بقلم: رشاد أبو داود* في الأجواء الباردة النار مطلب إنساني الشتاء دفء وقرب وكستناء. لكن في هذا الشتاء ثمة رائحة شواء للحم بشري احتراق هويات وجنسيات وحدود. لكأن الحرب تفتح فمها لمزيد من البشر والدول جائعة للأرض والنفط والغاز و..الخسارات! ما زال العنوان الإرهاب من دون تحديد ما هو الإرهاب ومن هم الإرهابيون. يكفي أن تذكر الكلمة حتى تليها ضمناً الإسلام الذي لا علاقة له بالإسلام إنه إسلام (داعش) وأبو بكر البغدادي كما كان سابقاً القاعدة والظواهري والزرقاوي وأبو فرج الليبي وشيخ محمد وطبعاً زعيمهم أسامة بن لادن الذي تتردد روايات أنه لم يقتل ولم ترمَ جثته في البحر كما أعلنت واشنطن. واضح أن لغز التطرف صناعة شيطانية وصنعة من لا صنعة له أو من تم غسل مخه وتجنيده لهدف واحد وهو خلق عدو صناعي للغرب وتمثال للإرهاب. وإلا ما معنى هذا الخلط للأوراق والتحالفات والتغيرات التي تجري على الأرض العربية التي باتت كالقصعة تتكالب عليها الأمم؟! لقد بدأت فكرة خلق العدو الإسلامي أو بمعنى أدق الحرب على الإسلام من داخل وخارج الإسلام من تفجيرات 11 سبتمبر حين أعلن جورج بوش الابن أنها (حرب صليبية) ثم حاول البيت الأبيض تلطيف الموقف بالقول إنها كانت (زلة لسان) وها هو مرشح حزب بوش الجمهوري دونالد ترامب يكرر نفس المعنى بتصريحه العنصري المطالب بمنع دخول المسلمين الولاياتالمتحدة. تلا (زلة لسان) بوش موجة العداء للمسلمين في الدول الغربية ثم قيامه بتقسيم العالم إلى ما سماه قوى الشر وقوى الخير (إما معنا أو ضدنا) وهذا التعبير بالمناسبة تعبير ديني يدل على أن بوش الثاني كان ينطلق من منطلق ديني متطرف تمثله الكنيسة الإنجليكانية التي ينتمي إليها آل بوش. لقد مارس بوش الابن وأتباعه في الحرب على العراق تضليلاً إعلامياً كبيراً تحت مزاعم أسلحة الدمار الشامل وغيرها من الخرافات التي ابتدعتها القيادة الأميركية وصدقتها وعملت جاهدة لإقناع المجتمع الدولي بها. أسرار الحرب الأمريكية على يأجوج ومأجوج ولكن الحقيقة التي لا تحجب بغربال هي أن هذه الحرب كانت دوافعها غير التي صرح وأعلن عنها وهذا ما بينه الكاتب الفرنسي جان كلود موريس في كتابه (لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه). يتناول موريس في كتابه أسرار المحادثات الهاتفية بين بوش الابن والرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك التي كان يجريها الأول لإقناع الثاني بالمشاركة في الحرب التي شنها على العراق عام 2003 بذريعة القضاء على (يأجوج ومأجوج) الذين ظهورا في منطقة الشرق الأوسط وتحقيقاً لنبوءة وردت في كتبهم (المقدسة). ويلقي الضوء في الكتاب على استغراب واستهجان شيراك من العقلية التي يفكر بها بوش الابن بالقول: (تلقيت من الرئيس بوش مكالمة هاتفية في مطلع عام 2003 فوجئت فيها بالرئيس بوش وهو يطلب مني الموافقة على ضم الجيش الفرنسي للقوات المتحالفة ضد العراق مبرراً ذلك بتدمير آخر أوكار (يأجوج ومأجوج) مدعياً أنهما مختبئان الآن في الشرق الأوسط قرب مدينة بابل القديمة.. وأصر على الاشتراك معه في حملته الحربية التي وصفها بالحملة الإيمانية المباركة ومؤازرته في تنفيذ هذا الواجب الإلهي المقدس الذي أكدت عليه نبوءات التوراة والإنجيل. ويقول شيراك: (هذه ليست مزحة فقد كنت متحيراً جداً بعد أن صعقتني هذه الخزعبلات والخرافات السخيفة التي يؤمن بها رئيس أعظم دولة في العالم ولم أصدق في حينها أن هذا الرجل بهذا المستوى من السطحية والتفاهة ويحمل هذه العقلية المتخلفة ويؤمن بهذه الأفكار الكهنوتية المتعصبة التي سيحرق بها الشرق الأوسط ويدمر مهد الحضارات الإنسانية.. ويجري هذا كله في الوقت الذي صارت فيه العقلانية سيدة المواقف السياسية وليس هناك مكان للتعامل بالتنبؤات والخرافات والخزعبلات والتنجيم وقراءة الطالع حتى في غابات الشعوب البدائية. ولم يصدق شيراك أن أميركا وحلفاءها سيشنون حرباً عارمة مدفوعة بتفكير سحري ديني ينبع من الخرافات المتطرفة وينبعث من الكنيسة الإنجليكانية التي ما زالت تقول: (كانت الصهيونية أنشودة مسيحية ثم أصبحت حركة سياسية). الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما وإدارته يتعامل مع (داعش) كمن يتعامل مع قط المنزل المدلل يسمنه ويدلله ويضربه ثم يدلله.. وفي النهاية هو مجرد قط يسهل التضحية به من أجل قط آخر أجمل. وإلا ما معنى أن يسمح ل (داعش) أن يتسلح ويتضخم ويقيم (دولة) دائمة مظهرياً على أرض مؤقتة؟ كيف سمح ل (داعش) أن يسيطر على أراض بمساحة بريطانيا من سورياوالعراق وأن يحتل الموصل والرقة برمشة عين؟ لماذا يصر الإعلام المتصهين على تسمية التنظيم باسم (الدولة)؟ كيف وبدعوى محاربة (داعش) تدخل روسيا الحرب بتنسيق مع واشنطن وبموافقة إسرائيلية حيث زار نتنياهو موسكو مرتين والتقى بوتين على هامش قمة المناخ في فرنسا وأعلن عن تنسيق بين الطرفين بشأن العمليات العسكرية الروسية في سوريا. تركيا الآن تحت المقصلة فالتصعيد بينها وبين روسيا إلى أعلى مستوياته ولا نعتقد أن روسيا تعمل بمعزل عن الغرب بشأن تركيا. ولن يقف حلف الناتو في وجه روسيا إن أشعلت حرباً مع تركيا (الإسلامية) وسنرى..!