بقلم: ماهر أبو طير* تتساقط الصحف اللبنانية الواحدة تلو الأخرى جراء الأوضاع المالية وبعض هذه الصحف من كبريات الصحف العربية لكنها لا تدفع رواتب موظفيها منذ شهور طويلة جراء الأزمات التي تعصف بها وبالصحافة الورقية في العالم. حال الصحافة اللبنانية ينطبق على صحف عربية وأجنبية وقد شهدنا خلال العقد الأخير إغلاق صحف عديدة وبعضها تحول إلى مواقع إلكترونية هذا من حيث مشهد التعثر المالي لكن الأسباب التي تتعلق بالصحافة اللبنانية مختلفة إلى حد ما. الصحافة اللبنانية تعاني لاعتبارات كثيرة أبرزها غياب الممولين السياسيين الذين لم يعد يستهويهم كثيرا دعم صحف ورقية إذ باتوا يمتلكون بدائل تتمثل بشبكات التلفزة الفضائية والمواقع الإلكترونية كما أن الممولين لم يعد يهمهم كثيرا دعم صحف محلية في دول عربية تعبيرا عن انسحاب هؤلاء الممولين من أزمات هذه الدول ووسائل إدارة الموقف منها بما في ذلك الصحف وربما لإدراكهم أن أصحاب هذه الصحف غير شفافين تماما في إنفاقهم لأموالهم. أغلب الصحف اللبنانية كانت تعيش على التمويل المالي وأكثرية أصحاب الصحف أغنياء فيما الصحف فقيرة لأن أصحاب الصحف يحوّلون أغلب الدعم المالي إلى حساباتهم الشخصية وليس إلى حسابات صحفهم ويتركون هذه الصحف للاستدانة وللتعثر المالي وللعويل والولولة. لكنك تلمس التناقض المتعلق بلبنان حين تشكو دول عربية من تسلل إيران إلى لبنان وامتلاكها لأدوات سياسية وإعلامية ونيابية وغير ذلك من أدوات ومقابل التسلل يتم إخلاء الساحة تدريجيا لهذه القوى عبر وقف التمويل أو خفضه لكثير من المؤسسات الإعلامية اللبنانية غير المحسوبة على محور إيران حزب الله. الصحافة اللبنانية على حرفيتها تشتهر بميزة مهمة تتفرد بها على كل الصحف العربية فهي غالبا ما تعيش على دورها الوظيفي سياسيا قبل أن تكون مؤسسات مستقلة معتمدة على سبيل المثال على الاشتراكات أو الإعلانات. لكن هذا الكلام ليس غمزا من قناة الصحافة اللبنانية هو واقع. فهذه الصحافة تعاني من بقية أمراض الصحافة العربية بشأن غياب المال عبر قنوات الاشتراك الإعلان ثم التمويل لكنها حصرا كانت تستفيد من معادلة لبنان السياسية ودخول أطراف عربية وأجنبية كثيرة على هذه المعادلة وبحثها عن أنصار. في ظلال الكلام عن صرخات استغاثة الصحافة اللبنانية إدراك أخطر يقول إن هذه الصحافة مؤهلة للإغلاق أو للنوم في حضن ممولين جدد. هذه هي الرسالة. لكن من يهتم حقا بالمآلات؟!. الصحافة اللبنانية حالها مأساوية مثل أغلب أخواتها العربيات لكن الفرق يكمن في أن هناك صحافة عربية رسمية ما زالت محمية وممولة فيما بقية الصحف المستقلة العربية تعاني ماليا ولو تأملنا حال الصحف المصرية والأردنية والفلسطينية والسودانية ودول أخرى لوجدناها تجدول الموت فقط وتحاول تجنبه مؤقتا. كل هذا يعني أن مهنة الصحافة بشكلها التقليدي باتت مهددة لأننا أمام غالبية عظمى من الأجيال العربية لا تفتح صحيفة لكونها أجيالا إلكترونية تتعامل مع المعلومات سمعا أو مشاهدة أو تصفحا عبر الأنترنت وعلينا أن نلاحظ أنه كلما ارتفع منسوب التعليم في بلد ومنسوب الدخول إلى الأنترنت تراجع مستقبل الصحافة والمعادلة واضحة جدا بشأن الصحافة الورقية. نحن أمام عقد من الزمن سوف تصبح فيه صحف عربية مجرد ذكريات والأرجح أن التحوّل إلى صحف إلكترونية هو وصفة النجاة الوحيدة خصوصا مع هروب الإعلان الورقي تدريجيا نحو الإعلان في الإعلام الإلكتروني. ثم أن كلفة إنتاج الإعلام وصناعته باتت مذهلة فأطنان الورق وحدها بحاجة إلى موازنات كبيرة يصعب تأمينها أضف إلى ذلك بقية الكلف. الصحافة اللبنانية في صرخة استغاثتها الأخيرة لا تعلن وفاتها أو قرب وفاتها هي تحاول في اللحظة الأخيرة أن تستثير عطف الممولين المحتملين فهي صحافة برسم البيع أو الإيجار وهي أنموذج متفرد لمعضلة الصحافة الممولة سياسيا وليس لمشكلة الصحافة التي تعاني من التعثر من السوق أو الإعلان أو الاشتراكات....فهي إذن قصة أخرى تماما.