أعلنت جبهة علماء الأزهر أن تصريحات رئيس تحرير مجلة »أكتوبر« المصرية مجدي الدقاق والتي تطاول فيها على الذات الإلهية تطاولاً غير مسبوق بأنها تعد ردة وليست كفرًا. وجاء في بيان الجبهة الذي تلقى المسلم نسخة عنه أنه وفقًا لما جاء في »البلاغ المنسوب إلى أحد عشر صحفيا من العاملين بمجلة »أكتوبر« والذي تقدموا به إلى النائب العام بحق تطاول رئيس تحريرها« مجدي الدقاق على الذات الإلهية تطاولا لم يسمع به من ساقط من قبل، حيث زعم أن الله جل جلاله جزائري متعصب لمنتخب الجزائر، كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه الإرهابي، ثم أضاف إلى ذلك كله تحدِّيه للأوضاع العامة والقواعد الأخلاقية بأفعاله الشائهة التي جاء عليها البلاغ رقم 12814/ 2010 وقوله في حق نفسه بعد ذلك مفاخرا »إنه كافر«، نقول ومع هذا والتزاما وأخذا بواجب الاحتياط الذي يوجبه الشارع الحكيم في مثل تلك الجرائم نقول: إنه إذا ثبتت تلك الجريمة قضائيا فإن هذه تعد ردة وليست كفرا. وكان 11 صحفيًا بمجلة »أكتوبر« المصرية قد تقدموا ببلاغ جماعي يوم الأربعاء إلى النائب العام المستشار عبد المجيد محمود ضد مجدي الدقاق رئيس تحرير المجلة، وعضو أمانة السياسات بالحزب »الوطني« بتهمة التطاول على الذات الإلهية والدين الإسلامي والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتوجيه تهديدات لهم بالقتل. وأكد الصحفيون في البلاغ- الذي حمل رقم 12814/2010- إن الدقاق دأب على التطاول على الدين الإسلامي والذات الإلهية، وسب الدين في تعاملاته اليومية، والسخرية من أداء فريضتي الحج والصيام ووصفه للرسول الكريم بأنه »إرهابي«، ناسبين إليه القول عقب خسارة مصر أمام الجزائر في تصفيات المونديال: »عمالين تدعوا يا رب نفوز.. أهو ربنا بتاعكم طلع جزائري«، فضلاً عن إنكار واقعة الإسراء والمعراج. كما اتهمه الصحفيون بأنه يشجع أحد مساعديه على عرض أفلام إباحية على جهازه الشخصي أثناء جلوسه في صالة التحرير، بالإضافة إلى اتهامه بنشر مقالات تحرض على إشعال الفتنة الطائفية، وتأكيده على أن هذه الأفعال تأتي على رأس توجهات الدولة، وأن لديه تعليمات عليا على ضرب المعترضين ب »الجزمة«. وكشف الصحفيون في البلاغ أنهم تقدموا بمذكرة بإساءات الدقاق إلى رئيس الجمهورية تتضمن كل هذه الوقائع، وفور علم رئيس التحرير بالأمر استشاط غضبا، وأبدى تحديه لهم في أن يتعرض له، بل وذهب إلى نعته نفسه ب »الكافر«، وقال لهم: »أيوه أنا كافر وأعلى ما في خيلكم اركبوه«، وذلك بحسب ما ورد في البلاغ. وفي السياق ذاته، قالت جبهة علماء الأزهر في بيانها عصر السبت إنه »إن لم تثبت بعد تلك الشهادات رسميا أو وحدث عنها من المرتد ارتدادا فغاية أمر عدم الحكم بثبوتها شرعا أن ذلك يمنع فقط قتل هذا المرتد مع بقاء بقية أحكام الردة في حقه، فإن هذه التهمة على ذلك المستوى من الشهادات تهمة لا تسقط على بقية المستويات دينا وعرفا واعتبارا، ذلك أنه لا يصح وفقا للأعراف المستقيمة أن يُكَذَّبَ أحد عشر شاهدا لطلب سلامة الواحد المتهم، وقد أخرج أبو داود والحاكم والطبراني بأسانيد صحيحه واللفظ للحاكم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه »إن الله تعالى لن يجمع أمة محمد على ضلالة« وفي الحديث الصحيح الآخر »ومن شذ في النار«. وأضاف البيان »لقد كان بوسع هذا الصحفي _ على وفق ما نسب إليه - أن يستبطن عن الأمة كفره وردته أو أن يجعل ردته هذه والإعلان عنها بعيدا عن مؤسسات الدولة التي تتعامل مع العالم ومع شعبها أنها دولة عربية دينها الرسمي هو الإسلام وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأول من مصادر التشريع، رعاية لحق حزبه الذي رفعه، وكان به مع الناس كالمرأة حمايتها على الزوج، وكالقاصر تبعته على الوصي، وكذلك رعاية لحق عمله الذي يرتزق فيه من أموال تلك الأمة التي استخف أخيرا بمعالم شرفها، أما وأنه قد جاء منه الاعتداء على أقدس مقدسات الأمة التي اعتلى فيها مناصبه باسم القواعد التي أتى عليها على وفق ما نشر عنه ، فلم يراع لحزبه حقا مع شدة حاجة حزبه اليوم -فيما يبدو- إلى المصانعة، ولا حق عمله، فكان بأسلوبه الذي ثبت به ردته غبيا، سلط نفسه على نفسه، واستحق بذلك على الأمة كلها حقوقا شرعية فرضها عليها وعليه سوء صنيعه واختياره«. وطالبت الجبهة وفقًا لما ذكر البيان بالتالي: 1- من حزب هذا الصحفي المرتد أن يعيننا على بقاء حياديتنا السياسية منه ومن غيره من بقية الأحزاب المصرية، وذلك بأن يسارع هذا الحزب بتحديد موقفه من هذا الصحفي المارق ومن نظرائه وأمثاله، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. 2- ومن حكومة هذا الحزب أن تقوم بحق الله الواجب عليها نحو دينها، أولا هذا الدين الذي هو مدخل ثبات الحقوق وبقاء الحدود ووفرة الحرمات، ونحذرها من أن تسلك في مثل تلك القضايا سبيل الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض 3- ومن القضاء وأهل القانون أن يقيموا لله حقه في تلك الجريمة وأخواتها، وفاءً للعهد، وقياما بالحق، وغيرة على الثوابت، وإبراءً للذمة، فإن مما أجمع عليه المسلمون أن »من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، ومن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر« [منهاج السنة 5/ 130] . 4- وإلى أهل هذا الصحفي وذويه أن يحددوا موقفهم منه حتى لا تدخل مدخله، ولا يصيبهم ما أصابه. 5- وإلى عامة الأمة وغياراها من مسلمين ونصارى: لا تترددوا في صفع هذا المرتد الوقح وصحيفته وذلك بمخاصمة جريدته ومقاطعتها على جميع المستويات حتى ترجع تلك المجلة التي توقح برآسته لها على الأمة والملة إلى مخازنهم خاسئة ذليلة حتى يطهر مجلس إدارتها وأسرة تحرير تلك المجلة نفسها من بقاء هذا المرتد في مكانه فيهم ثم يعتذرون للأمة عما كان منه بحقها قبل عزله، فإن ما نُسب إليه هو أقبح بكثير مما كان من الدنمارك في حق نبينا صلى الله عليه وسلم، فأَرُوا الله ونبيه ودينكم من أنفسكم خيرا. (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر:44) وأوضح بيان الجبهة أحكام الردة بشأن هذه القضية كالتالي: أولا: فإن الردة بهذا المستوى الذي جاء عليه هذا البلاغ قد ثبتت شرعا ثبوتا لا تقبل ردًَّا، حيث اتفق الفقهاء على الاكتفاء بشاهدين في ثبوت جريمة الردة، ولم يخالف في ذلك إلا الحسن، فإنه اشترط لثبوتها أربعة من الشهود [ المغني 8557] ثانيا :وعلى ذلك فإن تلك الجريمة من حيث الشكل قد تبت وقوعها ديانة وشرعا. ثالثا: فإن أنكر هذا الصحفي ما صدر عنه بعد استيفاء الاتهام مطالب ثبوته شكلا - وليته يفعل - فإن إنكاره بعد ذلك لا يعدو أن يكون منه على أيسر الأحكام الفقهية توبة ورجوعا، وذلك عند الحنفية فقط، فيمتنع على ذلك القتل فقط في حقه، وعند الجمهور فإنه يحكم عليه بمقتضى تلك الشهادة، ولا ينفعه إنكاره، بل يلزمه أن يأتي بما يصير به الكافر مسلما، مع وجوب استتابته على ما ذهب إليه الإمام مالك والشافعي وأحمد. وقد قال الحنفية: توبة المرتد تكون بأن يتبرأ عن الأديان سوى الإسلام، ولو أتى بالشهادتين على وجه العادة أو بدون التبري لم ينفعه ما لم يرجع عما قال، إذ لا يرتفع بالشهادتين كفره. قالوا: إن شهد الشاهدان على مسلم بالردة وهو منكر لا يُتَعرَّض له لا لتكذيب الشهود، بل لأن إنكاره توبة ورجوع، فيمتنع القتل فقط وتثبت بقية أحكام الردة في حقه . رابعا :وإذا نطق هذا المرتد بالشهادتين بعد ما أثبتته شهادة الشهود على الوجه الذي جاء عليه البلاغ إلى النائب العام فإن توبته تكون صحيحة عند الحنفية، والشافعية، والحنابلة، لقوله صلى الله عليه وسلم »أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلاه إلا الله، فمن قال لا إلاه إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله« قالوا: وحيث إن الشهادة يثبت بها إسلام الكافر الأصلي فكذا المرتد، فإذا ادعى المرتد الإسلام ورفض النطق بالشهادتين لا تصح توبته (الإقناع 4/ 303). كما أن الحنابلة صرحوا بأن المرتد إن مات على ردته وأقام وارثه بيِّنة أنه صلى بعد الردة حكم بإسلامه [الإنصاف 10/ 337]، ويؤخذ من ذلك أنه تحصل توبة المرتد بصلاته. وذهب الشافعية والحنابلة في أحد القولين إلى أنه لا بد من إسلام المرتد بذكر الشهادتين أولا، فإن كان كفره لإنكار شيء آخر فيلزمه مع الشهادتين الإقرار بما أنكر. وذهب المالكية إلى أن من شتم نبيا مجمعا على نبوته بقرآن أو نحوه فإنه يقتل ولا تقبل توبته، قالوا: لأن كفره يشبه كفر الزنديق، على أنه _ أي المرتد بسبب سبه لأحد من الأنبياء- يقتل بعد توبته حدًّا لا كفرا، لأن قتله حينئذ يكون لأجل ازدرائه لا لأجل كفره [ الخرشي على خليل 8/ 70]. وقد اتفق الفقهاء على أنه إذا ارتد مسلم فقد أهدر دمه، لكن قتله للإمام أو نائبه، وأن الجناية عليه هدر، لأنه لا عصمة له [المبسوط للسرخسي، والبدائع للكاساني، والمغني لابن قدامة، والموسوعة الفقهية الصادرة عن دولة الكويت 22/ 190].