لعلّ الشيوخ والمسنين هم الأشخاص الأقلّ ميولا إلى استعمال الوسائل التكنولوجية، وخاصة الانترنيت، حيث يعتبرون أنّ الكثير من الأمور تجاوزتهم، إلاّ البعض منهم، والذين حاولوا التأقلم معها، ذلك أنّ الظروف ألزمتهم باستعمالها، ليس للعمل ولكن للاتصال بأقارب وأبناء وأحفاد لا يرونهم إلاّ وراء شاشة الكمبيوتر، وهم من وراء البحار. أجل، صارت الانترنيت أحيانا الوسيلة الوحيدة للاتصال بين الأقارب، وخاصّة هؤلاء الآباء والأمهات الذين غادرهم أبناؤُهم إلى أوروبا او بلدان أخرى، وان كانت المكالمات الهاتفية القصيرة التي يجرونها معهم لا يتمكنون من خلالها إلاّ من سماع أصواتهم وأخبارهم، فإن الاتصال عبر الانترنيت يمكِّنهم من رؤيتهم، والاطمئنان على حالهم، ولهذا فإنهم راحوا يتعلمون كلّ ما من شأنه أن يخفف عنهم وطأة الحرمان والفقدان، وخاصة بالنسبة للأولياء المتقاعدين، والذين ليس لهم إلاّ "همُّ" الأولاد، والاطمئنان عليهم وعلى مستقبلهم، وربما على أحفادهم كذلك، فيجهزون بيوتهم بأجهزة كمبيوتر، ويصلونها بخدمة الانترنيت، لا لشيء، إلاّ لكي يقتربوا ولو عبر الشاشة من أولادهم. فؤاد من الأشخاص الذين اضطرتهم الحياة إلى الهجرة، وكان ذلك قبل سنتين، حيث ذهب إلى فرنسا، واستقر فيها، حيث تزوج، وأنجب طفلا، ووجد عملا محترما، ورغم انه لا ينوي البقاء لمدة طويلة هناك، إلاّ انه مضطر إلى مواصلة العمل، ولو إلى حين، ولهذا فأوّل ما فعله لدى عودته إلى الجزائر أن دعا والده إلى الذهاب معه، ولكنه رفض العرض، فاقترح عليه أن يلتقيا على شاشة الكمبيوتر، ويقول فؤاد عن الأمر: "لقد استغرقت شهرا كاملا، وأنا ألقن أبي كيفية استعمال الكمبيوتر، والاتّصال بي، ولحسن الحظ كانت رغبته كبيرة في التعلم، وما إن عدت إلى فرنسا حتى اتصل بي، وصرنا نلتقي بشكل شبه يومي". عمي البشير، 79 سنة، من الأشخاص الذين قرروا أن يتحدوا عجزهم، خاصّة وانه مُصاب بضعف في النظر، لكنّ الحنين إلى رؤية ابنته المُغتربة جعله يُداوم على دروس في الإعلام، وقد تمكن فعلا من أن يتحكم في جهاز الكمبيوتر، او على الأقل يتعلم كيفية الاتصال بابنته، يقول:"لا يمكن أن نيأس من أي تحدي يصادفنا، ولا نحتاج إلاّ إلى العزيمة والإرادة لنواجه الصعاب التي تواجهنا، وبالنسبة لي، لم تغب ابنتي عن عينيَّ منذ ولادتها، وحتى عندما تزوجتْ جاءت للسكن عندي، ولكنها اضطرت بعدها للسفر، ولم احتمل حتى الآن الأمر، ووجدتني مضطرا إلى أن اعثر على حل يمكنني من أن أراها على الأقل بشكل يومي، فهي ابنتي الوحيدة، وبدونها صارت حياتي قاسية". لكن بعض الأبناء لا يتمكنون من الاتصال بأوليائهم، رغم أن لهم الإمكانيات لذلك، ولكنهم لا يكادون يجدون وقتا للجلوس وراء شاشة الكمبيوتر، مثل السعيد، الذي قال لنا انه كاد يتشاجر مع أمه التي غضبت لأنه لا يتصل بها باستمرار على الانترنيت، ويقول إن الأمر يفوق طاقته، فهو يعمل من ساعات المساء إلى الليل، حيث تكون أمه نائمة، وعندما تتصل به يكون هو نائما ليستعد ليوم عمل آخر، أما سليمان فيقول انه لا يجد وقتا لكي يلتقي والده على الانترنيت، لكن والده لا يتفهم الأمر، ويصرّ عليه أن يجلس إلى الكمبيوتر ويتّصل به، وهو الأمر الذي يعطل سليمان عن العمل، لكنه مع ذلك قال لنا إنه مدينٌ لوالده بكل شيء، ولا يمكن أن يتذمر منه، وفي كل مرة يجد حلا يرضيه.