قال عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا اللَّه أن يجدد الإيمان في قلوبكم)). المفردات: ليخلق: أي يكاد أن يبل الشرح: هذا الدعاء فيه من عظيم المقصد وأجلّ مطلب في إصلاح أهم مضغة في الجسد التي هي محلّ نظر الرب تبارك وتعالى التي إن صلحت صلح سائر الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله فلهذا اهتم الشارع الحكيم إلى سؤال اللَّه تبارك وتعالى في إصلاح هذه المضغة. وقد تقدم من أدعية المصطفى صلى الله عليه وسلم ((اللَّهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)) ((يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك)) ((اللَّهم حبِّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا)) وغير ذلك الكثير من الأدعية. قوله صلى الله عليه وسلم ((إن الإيمان ليخلق)): أكد الأمر ب(إنّ)) أي الإيمان ليتلف ويبلى ويتغير ثم شبهه بالأمر المحسوس المشاهد بالثوب الذي يبلى ولا يبقى وهذا في غاية الأهمية في تثبيت الأمر المهم في الذهن وتأكيد الحقائق المهمة الجليلة بالأمور المحسوسة الذي يقتضي المراقبة وحسن المجاهدة ((شبه صلى الله عليه وسلم الإيمان بالشيء الذي لا يستمر على هيئته)) فإن الثوب يبلى لرداءته أو كثرة استعماله وكذلك الإيمان لا يبقى على حال فهو يضعف ويفتر بسبب كثرة المعاصي والآثام والبعد عن ذكر اللَّه عز وجل وقلّة [الأعمال] الصالحات والطاعات وعدم تجديد التوبة بعد الذنوب والسيئات. ففيه دليل على صحة اعتقاد أهل السنة والجماعة كما هو مقرَّر في كتب العقيدة: إن الإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والآثام. ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((فاسألوا اللَّه أن يجدد الإيمان في قلوبكم)) وقد تقدم أن في أمره صلى الله عليه وسلم بالدعاء أفضل من غيره من الأدعية التي لم يأمر بها. وفي صيغة المضارع ((أن يجدد)): الذي يدلّ على الاستمرارية والتجدّد فيه حث على الاعتناء بهذا الدعاء وملازمته والاعتناء به على الدوام وتضمّن هذا الدعاء المبارك سؤال اللَّه تبارك وتعالى التوفيق إلى صالح الأعمال والتي من أجلّها: مسائل الإيمان من حسن الاعتقاد المنافي للشبهات والبدع والضلالات وكذلك تضمّن سلامته من الشرك والرياء والسمعة والنفاق وباقي الذنوب والشرور والسيئات. فخذ بوصية المصطفى صلى الله عليه وسلم تكن من الفائزين.