بقلم: ناصر الفرا* لا يخفى على أحد بأن عالمنا العربي يعيش حالياً واحدة من أعقد مراحل تاريخه الحديث. نظرة سطحية مبسطة تدل على حقيقة ذلك. بل وتعطي انطباعا بأنه يعيش مرحلة ارتباك تام ناتج أصلاً عن الأحداث الدراماتيكية ذات الطابع السياسي تحديداً التي تعصف يومياً بعدد من دولة ابتداء بفلسطين وعبوراً بالعراق سوريا واليمن وما نتج عن هذه الأحداث من حالة استقطاب عربي-عربي وخارجي عربي-إسلامي-غربي مشؤوم. هذا الوضع ساهم ومازال يساهم في زيادة حدة حالة الارتباك والتشرذم الذي يعيشه الإنسان العربي ومجتمعاته. مثل هذه الأحداث وما تحمل في طياتها من غياب سريع للحلول وغموض للأفق خاصة بين جيل الشباب تشكل وتصور عالمنا العربي بأنه عالم في انحدار نحو الأسفل رغم ما يملكه من مظاهر الحضارة. هذا التصور للحالة العربية هو تصور واقعي وليس خياليا ولكن في الحقيقة ورغم عمقه فهو كذلك تصور يعتقد بأنه عابر لأن عاجلاً أم آجلاً سوف تنهض المجتمعات العربية من سباتها كما هي العادة الجارية في كافة المجتمعات التي واجهت أزمات وجود محن وركود. سيبقى هناك بصيص أمل عربي ناتج عن ديناميكية التطور الطبيعي للمجتمعات ومجتمعاتنا العربية لحسن الحظ بقواها الفاعلة ورغم ما يبدو عليها من عجز يشل كافة جوانب الحياة إلا أنها تحمل في جذورها أسس النهوض التي الرغبة والإرادة العامة قوتها الأساسية. هذه الإرادة سوف تجتاز كل من يحاول عرقلة مسيرة الصعود نحو الأعلى. الحقيقة تدل وكافة الدلائل تشير بأن أزمة عالمنا العربي ليس أزمه ناتجة عن غياب بعض أو معظم مقومات التقدم وتحديداً المادي والمعنوي فكافة الموارد الطبيعية والبشرية متواجدة وبغزارة بل وتحديداً هناك جيل من الشباب يمتلك من الرغبة والقدرات ما يؤهل العالم العربي بالسير نحو الأمام والوصول إلى أهدافه وتحديداً هدف الرقي وتبوؤ مكانة راقية بين مختلف المجتمعات. حتماً مشكلة العالم العربي لا تكمن في نقص أو غياب الاتجاه المادي والمعنوي إنما المشكلة الحقيقية تكمن في غياب تصور استراتيجي عملي شامل ومتكامل لكيفية إخراج عالمنا العربي من حالة التردي المستمر ودفعه نحو الأمام بشكل جلي ودائم وتحديداً تصور سياسي ينهي حالة الظلم الاستبدادي ويفعّل العدالة والحرية والمساواة والديمقراطية ويحفظ الحقوق ويصون الكرامة. استراتيجيات وهمية دوماً نسمع بوجود استراتيجيات مرسومة لتحديث وتطوير مجال محدد من مجالات الحياة خاصة الاقتصادي والثقافي. مثل هذا الاستراتيجيات مرسومة على ورق. فور وضعها بل وحتى قبل ذلك تعبأ لها كافة وسائل الإعلام الرسمية ولكن في الواقع من يضعها يحاول إعاقة تطبيقها وغياب تطبيقها دوماً ناتج عن غياب إرادة سياسية جازمة وحازمة من جهة وعدم انغماس ومشاركة مختلف النخب العربية في تفعيلها ونقصد هنا النخب الموازية للنخب السياسية. ناهيك طبعاً عن عدم وجود استراتيجية سياسية تسمح بتطوير من يجب تطويره الحياة السياسية بكافة أشكالها ومكوناتها. حتماً يصعب فهم لماذا كل ذلك ولكن الحقيقة والواقع يشيران بأن النخب العربية وتحديداً القوى الفاعلة في هذه النخب المتنوعة تعيش على هامش الحدث العربي اليومي وإن تفاعلت معه فتتفاعل بشكل سطحي تتحدث عنه كمن يتحدث عن مباراة كرة قدم مملة. ما يبدو من سلوك النخب العربية المهيمنة والمتناقضة فيما بينها خاصة النخب السياسية والاقتصادية ذات الترابط الهيكلي والمنفعي أنها تكره وتنفر سرياً أكثر مما هو علنياً الحدث العربي اليومي. تفضل عليه التلذذ بالظهور كما وكأنها جزء من النخب الأجنبية لذا تراها أكثر استغراباً وأقل عروبة من أي نخب أخرى وطنية متواجدة في باقي المجتمعات العالمية. مثل ذلك يوحي بأن هذه النخب تبدو كما وكأنها تشعر بالعار حين يتم ربطها بجذورها الأصلية. إنها العقدة الدائمة التي يشعر بها غير المرتاح في بيئته الطبيعية. مثل ذلك يجبرها أن تحاول قدر الإمكان الانسلاخ تماماً في النمط والمظهر عن واقعها الحقيقي بل وتحاول بقدر كبير اقتناء نمط ومظهر غير نمطها ومظهرها الطبيعي. ليس القصد هنا مظهر الملبس وإنما طريقة الظهور بفاعلية إيجابية داخل مجتمعاتها وتفضيل تقليد مظهر ونمط مجتمعات ترتاح وتعجب بطريقة عيشها وبحالة الهدوء السياسي الاجتماعي الديني والاقتصادي التي تتمتع به تلك المجتمعات. بعيداً عن عالمها وواقعها اليومي النخب العربية تحاول وتعمل جاهدة على خلق مجتمعات مغلقة خاصة بها بل وثقافة وعادات وتقاليد تميزها ضمن محيطها. بل والمؤسف أنها تحاول خلق صورة شكلية ونمطية بعيدة كل البعد عن الواقع الاجتماعي الاقتصادي السياسي والديني واقتباس ما هو قادم من غيرها. تفضل قبل وبعد كل شيء إعطاء انطباع بأنها نخب جانبية وفوقية بمعنى أنها في الوقت نفس التي تعيش على هامش هموم مجتمعاتها فإنها فوق هذه المجتمعات في كافة مجالات الحياة. بل وتحاول خلق حاجز يفصل بينها وبين من يعيش من حولها. إنها نخب سطحية لم تع بعد بأنها خارج إطار الواقع وعدم تدخلها والمساهمة نوعاً ما وبشكل أو بآخر في حل مشاكل هذه المجتمعات ستبقى نخبا ضائعة وبدون عمق يجعلها تفرض نفسها بشكل ينفع الجميع. بل وفاقدة لقوة الثبات التي تسمح لها بالتعامل بندية مع النخب الأجنبية التي تحاول مواكبتها بطريقة متكلفة.