لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تأملات في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم الزوجية عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: (اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْر رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا وَقَالَ: أَلَا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْجِزُهُ وَخَرَجَ أَبُو بَكْر مُغْضَبًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْر : كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: فَمَكَثَ أَبُو بَكْر أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا فَقَالَ لَهُمَا: أَدْخِلَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا)(رواه أحمد (18418) وأبو داود (4999) وصححه ابن حجر وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم وصححه الألباني). تمر الحياة الزوجية بأيام حلوة وأيام أخرى عكس ما نشتهي ونرى فيها المرارة والأسى والخلافات وهذه هي طبيعة الحياة الزوجية ومن طبيعة الحياة بشكل عام فتجد التنوع والاختلاف فالزمان لا يثبت على حال ولكن الإنسان الواعي العاقل يلزم أمرا واحدا في كل الأحوال وهو تقوى الله في الفرح والحزن وفي السرور والألم وفي الضحك والبكاء. هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدْتَهَا دُوَلٌ مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتْهُ أَزْمَانُ والحياة الزوجية ليست مسلسلا تلفزيونيا ولا فيلما تعرضه قنوات الإعلام الفاسدة حيث الغرام والعشق والانسجام و.. و.. و.. و.. وإنما تارة تبش للزوجين فيفرحان وتارة تعصف بهم العواصف فيعتريها تقلبات في كل الجوانب الفكرية والصحية والعاطفية والغذائية وغيرها. ولذا يجب ابتداءً ألا يتعجب الزوج أو الزوجة من تقلبات الحياة بينهما فتجد الزوجة تقول لزوجها عند اختلاف بينهما: ماكنت متوقعة تكون هكذا! أو يقول الزوج لزوجته عند رفع صوتها: أين أيام الخطبة؟ .. فالخلاف الزوجي يقع والتقلبات الزوجية تقع. وهذا أمر لا نقاش فيه. فهذه طبيعة الحياة. ولكن كيف نتعامل مع الخلاف؟ وكيف نتصرف مع الخلاف فهذا هو الأهم؟ فقد سمع أبو بكر رضي الله عنه صوت ابنته عائشة وهي ترفع صوتها على زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم رجل وخير الأنبياء وأفضل الرسل فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع لها تاركا إياها تفرغ ما في داخلها من غضب أو كلام بصوت عال ولكن أبا بكر رضي الله عنه وهو والدها لم يعجبه هذا التصرف فهجم يريد ضربها فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم هجوم أبي بكر جعل نفسه حاجزا بين أبي بكر وبينها يمنعه من ضربها. فلما رأى أبو بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يمنعه من ضربها وهي التي كانت تصرخ وترفع صوتها عاليا عليه خرج غاضبا وتركهما. والتفت النبي الكريم إلى عائشة فلم يعاتبها على صوتها العالي ولا على كلامها التي تكلمت به وهي تنفس عن غضبها فالرسول الحليم يعلمنا أن هذه طبيعة المرأة. وأن من طبيعتها رفع الصوت والغضب والكلام فتغافل عن هذه الأمور وقال لها: (كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟) فالخلاف لا يجعل من الزوج أو الزوجة عدواً لشريكه فيشتد وطيس الحرب بينهما بالكلام والصراخ وقد يصل إلى أسلحة الأيدي وبروز عضلات الزوجين وقياس لمدى صوتهما بل ينقلهما إلى الخلاف الأخلاقي والخلاف السوي حيث أفق الحوار وفضاء النقاش السليم الذي يثمر بنتيجة بينهما ويصلهما إلى حل. وبعد أيام استأذن أبو بكر رضي الله عنه فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا فَقَالَ لَهُمَا: أَدْخِلَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا*. إنها الروح العالية في التعامل مع الآخر. اللهم صل على محمد النبي خير مربي وأفضل زوج كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.