المتتبع لجدول القضايا المطروحة أمام المحاكم بصفة يومية، يلاحظ في الكثير من المرات متهمين متابعين بقضايا قد تبدو من الوهلة الأولى بسيطة، يستغرب الشخص كيفية وقوعهم فيها، كما قد تبدو طريقة تكييف التهمة في حالات أخرى معقدة وصعبة، ولكن المتابع لحيثياتها بعد ذلك يلاحظ أن المتهم أو المتهمين المتابعين فيها سذج لدرجة لا يمكن توقعها، ومن بين هذه القضايا المثيرة والغريبة، القضايا المتعلقة بجنح إخفاء أشياء مسروقة، وهي الجنحة التي تنطوي على جانبين، حيث قد يكون المتهم مدركا وعارفا بأن الأشياء التي تحصل عليها وقام بإخفائها أو استعمالها هي أشياء مسروقة في واقع الأمر، فيكون بذلك مشاركا في الجريمة، وتختلف نوعية العقوبة المسلطة عليه بحسب الظروف العامة المحيطة بالقضية ككل، وقد يكون جاهلا بذلك، ولكن خيوط التحقيقات حول القضية قد وصلت إليه، ووجد نفسه بالفعل مشاركا في الجريمة دون حتى أن يدري. فعلى مستوى محكمة الجنايات مثلا تطرح العديد من القضايا الجنائية المختلفة، كالقتل والضرب والجرح العمدي وجنايات تكوين جمعيات أشرار والتهديد التي تكون في بعض الأحيان متبوعة بجنحة السرقة المقترنة بظرفي التعدد واستعمال العنف وإخفاء أشياء مسروقة متحصلة من جناية وغيرها، وحسب بعض المحامين من مجلس قضاء العاصمة، فإن الكثير من المتهمين الذين تتم متابعتهم في جنح إخفاء أشياء مسروقة خصوصا إذا كانت متحصلة من جناية، تتم متابعتهم على أساس ارتكابهم جنحة، وتختلف العقوبات المسلطة عليهم ما بين الحبس غير النافذ والنافذ، وتختلف المدة انطلاقا من الظروف العامة الأخرى المحيطة بالقضية، وكثيرا ما ينكر المتهمون المتابعون بجنحة إخفاء أشياء مسروقة التهمة المنسوبة إليهم ويتمسكون بإنكارها، مبررين أنهم اقتنوها من أسواق »الدلالة« أو من عند المتهمين دون أن يعلموا أنها مسروقة، رغم أنهم يقتنونها في الكثير من الأحيان بأسعار أقل بكثير من سعرها الحقيقي المتداول في السوق، حتى وإن كانت مستعملة. وتشير المادة 387 من قانون العقوبات إلى أن كل من أخفى عمدا أشياء مختلسة أو مبددة أو متحصلة من جناية أو جنحة في مجموعها أو في جزء منها يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر و بغرامة من 500 إلى 20.000 دج، وقد تتجاوز الغرامة 20.000 دج حتى تصل إلى ضِعف قيمة الأشياء المخفاة، فيما تشير المادة 388 إلى أنه في حالة ما إذا كانت العقوبة المطبقة على الفعل الذي تحصلت عنه الأشياء المخفاة هي عقوبة جناية يعاقب المخفي بالعقوبة التي يقررها القانون للجناية وللظروف التي كان يعلم بها وقت الإخفاء. وتغري أسواق الدلالة المنتشرة بشكل واسع وكبير عبر الكثير من الأحياء العاصمية وخاصة في الأحياء الشعبية منها، عددا من المواطنين الذين يتجهون إليها كل أمسية وفي كل وقت تنصب فيه طاولاتها، في باب الواد والحراش وباش جراح، ورويسو، لعقيبة ببلكور، وغيرها، وذلك بحثا عن سلع وأشياء مختلفة ومتنوعة بأسعار مغرية ومنخفضة نسبيا، رغم أن بعض الباعة في تلك الأسواق لا يخشون أبدا من عرض منتجات مسروقة، في الواقع يورطون فيها من ليس له دراية تامة بهذه الأمور، ولا يعرف خبابا وأسرار عالم السرقة وأسواق الدلالة. وفي ذات السياق كانت محكمة الحراش قد نظرت خلال الأيام الفارطة في قضية شخص قام باقتناء هاتف نقال من أحد أسواق الدلالة المتواجدة بالمكان، إلا أنه وجد نفسه موقوفا بتهمة إخفاء أشياء مسروقة تبينت أنها الهاتف النقال رغم إنكاره التام والكلي معرفته بالأمر، لذلك وجب الحذر والاحتياط عند قصد هذه الأسواق أو عند شراء أشياء مستعملة بأسعار أقل بكثير عن أسعارها الحقيقية، فأتعاب القضاء والمحامين أكبر بكثير.