بقلم: مراد بولعراف إن ما يميز جلسات التصويت على النص القانوني هو توفر النصاب لتصح عملية التصويت وهذه أكبر معاناة بالنسبة للإداريين المشرفين على تنظيم عقد الجلسات فإذا كانت مثلا جلسة التصويت مبرمجة لتبدأ في الساعة 9 و30 دقيقة صباحا فإن بدايتها الفعلية تكون ما بين الساعة 11 صباحا والساعة منتصف النهار أي بتأخر يفوق ساعة ونصف ساعة إلى غاية توفر العدد المطلوب قانونا من النواب ليصح التصويت. وخلال هذا التأخر يقوم الإداريون عدة مرات بتعداد النواب الحاضرين داخل قاعة الجلسات وخارجها بينما وهنا الأمر الغريب توجد في قاعة الجلسات تجهيزات إلكترونية تم تركيبها سنة 1997 تمكن في أقل من دقيقة من تبيان الحضور على الشاشات المركبة في القاعة بمجرد قيام كل نائب حاضر بالضغط على زر متوفر أمام مقعده. هذه التجهيزات الإلكترونية الحديثة لم يتم استعمالها منذ أن وضعت بالرغم من تكلفتها العالية. وبعد قيام نواب المجلس الشعبي الوطني بالتصويت على النص القانوني يرسل رئيس المجلس هذا القانون إلى رئيس مجلس الأمة لتتولى هذه الغرفة دراسته طبقا لما نصت عليه المادة 120 من الدستور في فقرتها الثالثة: (يناقش مجلس الأمة النص الذي صوت عليه المجلس الشعبي الوطني ويصادق عليه بأغلبية ثلاثة أرباع (3/4) أعضائه). وعند قراءة هذه الفقرة فإن الملاحظة التي تخطر ببالنا تتعلق بمصطلح (التصويت) الذي يعتبر عملا يقوم به النائب ولا يعبر عن النتيجة التي يفرزها. فالتصويت قد يكون بالإيجاب كما قد يكون بالسلب وهنا ما مصير النص القانوني الذي قد يصوت عليه المجلس الشعبي الوطني بالسلب أي الرفض؟ هل يرسل إلى مجلس الأمة لدراسته علما أن رأي أعضاء مجلس الأمة بسبب اختلاف التركيبة السياسية بين الغرفتين قد يكون مخالفا لرأي المجلس الشعبي الوطني؟ نعتقد أن الأصح هو أن يتم النص على مصطلح (الموافقة) بدل (التصويت) أو (التصويت بالإيجاب) في انتظار تعديل الدستور وما يرتقب من خلاله من توسيع لصلاحيات مجلس الأمة في عملية التشريع. ومن جهة أخرى تنص نفس المادة 120 من الدستور (وفي حالة حدوث خلاف بين الغرفتين تجتمع بطلب من الوزير الأول لجنة متساوية الأعضاء تتكون من أعضاء كلتا الغرفتين من أجل اقتراح نص يتعلق بالأحكام محل الخلاف. تعرض الحكومة هذا النص على الغرفتين للمصادقة عليه ولا يمكن إدخال أي تعديل عليه إلا بموافقة الحكومة وفي حالة استمرار الخلاف يسحب النص). نفهم من هذه الفقرات أنه إذا حصل وأن مجلس الأمة لم يصادق على مادة أو مواد من القانون الذي صوت عليه المجلس الشعبي الوطني يستدعي الوزير الأول لجنة تتكون بالتساوي من عدد معين من أعضاء الغرفتين لتقترح صياغة جديدة أو نص جديد محل الخلاف القائم ثم تعرض الحكومة هذا النص المقترح على الغرفتين للمصادقة ولا يجوز إدخال اي تعديل إلا بموافقة الحكومة. هنا نتساءل لماذا استعمل واضع الدستور مصطلح (المصادقة) بينما المجلس الشعبي الوطني يصوت على القوانين وهذا يبدو لي إخلال بنص الفقرة الثالثة من المادة 120 من الدستور. كما نسجل في هذا الباب تناقضا ما بين هذه المادة 120 والمادة 98 حيث نصت الأولى على أنه لا يمكن إدخال أي تعديل على النص إلا بموافقة الحكومة ونصت الثانية على أن للبرلمان السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه. فأين هي هذه السيادة إذا كان النواب لا يحق لهم إدخال تعديل إلا بموافقة الحكومة؟. غموض في نصوص قانونية والغموض الآخر الوارد في المادة 120 يتعلق بسحب النص عند استمرار الخلاف. هذا يوحي بأن الحكومة هي التي لها صلاحية سحب النص (المادة 96 من القانون العضوي 99-02) ولكن من الذي تكون له صلاحية سحب النص إذا تعلق الأمر باقتراح قانون تقدم به نواب المجلس الشعبي الوطني؟ ففي العديد من المؤسسات التشريعية بما فيها تلك التي أخذنا من نظامها الإجراءات العملية فإن سحب اقتراح القانون هو من صلاحية رئيسي الغرفتين في حين يبقى الموضوع عندنا مفتوحا لكل التأويلات. وتطبيقا لأحكام المادة 119 من الدستور قام بعض النواب باقتراح قوانين وتم إيداعها على مكتب المجلس الشعبي الوطني لدراستها من حيث شروطها الشكلية. فإذا نظرنا إلى المادة 119 فإننا نلاحظ أنها نصت في الفقرة الثانية منها: (تكون اقتراحات القوانين قابلة للنقاش إذا قدمها عشرون (20) نائبا) وهذا يعني حسب رأينا أن اقتراحات القوانين بمجرد توفرها على الشروط الشكلية تحال على اللجان المختصة لدراستها وعرضها في الجلسة العامة عكس مشاريع القوانين التي تعرض على مجلس الوزراء بعد أخذ رأي مجلس الدولة ثم تودع على مكتب المجلس كما جاء في الفقرة الثالثة من نفس المادة الدستورية. ومن أجل تقييد هذه المبادرة والسيادة في إعداد القانون جاء القانون العضوي 99-02 لينص في المادة 25 منه: (يبلغ فورا إلى الحكومة اقتراح القانون الذي تم قبوله وفقا لأحكام المادة 23 أعلاه). تبدي الحكومة رأيها لمكتب المجلس الشعبي الوطني خلال أجل لا يتجاوز شهرين. وإذا لم تبد الحكومة رأيها عند انقضاء أجل الشهرين (2) يحيل رئيس المجلس الشعبي الوطني اقتراح القانون على اللجنة المختصة لدراسته). إن إخضاع اقتراح القانون لرأي الحكومة لا يشكل في رأيي إشكالا مادامت هذه الأخيرة تبدي رأيا ولا تبدي قرارا بالرفض أو القبول. ولكن ما يتأسف له أصحاب المبادرة بالقوانين هو مكوث هذه الاقتراحات مدة طويلة من الزمن دون أن تحال على اللجان المختصة لدراستها. فعلى سبيل المثال تم خلال العهدة التي بدأت في 2012 إيداع ستة عشر (16) اقتراح قانون لم تتم إحالة ولا واحد منها على اللجنة المختصة وهذا ما يضعف عزيمة بعض النواب في الاستمرار بالمبادرة بالقوانين. تناقضات وعلى صعيد آخر ينص النظام الداخلي للمجلس في المادة 80 منه: (يتمتع المجلس الشعبي الوطني بالاستقلال المالي. يصادق مكتب المجلس على مشروع ميزانية المجلس ويحال على لجنة المالية والميزانية التي تبدي رأيها فيه في غضون الأيام العشرة (10) التي تلي إحالة المشروع مع مراعاة المادتين 14 و16 من هذا النظام الداخلي. يتم تبليغ مشروع الميزانية الذي يمكن تعديله تبعا لرأي لجنة المالية والميزانية إلى الحكومة قصد إدماجه ضمن مشروع قانون المالية. مع مراعاة أحكام المادة 103 من القانون العضوي الذي يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعملهما وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة تضبط الميزانية من قبل المجلس الشعبي الوطني في إطار قانون المالية). إن ما يثير الملاحظة بخصوص هذه المادة هو عدم مناقشة النواب في الجلسة العامة لميزانية مجلسهم بينما يناقشون ميزانية الدولة بكاملها والأغرب من هذا أن ميزانية المجلس لا توزع على أعضاء المجلس باستثناء أعضاء لجنة المالية فمن جهة يتيح الدستور للنواب الحق أو صلاحية اثبات عضويتهم بأنفسهم أو تزكية أنفسهم ومن جهة أخرى يقيد النظام الداخلي مسألة النظر في ميزانية المجلس ويحصرها في مكتب المجلس ولجنة المالية فقط. للتذكير فإن المجلس الوطني الانتقالي لم يكن أعضاؤه منتخبين وإنما كانوا معينين ومع ذلك كانوا يناقشون ميزانيتهم في جلسات عامة وينتخبون كل سنة لجنة تتولى تدقيق حسابات المجلس الوطني الانتقالي وترفع تقريرا لرئيس المجلس ويناقش في جلسة عامة. ومن جهة أخرى تنص المادة 16 من النظام الداخلي أن المراقبين الماليين وهم أعضاء في المكتب يتولون إعداد تقرير سنوي عن تنفيذ ميزانية المجلس الشعبي الوطني وتبليغه وجوبا إلى النواب. هذا ما لم يتم أبدا خلال هذه العهدة وهذا إجراء من شأنه إضفاء المزيد من الشفافية في تسيير المال العام. ومع الأسف يبقى أهل البيت أي النواب غير مطلعين على أمور تعنيهم مباشرة بينما يطلعون على تنفيذ ميزانية الدولة ويناقشون ذلك من خلال مشروع قانون ضبط الميزانية. ومن جهة أخرى ينص الدستور في المادة 113 منه: (تبتدئ الفترة التشريعية وجوبا في اليوم العاشر الموالي لتاريخ انتخاب المجلس الشعبي الوطني تحت رئاسة أكبر النواب سنا وبمساعدة أصغر نائبين منهم). بالفعل كانت كل فترة تشريعية تبتدئ في اليوم العاشر الموالي لتاريخ الانتخابات التشريعية ولكن هذه البداية رافقتها مشاكل عديدة إذ كم من منتخب دخل المجلس الشعبي الوطني وحضر جلسات بداية العهدة وزكى رئيس المجلس ويفاجئ بعد ذلك أنه غير منتخب وأن المقعد الذي تحصل عليه ليس من حقه وإنما من حق نائب آخر فالصدمة تكون كبيرة لذلك المنتخب والأثر النفسي يكون جسيما. إن السبب في وجود مثل هذه المشاكل يرد إلى كون المجلس الدستوري عاكف على دراسة الطعون المرفوعة إليه وفي الوقت ذاته يتم تنصيب المجلس وبداية فترته التشريعية. فلماذا لا تبتدئ الفترة التشريعية بعد انتهاء المجلس الدستوري من دراسة الطعون والفصل فيها وإعلانه عن النتائج الرسمية والنهائية للانتخابات التشريعية؟ الأمر الثاني المتعلق ببداية الفترة التشريعية والذي لا أراه منطقيا هو قيام النواب بإثبات عضويتهم بأنفسهم وهذا ما نصت عليه المادة 104 من الدستور: (إثبات عضوية النواب وأعضاء مجلس الأمة من اختصاص كل من الغرفتين على حدة). قد أكون جاهلا للمبررات التي دفعت واضع الدستور إلى تمكين النواب من إثبات عضويتهم بأنفسهم ولكن بكل صراحة وبكل منطق لا أفهم هذا الأمر لأني لا أتصور أن الشخص يزكي نفسه بنفسه. فأعتقد أن إعلان المجلس الدستوري عن النتائج النهائية بعد دراسة الطعون هو بمثابة اثبات عضوية النواب. ومن بين النقائص التي لاحظناها في النظام الداخلي نشير إلى عدم نصه على إمكانية المجلس عقد جلسات خاصة لمناقشة مسائل ذات أهمية وطنية أو اهتمام دولي... فعلى سبيل المثال يشارك المجلس الشعبي الوطني في اتحادات برلمانية عربية وإفريقية ودولية ومتوسطية وفي برلمانات جهوية وإقليمية إلا أن نتائج هذه المشاركة لا تعرض أبدا على النواب ولا تقدم تقارير أو عروض بشأنها في جلسة عامة. هذا يرتب تذبذبا وارتباكا في مواقف الوفود البرلمانية بسبب عدم إلمامهم بنتائج مهمات مماثلة قام بها زملاؤهم النواب فمن المفروض أن تعرض نتائج المشاركة والمهام في جلسة عامة حتى يكون النواب في نفس المستوى من المعلومات والمواقف وتوحيد الرؤية لأن الأمر يتعلق بالسياسة الخارجية للدولة الجزائرية. إن مثل هذه الجلسات الخاصة تسمح للنواب بالتعبير عن مواقفهم وحتى موقف المجلس من بعض قضايا الساعة الهامة مثل قضية الغاز الصخري وتراجع أسعار البترول دوليا وانعكاساته على الاقتصاد الوطني. ومن بين صلاحيات مكتب المجلس الشعبي الوطني جاء في نص المادة 14 من النظام الداخلي أنه يقدم حصيلة سنوية عن نشاطه ويوزعها على النواب. نفهم من هذا أن المكتب يعرض حصيلته على النواب في جلسة عامة وهذا نوع من الجلسات الخاصة التي يمكن المجلس عقدها. ولكن مع الأسف لم يقم مكتب المجلس خلال هذه العهدة بتقديم حصيلة نشاطه ولم توزع على النواب الذين من حقهم مطالبة المكتب بذلك لأنه مسؤول أمامهم كون هؤلاء النواب هم الذين وافقوا على قائمة أعضاء المكتب وزكوها. ودائما في هذا السياق يتساءل العديد من النواب عن عدم تبليغ قرارات المكتب إلى كافة النواب واطلاعهم على ما يدور داخل جهاز وضعوا فيه ثقتهم. فمن المفروض أن يعلم النواب بجدول أعمال اجتماعات المكتب وبنتائج هذه الاجتماعات. ضرورة المراجعة للنظام الداخلي وعلى صعيد آخر لازال العمل متواصلا بنظام داخلي اعتمده مجلس عدد نوابه 389 نائب في حين ارتفع هذا العدد إلى 462 نائبا بداية من سنة 2012 أي العهدة الحالية. هذه الزيادة في العدد تحتم مراجعة النظام الداخلي وتعديله لاسيما المادة 34 منه التي تنص: (تتكون لجنة المالية والميزانية من ثلاثين (30) إلى خمسين (50) عضوا على الأكثر في حين تتكون اللجان الدائمة الأخرى من عشرين (20) إلى ثلاثين (30) عضوا على الأكثر). هذا التوزيع تم بناء على عدد 389 نائب وحاليا تتكون كل لجنة من ستة وثلاثين (36) عضوا على الأكثر بينما تتكون لجنة المالية من سبعة وخمسين (57) عضوا على الأكثر. ومن جهة أخرى تنص الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 47 من النظام الداخلي على: (تحفظ الأشرطة المسموعة في أرشيف اللجنة الدائمة. لا يمكن الاطلاع عليها إلا بموافقة رئيس اللجنة). هذا أمر يستوجب الاستغناء عنه عند تعديل النظام الداخلي لأنه لا يوجد أي حكم في القانون العضوي أو النظام الداخلي ينص على سرية أشغال اللجنة ولو تعلق الأمر بأشغال لجنة تحقيق لكان ذلك مقبولا ولازما. إن المجلس الشعبي الوطني مؤسسة تمثل الشعب الجزائري ومن حق هذا الأخير معرفة ما يجري فيها لذا فهو يحتاج إلى بسط شفافية أكبر في أعماله. هذه هي بعض الملاحظات التي رغبت إثارتها من خلال هذا العرض متمنيا أن تكون وجيهة وأن أكون قد أصبت في نظرتي وقراءتي للعمل التشريعي الذي يؤديه نواب الشعب.