا تتحمل وجود فلسطيني واحد في فلسطين. رام الله ، مركز السلطة الفلسطينية، مهددة بامتداد وتوسع المستوطنات. منطقة (أ) الواقعة تحت حكم السلطة الفلسطينية تثير إحساسا هائلا بالفجيعة، وتفاصيل الفجيعة تصدم حتى من يتابع ويعرف الكثير عن القضية الفسطينية. في لقاء مع ممثل الأممالمتحدةبالقدس الشرقية، مدعوم بالخرائط والإحصائيات، أدرك الكتاب والفنانون حجم الكارثة التي يتغذى عليها غول الاحتلال وعمق ما وصل إليه، في ذات الوقت الذي يبدو فيه التمسك بالقانون الدولي وهما أو خديعة. 60 بالمئة من الضفة الغربية مصنفة باعتبارها المنطقة ج، أي التي (تشهد أكثر آثار الاحتلال المتواصل قسوة). من بينها: إجبار السكان على الرحيل بواسطة عدم تزويدهم بالاحتياجات الأساسية، عدم الحصول على تراخيص البناء، التعرض للهجوم والاعتداء من المستوطنين الذين يحق لهم حمل السلاح وحمايتهم بينما يعاقب الفلسطيني إذا حمل سلاحا ويتهم بالإرهاب. صعوبة الوصول إلى المدارس أو المستشفيات بسبب جدار الفصل العنصري وعدم حيازة ترخيص وكثرة نقاط التفتيش. سيطرة إسرائيل على مصادر المياه وتحويلها إلى المستوطنات ليضعوا بذلك نهاية مميتة لأي نشاط زراعي أو رعوي. ومن يزور الخليل والقدس الشرقية، سيرى (النقاء) الأسرائيلي في بيوت المستوطنات الفخمة، في الخدمات الراقية، في الطرق الخاصة بهم لوحدهم ولا يحق للفلسطيني السير أو قيادة السيارة فيها، في المسابح التي تشرب المياه بينما تجف أشجار الزيتون في الحقول الفلسطينية العطشة، في الشوارع والحدائق النظيفة التي تليق ب (نقائهم) الخالص بينما يرمون الأوساخ والفضلات وحفاظات الأطفال القذرة ومناشف نسائهم الصحية الملطخة بالدماء على بيوت الفلسطينيين، ثم يتهمون الفلسطينيين بالإهمال والوساخة، وإذا ما دافعوا عن أنفسهم بالإرهاب. انقذوا القدس ماذا عن القدس ؟ ما الذي بقي منها ؟ أصبحت القدس الشرقية فقط هي محط النزاع المائل، يوميا، باتجاه الاستحواذ الإسرائيلي الكامل. ممنوع دخول القدس الشرقية على الفلسطينيين إلا بتصريح خاص، بما في ذلك أماكن العبادة خلال شهر رمضان وعيد الفصح ، علما بأن عدد التصاريح محدود وأماكن وصول حاملي التصاريح هي أربعة حواجز فقط تم دمجها بالجدار لتحقيق فصل القدس عن الضفة فعليا وإعلانها، عاصمة للكيان الصهيوني بعد تنفيذ مشروع المساحات المفتوحة الذي يغطي أحياء سكنية فلسطينية مستهدفة مثل شيخ جراح، بحجة بناء حدائق ومتنزهات للمحافظة على البيئة ومراكز معلومات مناطق أثرية. في وضع مبني على التمييز العنصري، في ظل واحد من أبشع الاحتلالات وأكثرها ظلما ومنهجية لسلب الإنسان حريته وكرامته ووطنه، إزاء مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وتهديم البيوت وإجبار أصحاب البيوت المهدمة على دفع تكلفة تهديمها، هل من فائدة للأدب والفن؟ جواب الفنان والأديب الفلسطيني حاضر إيجابا، الأدب والفن جزء لايتجزأ من كينونته وتحقيق هويته، وفي أعماله، ماضيا وحاضرا، انعكاسات وتجسيد للقضية فنا وشعرا وقصة. لا يأتي الجواب بالنسبة إلى الفنانين والكتاب العالمين، بنفس التلقائية، مالم يكونوا من الملتزمين بقضايا الشعوب إنسانيا وأخلاقيا وسياسيا. وهم، على الرغم من التزام العديدين منهم بالقضية الفلسطينية، بحاجة إلى المعرفة عن قرب ومعايشة الواقع الفلسطيني، ولو لأيام. فاليوم الفلسطيني يساوي شهرا في بلدان أخرى، وما تخلفه العلاقات الشخصية أعمق بكثير من القراءة النظرية، وهي نقطة تحسب بامتياز لمهرجان فلسطين للأدب وللأدب الفلسطيني وما يمثلانه من قدرة الفلسطيني الهائلة على الصمود، بمواجهة الاستلاب اليومي، ليقدم للعالم نموذجا لاستمرارية البقاء. وإلا كيف يبقى صوت توفيق زياد حيا وهو يقول (كأننا عشرون مستحيل / في اللد والرملة والجليل/ هنا على صدوركم باقون كالجدار/ وفي حلوقكم كقطعة الزجاج كالصبار/ وفي عيونكم زوبعة من نار) أو سميح القاسم ملخصا كل صنوف القمع التي يتعرض لها ابن البلد في كل لحظة وقسمه في أن يبقى صامدا: (ربما تسلبني آخر شبر من ترابي/ ربما تطعم للسجن شبابي/ ربما تسطو على ميراث جدي / من أثاث وأوان وخواب/ ربما تحرق أشعاري وكتبي/ ربما تطعم لحمي للكلاب/ ربما تبقى على قريتنا كابوس رعب/ يا عدو الشمس لكن لن أساوم/ وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم).