السكن والزواج والهجرة أهم أبواب دخول النصّابين ** أبطال أغلب القضايا مسبوقون قضائيا وبسطاء يبحثون عن الثراء والجاه عالجت مختلف الهيئات القضائية في الجزائر ولا تزال تعالج ملفات النصب والاحتيال التي عادة ما يكون أبطالها مجرمون يتمتعون بنسبة ذكاء عالية تمكنهم من بيع الحلم والوهم لضحاياهم من البسطاء بحثا عن الثراء السريع بانتحال صفة شخصيات مسؤولة أو رسمية على غرار موظفي سلك الأمن والجيش أو القضاء لما لها من نفوذ ناهيك عن صفات رجال أعمال والأطباء. لكن النهاية عادة ما تكون وراء القضبان خاصة إذا ما تعلق الأمر بانتحال صفة رسمية لأن مسلسل النصب بدايته تكون مغامرة شيّقة يتذوق فيها صاحبها الجاه والثروة لكن نهايته مريرة لأن معظمهم يقعون في شباك أعمالهم بسبب عدم قدرتهم على تنفيذ وعودهم للضحايا الذي يسارعون إلى إيداع شكاويهم بمجرد أن ينتابهم شك من شخصية المجرم وأمام التطور الكبير التي تشهده الجزائر في محاربة مختلف أنواع الجريمة فمن المستبعد جدا أن يفلت من العقاب. ويعد حلم الحصول على السكن الباب الكبير الذي يدخل منه المحتالون للإيقاع بضحاياهم ليأتي في المرتبة الثانية حلم الزواج الذي يدخل منه الجناة في ثوب العريس لنهب أموال العازبات اللائي يعتقدن أن قطار الزواج فاتهن أما الباب الثالث فهو حلم السفر إلى الضفة الأخرى ما يفسر انتشار عصابات تزوير تأشيرات السفر والهجرة نحو مختلف الدول الأوروبية على رأسها فرنسا وإنجلترا عديدة هي الأحلام التي يتاجر فيها النصابون. وارتأينا في هذا العدد أن نتطرق إلى أبرز قضايا النصب والاحتيال المرتبطة بانتحال والتي تركت بصماتها في تاريخ القضاء الجزائري لعل أبرزها قضية العطرة التي دوخت مختلف الأجهزة الأمنية على مدار سنوات قبل أن يتم الإيقاع بها. العطرة جمعت 5 ملايير سنتيم وأطاحت ب200 ضحية في سبع سنوات ادعت (العطرة) سنة 2003 أنها زوجة إطار بالمؤسسة العسكرية مما سهل لها عملية النصب على الضحايا الذين قارب عددهم 200 ضحية وجمع أموالا ضخمة قاربت 5 ملايير سنتيم إلى جانب كمية من الذهب بعد أن ادعت أنه بإمكانها توفير السكنات وأن ذلك في غاية السهولة بالنسبة لها وتمكنت من سلب عقول الضحايا وإيهامهم بذلك خاصة وأنها كانت تتنقل بسيارة رباعية الدفع يقودها سائق وقد تمكنت من النصب على ضحاياها بوسط البلاد وجنوبها دون أن يتفطن لها أحد وبعد أن جمعت مبلغا ماليا محترما سافرت إلى ليبيا حيث مارست التجارة بأموال الضحايا غير أن الحنين إلى صفة (زوجة الإطار بالمؤسسة العسكرية) أعادتها إلى أرض الوطن حيث تمكنت مصالح الأمن من الإطاحة بها سنة 2010 وحجزت المصالح المختصة بعد تفتيش منزل المتهمة جواز سفر مزور ومليون سنتيم وعقود إدارية مزورة و250 أورو وأربعة ملفات خاصة بالسكن للضحايا وكميات من الذهب قيمتها 200 مليون سنتيم لتتم إدانتها ب7 سنوات سجنا نافذة تاركة وراءها أربعة أطفال وزوج في حالة فرار. ابن مزيف لجنرال بارز يلتقي مستشار أوباما للحصول على تأشيرة لانجلترا ومن قضايا النصب التي أحدثت ضجة إعلامية ملف شاب مسبوق قضائيا يدعى (ع. ه) ركب مغامرة النصب والاحتيال بعد أن ادّعى أنه موظف بالسفارة البريطانية بالجزائر وأنه وسيم ابن الجنرال الفلاني وهو جنرال بارز وقد التقى بمستشار الرئيس الأمريكي والملحق العسكري بالسفارة الأمريكية وهذا للحصول على تأشيرات سفر إلى بريطانيا ولكن نهايته لم تكن وراء البحار كما خطط له وإنما كانت بين أروقة المحاكم والذي وجهت له تهمة انتحال لقب ابن جنرال في الجيش ومحاولة النصب بغرض الحصول على تأشيرات إلى بريطانيا وخلال محاكمته أشهرت القاضية مجموعة من الصور للمتهم وهو أمام سيارة لرئاسة الجمهورية وأمام سيارة ابن جنرال متقاعد بالإضافة إلى عدد من الصور أمام العلم الأمريكي وفي السفارة البريطانية وهي الصور التي كان يقوم بنشرها عبر صفحته في الفايسبوك على أساس أنه ابن جنرال معروف غير أن المتهم أنكر التهم الموجهة إليه مؤكدا أن حساب الفايسبوك ليس هو من فتحه بل شخص آخر قام بقرصنة حسابه وقام بنسخ عدد من صوره نافيا أن يكون له علم بالوقائع مضيفا أنه تفطن لذلك بعد حوالي 3 أيام من الواقعة وبخصوص اعترافاته أمام الضبطية القضائية بأنه فعلا انتحل صفة ابن جنرال أكد أنه قام بالإمضاء فقط على تلك المحاضر بدون أن يقرأها وصرح المتهم بأنه التقى فعلا بالملحق الثقافي لسفارة أمريكا التي عرفته بالملحق العسكري لدى السفارة كما أكد ملاقاته لمستشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما في محل بيع ملابس فاخرة خلال زيارة عمل قادته للجزائر لكن بصفته الحقيقية وليس بصفة ابن الجنرال في الجيش وفي هذا الصدد تحدث المتهم بأنه يحب كثيرا هذه الشخصية العسكرية ويعرف أبناءه وهو يفتخر بهذا الجنرال واعترف بأنه مسبوق قضائيا في هذا الشأن في بومرداس وهي الجريمة التي كلفته عقوبة السجن النافذ 04 سنوات. عصابة تتاجر في السكنات التساهمية الوهمية من أبرز قضايا النصب التي تركت وقعها قضية السكنات التساهمية ببلدية الجزائر الوسطى حيث أسالت الكثير من الحبر خاصة وأن بطلها عون أمن بلبلدية انتحل صفة موظف بديوان المير للنصب على 17 ضحية بمساعدة موظفين في الحالة المدنية والذي أوهم الضحايا رفقة عصابته أنه بإمكانه أن يدرج أسمائهم ضمن المستفيدين من السكن التساهمي بطريقة قانونية مقابل أن يقدموا له رشاوي والتي وصلت في مجملها إلى حوالي ملياري سنتيم غير أنهم تفطنوا بعد فوات الأوان إلى أن إدراج أسمائهم تم بوثائق مزورة وأنهم فقدوا أموالهم ولم يحصلوا على السكنات وأن الموظف بلال ديوان ما هو في حقيقة الأمر إلا عون أمن كان همه الوحيد جمع المال للسفر خارج الوطن لمشاهدة مباريات فريقه المفضل. تاجر ينتحل صفة رئيس المحكمة العليا للظفر بسكن اجتماعي هل أنت غبي لأبعد الحدود أم ذكي إلى درجة أن ذكاءك خانك في آخر لحظة لترتكب خطأ كهذا؟ هو سؤال طرحته قاضية محكمة الجنح بسيدي امحمد في الجزائر العاصمة على تاجر انتحل صفة رئيس المحكمة العليا واتصل برئيس ديوان والي الجزائر العاصمة وأمره بمنحه سكنا اجتماعيا ما جعله متابعا بجنحة التدخل بغير صفة في الوظائف المدنية وانتحال مهنة منظمة قانونا التي تعود وقائعها حسب الملف إلى خمس سنوات مضت عندما أودع المتهم ملفا للحصول على سكن اجتماعي إلا أنه لم يتحصل بعد على أي رد وهو الأمر الذي أثار قلقه خاصة وأن شهر سبتمبر 2016 هو موعد زفافه ولا يزال يقيم في غرفة واحدة رفقة عائلته وأثناء تواجده بمحله التجاري لمح الجريدة الرسمية حيث وجد رقم هاتف ولاية الجزائر فاتصل به وطلب تحويله مباشرة على مكتب ديوان الوالي مدعيا أنه رئيس المحكمة العليا وبمجرد أن تحدث مع رئيس الديوان طلب منه تسوية وضعيته ومنحه سكنا حيث طلب منه أن يرسل ملفا عبر الفاكس وهو ما قام به فورا غير أن ولاية الجزائر تفطنت إلى أن الاسم الموجود بالوثائق ليس هو اسم رئيس المحكمة العليا ليتم فتح تحقيق بخصوص هوية الشخص الذي أرسل ملفه وتم التوصل إليه بموجب العنوان الذي أرسله وإحالته على القضاء. تاجر يدّعي أنه مغربي الجنسية ليسلب 16 أميرا سعوديا 300 ألف دولار من منكم يذكر قضية النصب الشهيرة على 16 أميرا سعوديا من بينهم 05 من كبار رجال الأعمال والتي كان بطلها تاجر جزائري انتحل صفة جنرال مغربي وعقد معهم صفقة لبيع الترفاس ب300 ألف دولار غير أنه قبض ثمنها دون إرسالها. القضية التي أثارت ضجة إعلامية كبيرة بسبب مكانة الضحايا وبالصفة التي انتحلها المتهم تتعلق حيثياتها بنصب تجار جزائريين من عائلة واحدة على 16 سعوديا أمراء معروفون ورجال أعمال وهذا في صفقة منتوج الترفاس حيث قدر ثمن آخر صفقة ب300 ألف دولار أمريكي حيث استلم التاجر ن.نور الدين ثمن البضاعة من السعوديين وأرسل لهم وثائق نقل البضاعة كدليل على أنه أرسلها غير أن الضحايا اكتشفوا أن الوثائق مزورة والبضاعة لم تصلهم. وقد أصبح المتهم يتعامل في تصدير الترفاس للسعوديين منذ أكثر من 20 سنة والإجراءات كانت تتم بطريقة عادية عبر السفارة السعودية بالجزائر غير أنه أقدم على عملية النصب في آخر صفقة ورغم محاولات السعوديين الاتصال به للاستفسار إلا أنه لم يرد عليهم وهذا انتقاما منهم عن صفقة سابقة بين الطرفين قيمتها 500 ألف دولار أمريكي لم تدفع للجزائري بحجة أن السلعة فاسدة وبعدها انتحل التاجر الجزائري صفة لواء مغربي وتعاقد مع السعوديين على صفقة ترفاس وتحصل على الأموال دون إيصال المنتوج لهم وعلى هذا الأساس اتصل السعوديون بالسلطات الجزائرية للاستفسار عن هوية اللواء المغربي فاتضح أنه التاجر الجزائري الذي كان يتعامل معهم وأنهم تعرضوا لعملية نصب واحتيال ولدى عرض القضية أمام العدالة حضر القنصل السعودي الجلسة وقال لا أريد إقحام الحكومة المغربية والجزائرية والسعودية في هذه المشاكل ولا نريد أن تثار مشاكل بين الملك والرئيس بوتفليقة ليتم تسليط عقوبة أربع سنوات و20 ألف دينار في حقه وعقوبة عامين في حق شقيقه والبراءة لباقي أفراد العائلة. هذه كلمة القانون.. وفي الشق القانوني يرى الحقوقي (كمال بوفافة) محامي معتمد لدى مجلس قضاء العاصمة أن قانون العقوبات الجزائري تناول هذا الجرم بالتفصيل في المواد 372 و374 موضحا أنها في جميع الحالات جنحة ولكنها يمكن أن ترتبط بجناية وأن العقوبة التي سلطها المشرع الجزائري تتراوح مابين سنة إلى 05 سنوات كأقصى تقدير مرفوقة بغرامة مابين 500 و20 ألف دينار جزائري وقد يضاف إلى ذلك الحرمان من ممارسة الحقوق المدنية والمنع من الإقامة لمدة خمس سنوات على الأكثر في الحالة المشددة ترتفع عقوبة الحبس إلى عشر سنوات على الأكثر وعقوبة الغرامة إلى 200 الف دينار. وحذر المحامي الضحايا من الإغفال عن عدم تقديم شكوى لأنها حقوقهم ستضيع بعد 03 سنوات من تاريخ ارتكاب الجريمة لتقادم الدعوى العمومية مضيفا أن جريمة النصب تمس بالنظام العام وعليه فإن وكيل الجمهورية له الحق في متابعة الجاني ولو لم يتلق شكاية من الضحية وحتى في صورة استرداد الشيء المسلم. وأوضح بوفافة أن جريمة النصب والاحتيال ترتبط عادة بجرائم انتحال صفة وتكوين جمعية أشرار ما يعطيها الصفة الجنائية أو في حالة استهدفت رموز الدولة اين يتم تشديد العقوبة التي تبقى السلطة التقديرية فيها للقاضي هذا الأخير في حال ارتباط جريمة النصب بانتحال صفة أو سوء استغلال الوظيفة يتم مراعاة عدة ظروف منها إذا كان الجاني مسبوق قضائيا وظروفه الاجتماعية قبل أن يقوم بإصدار الحكم. أركان جريمة النصب.. فيما يخص أركان جريمة النصب التي حددها قانون العقوبات الجزائري فتتمثل في خمسة أولها استعمال الحيل حيث تقوم هذه الجريمة بالدرجة الأولى على الكذب ويبقى فقط تحديد موضوع هذا الكذب ولكنه لا يكفي لتشكيل جريمة النصب بل يشترط فيه أن يتجسد في استعمال أسماء أو صفات كاذبة لا يشترط أن تكون حقيقية لكي يطولها التجريم بل قد تكون خيالية إلى جانب الاسم المزوّر والصفة المزورة التي توجد الوظيفة أو المهنة أو الجنسية الكاذبة أو في ادعاء الشخص كذبا أنه تاجر أو وكيل جمهورية أو مستخدم لشخص آخر وغيرها ناهيك عن المناورات الاحتيالية. أما الركن الثاني لثبوت جريمة النصب والاحتيال فهو وجود شي محل الاستلام سواء منقولات أو أموال أو سندات أو تصرفات أو أوراق مالية أو وعود مخالصات أو ابراء من الالتزامات في حين تمثل الركن الثالث في الاستلام فإذا كان ينفي مبدئيا وقوع جريمة السرقة فإنه في جريمة النصب يشكل ركنا مهما إن النصب جريمة معقدة كونها تتطلب أحيانا عدة عمليات وكونها أيضا تبدأ عادة في مكان وتنتهي في مكان آخر إلا ان القضاء والفقه يصنفانها الفرية لأنها تتم بمجرد الاستلام الذي قد يتمثل في توقيع عقد وقد يتمثل في استلام شيء فضلا على ضرورة وجود ركن الضرر وهو نوعان الأول لا يؤدي وقوعه إلى قيام جريمة النصب وذلك اذا كان الجاني يقوم بالمناورات الاحتيالية لاسترجاع حقه الشرعي ولا يعد نصابا والثاني يؤدي وقوعه إلى قيام جريمة النصب وذلك إذا حصل الاستلام نتيجة لمناورات احتيالية ما كان ليقع لولاها ولابد من توفر القصد الجنائي لأنها جريمة عمدية وعليه فلا تتم بالتقصير والإهمال في غياب النية الإجرامية يشترط في المجرم أن يكون شاعرا بالضرر المترتب على الاستلام وعالما بالوسائل الاحتيالية المؤدية إليه فإذا كان الجاني يعتقد أن له الحق في الاسم أو الصفة الكاذبة أو يؤمن بالمشروع الوهمي الذي يعد به أو كان لا يهدف إلى الاستلاء الكلي أو الجزئي على مال الغير فلا تقوم جريمة النصب.