بقلم: أحمد برقاوي* جاء في المعاجم بأن الحماقة: قِلَّة العَقْلِ وَالشَّطَطِ فِي التَّفْكِيرِ وفساد العقل. وقد اهتمت العرب بأخبار الحمقى والمغفلين فكتب ابن الجوزي عن أخبار الحمقى والمغفلين كما ترجم العرب المعاصرون كتاب مديح الحماقة لأراسموس. وإذا كان كتاب ابن الجوزي سرداً لقصص الحمقى فإن كتاب أراسموس هو نقد لاذع للكنيسة آنذاك. أما وإن تاريخ الحماقة طويل وموصول حتى أيامنا وسيظل ما بعد أيامنا ولن يشهد التاريخ نهاية للحماقة فإن للحماقة أشكالاً وألواناً وتنتظم على كل صعد الحياة. والحماقة السياسية أخطر الحماقات طراً لأن الحماقة السياسية لا تختص بصاحبها ولا تقف آثارها على الأحمق نفسه بل تتعدى ذلك على الآخرين وعلى حركة التاريخ الجزئي أو الكلي. فالسياسة الحمقاء هي ثمرة الفاعلين السياسيين الحمقى. هناك ثلاثة أنواع أساسية في الحماقة السياسية وهذا يعني من الحمقى السياسيين: النوع الأول من الحماقة السياسية هو الاعتقاد بأن استمرار الحال ليس من المحال. ولأن استمرار الحال يتطلب الحفاظ على الشروط التي أنتجت الحال وهذا مستحيل عقلياً وواقعياً فإن السياسيين الحمقى الساعين إلى ذلك ليس أمامهم إلا حماقة العنف متناسين أن كل فعل يخلق رد فعل من طبيعته. فتخيل حجم الحماقة لدى أقلية توافرت لها مصادفات مزعجة لتحكم أكثرية عبر احتكار القوة المادية وتسعى للبقاء على هذه الحال رغم تغير الأحوال. وحماقة كهذه معطلة للعقل إنما تعود إلى الرغبة في الحفاظ على مصالح وامتيازات من المستحيل الحفاظ عليها إلا باستمرار الحال. أما النوع الثاني من الحماقة السياسية فهو حماقة قوى تعتقد بأنها عبر العنف قادرة على استعادة حال ماضية بل غارقة في القدم وكأن كل السيرورة التاريخية التي مرت على المجتمع الذي وصل إلى ما وصل إليه من تغيرات نوعية لا معنى لها إطلاقاً. وهذه الحماقة وإن بدا لها أنها انتصرت فإن انتصارها عابر جداً لأن روح العصر لا تحتمل وجود واقعة متناقضة مع ذاتها. وحماقة كهذه لا تكون إلا في مرحلة انحطاط ويأس ناتجين عن استنقاع تاريخي طويل دون ظهور قوة تجديد عاصفة. أما الحماقة السياسية الثالثة فهي حماقة الاعتقاد بأن مجتمعاً من المجتمعات أو دولة من الدول قادرة على العيش في عزلة عن حركة العالم وتطور علاقاته المشتركة. وهذه الحماقة غالباً ما تنتج عن جهل بحركة العالم وخوف من رياح التغير الممكنة والحفاظ على الأمر الواقع. ولما كانت العزلة مستحيلة وبخاصة في عالم اليوم فإن اتقاء الشر عبر العزلة يزيد من احتمال التعرض له. وتشترك كل حالات الحماقات السياسية السابقة في أمر واحد ألا وهو الخوف من المستقبل والجهل بسيرورة التاريخ المجتمعي والبشري. ولقد دللت التجربة التاريخية للمجتمعات والشعوب والأمم على أن من غذّ السير إلى الأمام وآمن بمنطق التغير وكان فاعلاً كان أكثر قوة وامتلاكاً لشروط الحياة السعيدة.