إرشادات أسرية العفو في الحياة الزوجية قد تُستساغ المُشاحَنة في الشَّرَاكات الماليَّة بين الناس - وإنْ كان الأولى ترْكها - غير أنَّه لا يُنكر على مَن يحاسِب شريكَه في تجارة أو نحوها ويُوقفه عندَ كل صغيرة وكبيرة حتى لا تضيعَ الحقوق وتتأزَّم العلاقات. لكن أن يكونَ ذلك في العَلاقات الاجتماعية والإنسانية فهو أمرٌ غير سائِغ بل شنيع إذ لا بدَّ من العفو والمسامحة فقلَّما يسلم أحدٌ مِن التجاوز والغفلة والنِّسيان فإنْ لم يكن العفوُ فستكون العلاقةُ بين الناس متوتِّرةً وحسَّاسة وقائمة على الخِلاف الدائم. إنَّ العفو إذا غاب عنِ الحياة الزوجيَّة معناه تأزم الحياة وتوسَّع الخِلافات وجرح النفوس والتوتُّر الدائِم والله أعلم بما تَنتهي إليه تلك العَلاقة. والعفو لا يكون ذا قيمة أو تأثير ما لم يكن مِن الطرفين يعفو هذا إذا هفَا ذاك والعكس وبالطبع وحتى لا تنقلِب الحياة كلها إلى ممارسات خاطِئة لا يكون العفو عن كلِّ شيء فهناك مِن الأخطاء ما يحتاج إلى عِتاب أو توبيخ أو ربَّما تأديب لكن غياب العفو كليةً هو الذي لا يُقبل لأنَّه: مَنْ ذَا الَّذِي مَا سَاءَ قَطّْ...وَمَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ ومِن أهمِّ ثمار العفو بيْن الزوجين: زيادةُ الحب وتقوية العلاقة وزراعة الاحترام وتقبُّل الخطأ وللعفو في الحياة الزوجيَّة طعم وذوق خاص فعندما تأتي الزوجة وقد أخطأتْ خطأً ما أو قصرتْ في حاجة مِن حاجات زوْجها وتقدم اعتذارها فيعفو الزوجُ عنها وكلُّه انشراح وسرور باعتذار زوجته والتي أشعرتْه أنها لم تكن تتعمَّد الخطأ والتقصير وتعود الزوجةُ وهي تطير فرحًا بعفو زوْجها فقد تفهَّم موقفها ولم يجعلْ من خطئها وتقصيرها بابًا وعذرًا لإيذائها ولم يستغلَّه استغلالاً بشعًا فيذيقها الأمرَّيْن: مرارةَ الخطأ ومرارةَ عدم قَبول الاعتذار. وكذلك الزوجة التي تجِد مِن زوجها تقصيرًا في حقّ مِن حقوقها وهي تعلم عدمَ تعمُّده لذلك لكنَّه أخطأ فلم ترفعِ الدنيا ولم تُقعدها في وجهه بل عفَتْ قبل أن يعتذِر فكيف إذا اعْتذر؟ لا غِنى عن العفوِ للزَّوْجين وإلا فستكون الحياة جحيمًا لا يُطاق وضرورة العفو تبرُز في أمور أهمها: استحالة العِصمة في أيّ من طرَفي المعادلة وطول العِشرة والاطلاع على حالات النَّفْس المختلفة مِن الرِّضا والغضب والفرَح والحزن وللعفو مجالاتٌ كثيرة يجمعها عندَ حصول تقصير أو تعدّ مادي أو معنوي في مطلَب دُنيوي أما في الدِّين وتعدِّي الحدود الشرعية فلا مجالَ للعفو فيها ولا يقبل أصلاً مع القول بأهمية الحِكمة والموعِظة الحَسَنة والصبر على الدَّعوة والتربية مِن طرَف لآخر لكن هذا شيء والعفو شيء آخَر.