قال الله تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).. [الأعراف: 31] فستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة فلا تصح صلاة مسلم أو مسلمة غير ساتري عورتهما بغير عذر مبيح وعن عائشة _رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ حَائِض إِلَّا بِخِمَار )) أخرجه الإمام أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك وقال: [هذا حديث صحيح على شرط مسلم] والمقصود (بحائض) أنها بلغت المحيض. أولًا: حد عورة المرأة: عورة المرأة البالغة في الصلاة هي نفسها عورتها خارج الصلاة فعورة المرأة جميع بدنها عدا الوجه والكفين ولذا يجب على المرأة -سواء كانت في الصلاة أو خارج الصلاة- ستر ما عدا الوجه والكفين وورد عن أبي حنيفة القول بجواز إظهار المرأة قدميها لأنه -سبحانه وتعالى- نهى عن إبداء الزينة واستثنى ما ظهر منها والقدمان ظاهرتان ففي (المبسوط للسرخسي) (10/ 153):] وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه يباح النظر إلى قدمها أيضا وهكذا ذكر الطحطاوي لأنها كما تبتلى بإبداء وجهها في المعاملة مع الرجال وبإبداء كفها في الأخذ والإعطاء تبتلى بإبداء قدميها إذا مشت حافية أو متنعلة وربما لا تجد الخف في كل وقت]. ثانيا: شروط الثوب الساتر للعورة: الثوب الساتر للعورة خارج الصلاة أمام من لا يجوز له النظر إلى العورة لابد أن تتوافر فيه الشروط التالية: 1- ألا يكون قصيرا فيكشف جزءا من العورة. 2- ألا يكون رقيقا فيشف لون جلد العورة. 3- ألا يكون ضيقا فيصف العورة. فقد قال الكاساني في (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) (5/ 123): [وإن كان ثوبها رقيقا يصف ما تحته ويشف أو كان صفيقا لكنه يلتزق ببدنها حتى يستبين له جسدها فلا يحل له النظر لأنه إذا استبان جسدها كانت كاسية صورة عارية حقيقة وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم_: ((لعن الله الكاسيات العاريات))]. فإذا كان ثوب المرأة أيا كان اسمه يتصف بهذه الصفات فهو حجاب شرعي وإن كان يفتقد واحدا منها فليس بحجاب شرعي. وأما الثوب الساتر للعورة داخل الصلاة فقد اشترط فيه الفقهاء الشرطين الأولين ولم يشترطوا الشرط الثالث لصحة الصلاة فإن كان الثوب يستر العورة فلا يكشفها ولا يشفها تصح الصلاة به حتى وإن كان ضيقا يصفها كالبنطلون الضيق ونحوه فتصح الصلاة فيه مع الكراهة وهذه نقول الفقهاء الدالة على ذلك من المذاهب الأربعة: قال الطحطاوي الحنفي في (حاشيته على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح) (ص210): [وَلَا يَضُرُّ تَشَكُّلُ الْعَوْرَةِ بِالْتِصَاقِ السَّاتِرِ الضَّيِّقِ بِهَا كما في الحلبي]. وقال الصاوي المالكي في (حاشيته على الشرح الصغير) (1/ 284): [وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ السَّاتِرُ كَثِيفًا وَهُوَ مَا لَا يَشِفُّ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ بِأَنْ لَا يَشِفَّ أَصْلًا أَوْ يَشِفَّ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ وَخَرَجَ بِهِ مَا يَشِفُّ فِي بَادِئِ النَّظَرِ فَإِنَّ وُجُودَهُ كَالْعَدَمِ وَأَمَّا مَا يَشِفُّ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ فَيُعِيدُ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ كَالْوَاصِفِ لِلْعَوْرَةِ الْمُحَدِّدِ لَهَا بِغَيْرِ بَلَل وَلَا رِيح لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِهِ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيه عَلَى الْمُعْتَمَدِ]. وقال الخطيب الشربيني الشافعي في (مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج) (1/ 398): [(وَشَرْطُهُ) أَيْ: السَّاتِرِ (مَا) أَيْ: جَزَمَ (مَنَعَ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ) لَا حَجْمِهَا فَلَا يَكْفِي ثَوْبٌ رَقِيقٌ وَلَا مُهَلْهَلٌ لَا يَمْنَعُ إدْرَاكَ اللَّوْنِ وَلَا زُجَاجٌ يَحْكِي اللَّوْنَ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّتْرِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ أَمَّا إدْرَاكُ الْحَجْمِ فَلَا يَضُرُّ لَكِنَّهُ لِلْمَرْأَةِ مَكْرُوهٌ وَلِلرَّجُلِ خِلَافُ الْأُولَى]. وقال ابن قدامة الحنبلي في (المغني) (1/ 414): [فَصْلٌ: وَالْوَاجِبُ السَّتْرُ بِمَا يَسْتُرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ فَإِنْ كَانَ خَفِيفًا يَبِينُ لَوْنُ الْجِلْدِ مِنْ وَرَائِهِ فَيُعْلَمُ بَيَاضُهُ أَوْ حُمْرَتُهُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ لِأَنَّ السَّتْرَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَسْتُرُ لَوْنَهَا وَيَصِفُ الْخِلْقَةَ جَازَتْ الصَّلَاةُ لِأَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ السَّاتِرُ صَفِيقًا]