لن يتَّفق البشر جميعًا على رأي واحد أبدًا ولن يجتمعوا في يوم على توصيف الحقِّ والباطل أو تحديد الصواب والخطأ فالمشارب مختلفة والمناهج متعدِّدة وذلك على كل المستويات الكبير منها والصغير ومن ثَمَّ فالاختلاف متوقَّع بين الشعوب المختلفة وكذلك بين أفراد الشعب الواحد بل وبين أتباع الدين الواحد حتى داخل الأسرة الواحدة. إنَّ هذه هي سُنَّة الحياة ولهذا يُعَلِّمنا ربنا منهج التحاور الأمثل في مثل هذه الأجواء فيقول سبحانه وتعالى على لسان المؤمنين: {قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} [سبأ: 25-26]. إنَّ غاية الحوار الكبرى أن يعرف غيري رأيي وأن أعرف رأي غيري وبألطف وسيلة ممكنة ولذلك لم يكن هناك مانع في الآية أن ينسب اللهُ (الجُرْمَ) للمتحدِّث {لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا} ويَنسبَ (العمل) للآخرين {وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} مع أن المتحدِّث في الآية هم المؤمنون والمتحدَّث إليه هم الكافرون ولكنه في النهاية أسلوب متلطِّف لعرض وجهات النظر حتى في الأمور العقائدية الكبرى ثم سيكون هناك يوم يجمع الله فيه الخلائق فيحكم بينهم بالحقِّ المطلق الذي لا ريب فيه. إنني أقول هذا الكلام وفي قلبي حسرة على ما أراه أحيانًا من ردود أفعال عنيفة على ما أعرضه من رأي في قضايا عامَّة أو خاصَّة وكثيرًا ما تكون كلمات المعترضين خارجة عن حدود اللياقة ويبدو فيها نقص علم كبير وعدم دراية بالسيرة النبوية ومع ذلك فنحن نقبل في موقعنا (قصة الإسلام) بنشر هذه الآراء المخالفة لإثراء الساحة وعدم ممارسة الإرهاب الفكري. إننا نعاني منذ ما يُسَمَّى بالربيع العربي من انهيار كبير في أخلاقيات التحاور فلا أحد يُريد أن يسمع إلا ما يدعم رأيه فإذا جاء الرأي مخالفًا رأينا تهجُّمًا صارخًا وكلمات مثل: (صُدِمنا فيك) و(التخاذل) و(الجهل) و(لم نتوقَّع منك) وهكذا! يا أيها الأبناء فلتسمعوا رأينا فإن أعجبكم قبلتموه وإن كرهتموه فاتركوه وسنكفُّ عنكم ما تكرهون. إنما هو رأيٌ لا بُدَّ لي من إعلانه والذي سيحاسبني عليه هو ربُّ العالمين وليس من الأمانة أن أُدَلِّس عليكم لأُرْضِيَكم قال تعالى: {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} [هود:35].