من رحم المصالح العسكرية وليس التقارب الأيديولوجي ولدت العلاقة بين تركيا ذات الأغلبية المسلمة وإسرائيل لكنها تتجه نحو تبدل كبير بينما تعيد أنقرة تقييم دورها واحتياجاتها الأمنية في الشرق الأوسط. وكشف الهجوم الإسرائيلي على سفن مساعدات مدعومة من تركيا كانت متجهة إلى غزة مدى تدهور العلاقات بين الحليفتين مما خلق مشكلة للولايات المتحدة التي تعتبر أنقرة شريكا ضروريا في المصالحة بين العالم الإسلامي وإسرائيل. ودعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى معاقبة إسرائيل على ما وصفه »بإرهاب الدولة«. وقال إيان ليسر من صندوق جيرمان مارشال الذي يتخذ من واشنطن مقرا له »العلاقة بين تركيا وإسرائيل كانت نتاج مجموعة خاصة جدا من الظروف لم يعد لها وجود الآن«. تحالف لمواجهة سوريا وإيران وأضاف »كان واضحا أن تركيا وإسرائيل لن تستطيعا الاستمرار في نفس الشراكة الإستراتيجية الآن يجب أن نرى ما تبقى، ما زال بوسعهما العمل معا لكن على نطاق أكثر تواضعا«. ولفترة طويلة ظلت تركيا الدولة المعتدلة العلمانية الحليفة والشريكة التجارية المسلمة الوحيدة لإسرائيل لأنها اعترفت بالدولة اليهودية بعد قيامها عام 1948 بفترةٍ قصيرة. وبدافع من الجيشين التركي والإسرائيلي ازداد التحالفُ قوة في التسعينات حين وقعت الدولتان اتفاقات عسكرية ومخابراتية، في ذلك الوقت كانت لهما رغبة مشتركة هي احتواء سوريا، عدو إسرائيل اللدود، وأثارت سوريا غضب أنقرة أيضا باستضافة انفصاليين من حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل تركيا. ووفرت إسرائيل معدات عسكرية ومعلومات مخابرات عن أنشطة حزب العمال الكردستاني لتركيا التي كادت أن تخوض حرباً مع سوريا في أواخر التسعينات لاستضافة دمشق زعيم الحزب عبد الله أوجلان. ومن جانبها سمحت تركيا لإسرائيل وهي في حالة حربٍ مع سوريا على مرتفعات الجولان والقلقة من جيرانها العرب باستخدام مجالها الجوي وهضبة الأناضول في التدريب العسكري. كما اعتبرت »الأصولية« الإيرانية التي تزامنت مع صعود الإسلام السياسي في المنطقة تهديداً أكثر خطورة من سوريا بكثير على تركيا وإسرائيل، لكن منذ ذلك الحين بدأ التغيير. وفي ظل تراجع حدة عنف حزب العمال الكردستاني والتحسن الكبير في علاقات تركيا مع دمشق وطهران منذ تولي حكومة أردوغان ذات الميول الإسلامية الحكم عام 2002 لم تعد أنقرة تعتبر صلتها بإسرائيل ضرورية لوجودها. وضعُف نفوذ جنرالات تركيا العلمانيين الذين اعتبروا العلاقات الوثيقة مع إسرائيل ترياقا لمكافحة »الإسلام السياسي« في الداخل. وبعد غارة الإثنين على قافلة المساعدات علقت تركيا التدريبات العسكرية المشتركة وسحبت سفيرها من إسرائيل وحشدت مجلس الأمن الدولي لتوبيخها. ابتعاد عن إسرائيل وقال جاريث جينكينز المحلل الأمني الذي يتخذ من اسطنبول مقرا له إن حادث القافلة »رسخ عملية جارية منذ سنوات وهي فقد العلاقة بين تركيا وإسرائيل لأهميتها تدريجيا«. وأضاف »العلاقة كانت على فراش الموت لسنوات ولا أعتقد أن أيا من الدولتين ستخسر كثيرا إذا ماتت«. وقال إن إسرائيل قد تعاني أكثر لخسارة صديقة مسلمة في الشرق الأوسط ولفقدها المجال الجوي التركي الذي يتدرب فيه الطيارون، ولم يعُد بوسع الرأي العام التركي حيث أدى صعود الطبقة الوسطى من المسلمين الملتزمين إلي إضفاء المزيد من الهوية الإسلامية على البلاد بوسعه أن يتسامح أكثر مع السياسات الإسرائيلية اتجاه الفلسطينيين. وأصبح أردوغان بطلاً شعبياً بين المسلمين في تركيا وخارجها بسبب انتقاداته الصريحة لإسرائيل ومع الانتخابات المقرر إجراؤها في جويلية2011 يمكن لرئيس الوزراء تعزيز الدعم لحزب العدالة والتنمية ذي الميول الإسلامية الذي يقوده. ويقول سينان أولغن من مركز اسطنبول للدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية »السماح للقافلة بالانطلاق مؤشر على أن الحكومة تواصل سياسة تصعيد التوتر مع إسرائيل التي تتلاءم مع جدول أعمالها الداخلي«. وقال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الذي عاد من زيارة لواشنطن إن العلاقات يمكن أن تعود لطبيعتها إذا أنهت إسرائيل حصارها البحري لسكان غزة البالغ عددهم 1،5 مليون نسمة، لكن الإخفاق الذي حدث في واقعة القافلة سيصعِّب احتواء الغضب الجماهيري لأن رد فعل الأتراك كان غاضباً وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات لحرق الأعلام الإسرائيلية وهم يكبِّرون. وقال بول سالم مدير برنامج كارنيغي للسلام بالشرق الأوسط ببيروت »سيغير هذا الأجواء في تركيا ويدفع الأمور في اتجاه أكثر تشددا ستضطر الحكومة في الغالب أن تتبع هذا النهج بدرجة ما«. وأشار نايجل اينكستر خبير المخاطر عبر الحدود بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن إلى العلاقة الوثيقة بين المخابرات الإسرائيلية »الموساد« ووكالة المخابرات التركية »امايتي« لكنه رصد ميلا إلى العناد. وقال اينكستر »كما هو الحال عادة في علاقات المخابرات قد تنجو هذه من الانهيار الحالي لكن الاتجاه إلى الابتعاد عن إسرائيل في عهد اردوغان واضح«. وسيعوق انهيار العلاقات بين الحليفتين سياسة الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، وكانت تركيا قد قالت إنها ستعلق أي خطوات للوساطة لاستئناف محادثات السلام غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا. وكانت الولاياتالمتحدةوأنقرة على خلاف بالفعل بسبب إيران، حيث قدمت تركيا والبرازيل اتفاقا جديدا مقترحا للوقود النووي لطهران كبديل دبلوماسي لعقوبات قاسية من الأممالمتحدة تريد واشنطن فرضها. وقال ليسر من صندوق جيرمان مارشال »من الواضح أن هذا سيعقد السياسة الأمريكية بالمنطقة لن يغير علاقة الولاياتالمتحدة مع إسرائيل ولا علاقتها بتركيا لكنه سيجعل السياسة الإقليمية أكثر صعوبة وسيترك أمام واشنطن خياراتٍ أقل«.