قدوة مثالية للأزواج عبر كل الأزمنة والعصور هكذا كان يعامل الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاته اعتاد القراء على طائفة غريبة من الأنباء هذه الأيام فكثيرا ما تطالعنا الصحف بخبر تطليق زوج لزوجته لأنها تأخرت في تحضير الغذاء وآخر يضرب (أم أولاده) لأنها لم تعد له كوب الشاي وثالث يقتل شريكة عمره لأنها زادت الملح بالطعام..!!! ويؤكد المتابعون أن هذه الحوادث تحمل دلالات خطيرة عن اختلال العلاقة ما بين الزوج وزوجته فما أكثر الأزواج الذين يحمّلون زوجاتهم أعباء تفوق قدراتهم بحجة أنها الزوجة وأنها عليها حسن الطاعة لمطالبه فيرى بعض الأزواج حقوقهم دون الالتفات لواجباتهم. وهذا ما يفسر الأرقام المخيفة لقضايا الأحوال الشخصية والخلع والطلاق والنفقة التي تصل إلى جنبات المحاكم في حين أن التخلص من هذه المشكلات ليس معضلة في حد ذاته ولا يحتاج جهدا خارقًا فنجاح الحياة الأسرية في نظر المراقبين لا يحتاج سوى الاقتداء بسنة الرسول المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم) في معاملاته الأسرية. فإذا استعرضنا المواقف الخلافية بين النبي وأزواجه فسنجد تصرفاته نموذجًا ينبغي على كل مسلم أن يهتدي به حتى ينال السعادة في الدنيا والآخرة. حنون معطاء ولنرى معًا كيف كان حال الرسول الكريم مع زوجاته في مختلف الأحوال فالرسول الكريم كان يرفع من شأن زوجاته ويقدرهن ويدللهن فها هو صلوات ربي وسلامه عليه بعد رجوعه من إحدى الغزوات يطلب من القافلة أن تسبقه ويقوم بمسابقة السيدة عائشة وليست لمرة واحدة بل مرتين فبعد أن كان القائد الباسل في المعركة منذ ساعات أصبح الزوج الحاني المعطاء مع زوجته. وفي موقف آخر تحكي السيدة عائشة رضي الله عنها {دخل مجموعة من أهل الحبشة المسجد يلعبون فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا حميراء(1) أتحبين أن تنظري إليهم؟) فقلت: نعم فقام بالباب وجئته فوضعت ذقني على عاتقه فأسندت وجهي إلى خده قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حسبك) فقلت: يا رسول الله لا تعجل فقام لي ثم قال: حسبك (فقلت: لا تعجل يا رسول الله قالت: ومالي حب النظر إليهم ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه) رواه النسائي وصححه الحافظ وتابعه الألباني في آداب الزفاف وأصله في الصحيحين. هل تصورت كيف كانت تقف خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليسترها وقد وضعت ذقنها على عاتقه صلى الله عليه وسلم وأسندت وجهها إلى خده صلى الله عليه وسلم؟ وكانت تطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن تبقى فترة أطول تقول وما بي حب النظر إليهم ولكن كان هدفها أن تسمع النساء مكانتها عنده.. ومع ذلك صبر النبي (صلى الله عليه وسلم) على إطالتها محبة لها ومراعاة لمشاعرها. وقد بلغت رقة النبي الشديدة مع زوجاته أنه كان صلوات ربي وسلامه عليه يخشى عليهن حتى من إسراع الحادي في قيادة الإبل اللائي يركبنها فعن أنس رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) كان في سفر وكان هناك غلام اسمه أنجشة يحدو بهن (أي ببعض أمهات المؤمنين وأم سليم) يقال له أنجشة فاشتد بهن في السياق فقال النبي (صلى الله عليه وسلم ) (رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير).. (رواه البخاري). اعتراف على الملأ وفي الوقت الذي يرى فيه بعض الرجال أن مجرد ذكر اسم زوجته أمام الآخرين ينقص من قيمته نجد رسولنا الكريم يجاهر بحبه لزوجاته أمام الجميع. فعن عمرو بن العاص أنه سأل النبي (صلى الله عليه وسلم): (أي الناس أحب إليك. قال: عائشة فقلت من الرجال؟ قال: أبوها). (رواه البخاري). ولم يكن الحال مع عائشة فقط ففي موقف آخر تحكي لنا السيدة صفية بنت حيي إحدى زوجات الرسول: (أنها جاءت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة ثم قامت لتنصرف فقام النبي (صلى الله عليه وسلم) معها يوصلها حتى إذا بلغت المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال لهما: (على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي). (رواه البخاري). وبرومانسية المحب وحنان الزوج (يحكي لنا أنس أن جارًا فارسيًا لرسول الله كان يجيد طبخ المرق فصنع لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) طبقًا ثم جاء يدعوه فرفض سيدنا محمد الدعوة مرتين لأن جاره لم يدع معه عائشة للطعام وهو ما فعله الجار في النهاية! سند في الشدائد وحبيبنا المصطفى كان مراعيًا للحالة التي عليها المرأة في الأوقات التي تكون حالتها النفسية والبدنية مختلفة عن باقي الأوقات فعن ميمونة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في المسجد وهي حائض). (رواه أحمد). وفي موقف آخر يحاول الرسول الكريم أن يهدأ من الحالة السيئة لإحدى زوجاته فقد دخل الرسول ذات يوم على زوجته السيدة (صفية بنت حيي) رضي الله عنها فوجدها تبكي فقال لها ما يبكيك؟ قالت: حفصة تقول: إني ابنة يهودي فقال: قولي لها زوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى.. (الإصابة 8/127) وهكذا نرى كيف يحل الخلاف بكلمات بسيطة وأسلوب طيب. رفيق بنسائه وفي وقت يخجل كثير من الرجال من مساعدة زوجاتهم معتقدين أن ذلك قد يقلل من مكانتهم نجد رسولنا الكريم لا يتأخر أبدا عن مساعدة زوجاته فقد روي عن السيدة عائشة في أكثر من رواية أنه كان في خدمة أهل بيته. فقد سئلت عائشة ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم ) يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله (أي خدمة أهله) (رواه البخاري). وفي حادثة أخرى أن عائشة سئلت عما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يعمل في بيته؟ قالت: (كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم). يشاورهن في قراراته وفي الوقت الذي ينظر فيه الرجال إلى النساء على أنهن ناقصات عقل ودين ويجب ألا يأخذ برأيهن لم يخجل الرسول الكريم وقائد الأمة العظيم في الأخذ برأي زوجته ويتجلى ذلك في استشارته (صلى الله عليه وسلم) لأم سلمة في صلح الحديبية عندما أمر أصحابه بنحر الهدي وحلق الرأس فلم يفعلوا لأنه شق عليهم أن يرجعوا ولم يدخلوا مكة فدخل مهموما حزينا على أم سلمة في خيمتها فما كان منها إلا أن جاءت بالرأي الصائب فقالت: اخرج يا رسول الله فاحلق وانحر فحلق ونحر فإذا بأصحابه كلهم يقومون بقومة رجل واحد فيحلقوا وينحروا. حليم في غضبه وفي عصر تمتد فيه أيدي الأزواج إلى نسائهم إذا ما أخطؤوا ننظر إلى حكمة الرسول ورقته ولطفه في التعامل مع نسائه إذا ما حدث أي خلاف بينه وبين زوجاته فقد حدث خلاف بين النبي (صلى الله عليه وسلم) وعائشة رضي الله عنها فقال لها من ترضين بيني وبينك.. أترضين بعمر؟ قالت: لا أرضي عمر قط (عمر غليظ) قال أترضين بأبيك بيني وبينك؟ قالت: نعم فبعث رسول الله رسولًا إلى أبي بكر فلما جاء قال الرسول: تتكلمين أم أتكلم؟ قالت: تكلم ولا تقل إلا حقًا فرفع أبوبكر يده فلطم أنفها فولت عائشة هاربة منه واحتمت بظهر النبي حتى قال له رسول الله: أقسمت عليك لما خرجت بأن لم ندعك لهذا. فلما خرج قامت عائشة فقال لها الرسول: ادني مني فأبت فتبسم وقال: لقد كنت من قبل شديدة اللزوق (اللصوق) بظهري - إيماءة إلى احتمائها بظهره خوفًا من ضرب أبيها لها - ولما عاد أبوبكر ووجدهما يضحكان قال: أشركاني في سلامكما كما أشركتماني في دربكما). (رواه الحافظ الدمشقي). وعندما يشتد الغضب يكون الهجر في أدب النبوة أسلوبًا للعلاج فلما يمد الرسول الكريم أبدًا يده على أي من زوجاته فقد هجر الرسول زوجاته يوم أن ضيقن عليه في طلب النفقة.. حتى عندما أراد الرسول الكريم أن يطلق إحدى زوجاته نجده ودودًا رحيمًا فتحكي (بنت الشاطئ) في كتابها (نساء النبي) ذلك الموقف الخالد قائلة عن سودة بنت زمعة رضي الله عنها أرملة مسنة غير ذات جمال ثقيلة الجسم كانت تحس أن حظها من قلب الرسول هو الرحمة وليس الحب وبدا للرسول آخر الأمر أن يسرحها سراحًا جميلًا كي يعفيها من وضع أحس أنه يؤذيها ويجرح قلبها وانتظر ليلتها وترفق في إخبارها بعزمه على طلاقها. وحتى في أشد المواقف التي يتعرض لها بيت النبوة والتي هزته بقوة ألا وهو حادث الإفك كان موقف النبي (صلى الله عليه وسلم) نبراسًا لكل مسلم فتروى السيد عائشة في الصحيحين قائلة: فاشتكيت حين قدمناها شهرًا والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اللطف الذي أرى منه حين أشتكي إنما يدخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيقول: (كيف تيكم؟). فبرغم المكانة العظيمة والمنزلة الرفيعة التي يتمتع بها الرسول الكريم وتحمله لهموم الأمة الإسلامية بأكملها.. فإن رقته في التعامل مع زوجاته تفوق الوصف.. فلا تتعلل بمسؤولياتك عزيزي الزوج وكن كما كان محمد لتكون زوجتك كخديجة وعائشة وصفية. ويؤكد العلماء أنه ليس حسن الخلق مع الزوجة كف الأذى عنها فقط بل احتمال الأذى منها والحلم عند طيشها وغضبها اقتداء برسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهن اليوم إلى الليل وراجعت امرأة عمر رضي الله عنه فقال: أتراجعينني؟ فقالت: إن أزواج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يراجعنه وهو خير منك. وهذه الرقة في تعامل النبي مع زوجاته كان أمامها طاعة وحنان وحسن خلق من زوجاته رضي الله عنهن فكما على الرجال الإقتداء بنبينا الزوج فعلى النساء الاقتداء بأمهات المؤمنين زوجات لتنشأ أسرًا صالحةً سعيدة..