زلزل المخرج الجزائري رشيد بوشارب الأوساط السياسية في فرنسا، التي هاجم عدد منها فيلمه الجديد »خارجون عن القانون« حتى قبل عرضه في مهرجان كان السينمائي، وهو العرض الرسمي الأول له، حيث يُنتظر أن يكتشف العالم بأسره صبيحة الجمعة مضمون هذا الفيلم، وفي نفس التوقيت الذي يبث فيه الفيلم في »كان« قررت وزارة الثقافة عرضه بقاعة الموڤار في الجزائر العاصمة للأسرة الإعلامية. السينما التي يقدمها واقعية لدرجة الصدام، مغلّفة في الوقت نفسه بطابع إنساني عميق الأبعاد.. إنه المخرج الجزائري رشيد بوشارب، الذي يكشف بإنتاجه السينمائي عن وجه آخر للسينما الجزائرية؛ إذ يؤرخ لمكافحة الاستعمار بأفكاره المعبّرة عن مشاعر حية ينتظم فيها الآلاف من البشر، فاضحا الرفض الغربي للأصول العربية، رغم وهْم الاندماج والتحرر، ومزيحا الستار عن مرحلة تُحاول فرنسا محوها من ذاكرتها التاريخية الاستعمارية. رشيد بوشارب يبحث بأفكاره عن صنع الجدل، وإثارة التساؤلات بالقضية المطروحة في الفيلم، وهو الأمر الذي نجح فيه بامتياز، فخرجت أفلامه عن كونها سينما تجتاز الحدود بجرأتها إلى رحلة للبحث عن حقيقة تاريخية ظلت حبيسة الرفوف، على حد قوله. الهجرة والاغتراب واختلاف الثقافات ليست مجرد مفاهيم لدى المخرج الجزائري المولود بفرنسا، وإنما صور مخزنة في ذاكرته يحاول التعبير عنها بمدرسة سينمائية واقعية جديدة، تجمع بين غموض الاغتراب ووهم الانتماء. يعبر بوشارب بصورته عن عالمه الخاص بين البيئة التي نشأ فيها والبيئة التي يبحث فيها عن جذوره، في فيلم تدور أحداثه حول الصراع الأبدي بين الشرق والغرب، في شخصيات لا يفصلها حدود بين الواقع والخيال. المهمّشون في بحر الغربة هم أبطال قصص رشيد بوشارب، الذي يروي بهم جزءا مما بداخله دون أن يدري أنه يكشف وجوها للاستعمار الفرنسي، ودون أن تكون أفلامه ذات الخلفية السياسية دعاية لطرف على حساب الآخر. حب السينما وجرأة المشاعر شكّل رشيد بوشارب والمنتج الفرنسي جون بريا علاقة فنية من نوع خاص؛ إذ جمعتهما عوالم مختلفة على حب السينما وجرأة المشاعر المترجمة بأفكار لا تعرف معنى الحواجز التي يعبر بها بوشارب عن هويته، لتجمعهما بعد ذلك صداقة قوية ساعدت بوشارب في كتابة أول حروف النجاح في حياته بإنتاج أفلام قصيرة في الثمانينيات، ثم أسسا معا شركتهما الخاصة عام 1983. وفي عام 1985 قدّم رشيد الفيلم القصير »العصا الحمراء«، ثم توالت بعدها عدد من التجارب لأفلام قصيرة ناجحة، استطاع فيها استخلاص مفاهيم الحرية من السينما الفرنسية التي تعلم على أيدي كبار أساتذتها ونجومها. وكان فيلم »شاب« الذي أُنتج عام 1991 أول إنتاج مشترك بين الصديقين. وقد سبب صدمة شديدة للجمهور العادي والنقاد على حد سواء، كما أثار جدلا واسعا لما يحمله من جرأة لم تعتد عليها السينما الجزائرية من قبل. ورآه النقاد وقتها تعرية لحقائق خفية في المجتمع الجزائري، لكنه فتح أمام بوشارب أبواب العالمية. وفي عام 1996، تم ترشيح فيلمه »غبار الحياة« لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، وبعدها قدّم بوشارب وصديقه جون فيلم »سنغال الصغيرة« عام 2001، الذي سلّط فيه رشيد الضوء على سكان منطقة هارليم أحد ضواحي مدينة نيويورك، التي يطلق عليها »ليتل سنغال«، التي يسكنها أفارقة معظمهم من السنغال. ويروي بوشارب في الفيلم الحياة اليومية لهؤلاء الأفارقة الأمريكيين، ليكشف أنهم على الرغم من اندماجهم في المجتمع الأمريكي إلا أنهم مازالوا عبيدا! شيراك يستجيب ل "أنديجان" من خلال ثلاثة شباب جزائريين كانوا هم الناجين الوحيدين من مجزرة سطيف عام 1945، ثم ينتقلون إلى فرنسا ليلتحقوا بحركة التحرير الجزائرية، تدور أحداث فيلم »أنديجان« أو »الأصليون« عام 2006، الذي حقق نجاحا عالميا غير متوقع؛ إذ فاز بجائزة أفضل ممثل في مهرجان كان السينمائي الدولي، بعد أن سُمح عرضه بفرنسا لأكثر من 5,3 ملايين فرنسي، بالإضافة إلى أن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أقر زيادة في منح المحاربين القدماء المغاربة على حد سواء مع الفرنسيين. وفي 2008 قدّم المخرج الجزائري فيلم »نهر لندن«، ليتناول تفجيرات لندن 2005؛ إذ اختلق حوارا بين رجل مسلم وامرأة مسيحية لديها أحكام مسبقة عن الإسلام لتعيد التفكير من جديد في تلك النظرة للمسلمين. وحصل الفيلم على عدد من الجوائز في المهرجانات الدولية، بالإضافة لجائزة أحسن ممثل في مهرجان برلين الدولي، ثم أتى عام 2010، فأثار رشيد بوشارب الجدل من جديد بفيلمه »خارجون عن القانون« الذي تدور أحداثه استمرارا لفيلم »أنديجان«، حول مجازر 8 ماي 1945 في الجزائر على يد الاستعمار الفرنسي حتى عام 1962، التي كانت سببا لاعتلاء أصوات المعارضة ضد الفيلم من اليمين الفرنسي المتطرف، لدرجة اتهام الفيلم ومخرجه بتزوير الحقائق والمغالطة التاريخية. كما عارضت لجنة فرنسية مناهضة للفيلم أطلقت على نفسها اسم »من أجل الحقيقة التاريخية في كان 2010«، عرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي، الذي تستمر أعماله حاليا. لكن تصريحات بوشارب جاءت لاحقا لترفض تلك الاتهامات لفيلمه، واصفا الفيلم بالمُتخيل في فترة زمنية دامت 30 عاما. كما أعلن عن أن فيلمه المقبل -الذي لم يحدد عنوانه بعد - سيكون استكمالا لفيلمي الاستعمار »أنديجان« و»خارجون عن القانون«، لكنه حدد الحقبة التي يتناول فيها استقلال الجزائر من عام 1962 إلى عام 2000. أخيرا.. وُلد المخرج الجزائري في فرنسا، ونشأ وتربى فيها إلا أنه قضى العديد من سنوات الدراسة في نيويورك، حيث يعيش والداه.