إعداد: كريم مادي الراحل عيسى دراوي كرويف العرب.. كثيرون هم اللاعبون الذين أتحفوا الملايين بطريقة أدائهم المميز فوق الميادين لكن في غفلة من الجميع وجدوا أنفسهم وحيدين لا أحدا يواسي أحزانهم.. واحد من بين هؤلاء الراحل عيسى دراوي ابن مدينة سكيكدة الذي دارت به الأيام ليجد نفسه وحيدا بين أبناء بلدته سكيكدة وتلكم هي حكاية من ألف حكاية وحكاية سنسرد لكم البعض منها في حلقة هذا العدد. ولد في مطلع 1950 بمدينة الحروش ولاية سكيكدة هذا هو الراحل عيسى دراوي... ولد عيسى دراوي في مطلع عام 1950 بمدينة الحروش ولاية سكيكدة قبل بلوغه سن الثالثة عشر أبدع الراحل عيسى دراوي في مداعبة الكرة فلفت أنظار الجميع فكان من البديهي أن يشد طريقه إلى شبيبة سكيكدة. استبشر السكيكديون خيرا بطريقة أداء لاعبهم الشاب عيسى دراوي فكانوا ينظرون إليه على أنه النجم القادم في سماء فريقهم وسماء الكرة الجزائرية كون الراحل دراوي كان يجيد تسجيل الأهداف بطريقة عجيبة حيث لم يخلو أي لقاء يخوضه إلا ويسجل هدفين وأحيانا يصل به الأمر إلى تسجيل أكثر من أربعة أهداف لوحده بطريقة بديعة على شاكلة اللاعبين الكبار. ما كان يصنعه دراوي مع الفئات الشبانية سمح له أن يشق طريقه إلى صنف الأكابر لكن فرحة أبناء روسيكادا بنجمهم القادم لم يدم طويلا بعد أن غادرهم إلى فريق مولودية العاصمة وهو الفريق الذي صنع فيه اسما لامعا في تاريخ الكرة الجزائرية. بسبب الخدمة الوطنية دراوي في المولودية قبل انتقال عيسى دراوي إلى فريق مولودية العاصمة كان يرى في هذا الفريق حبه الأول والأخير وكان يقول لزملائه اللاعبين سألعب في يوم ما للمولودية كلام الفتى دراوي سمعه ذات يوم ابن اللاعب الدولي السابق شريف وجاني وهو لاعب سابق في منتخب جبهة التحرير حيث نصحه بعد توصله باستدعاء لأداء الخدمة الوطنية بالعاصمة اللعب لفريق المولودية كيف لا وأن هذا الأخير كان في تلك الفترة أعتى النوادي الجزائرية وأقواها على الإطلاق. الراحل دراوي أخذ نصيحة ابن مدينته وجاني وقبل أن تطأ قدماه العاصمة كان قد عبّد له الطريق أحد مسيّري شبيبة سكيكدة للعب للمولودية العاصمية وهذا في خريف عام 1972. لم يفرح والد عيسى دراوي رحمه الله بانتقال ابنه إلى العاصمة كونه كان يرى في ابنه كل شيء في الحياة لكن عيسى لم يستطع البقاء بالقرب من والده ووالدته بالرغم من حبه الشديد لهما كون الخدمة الوطنية واجب وشرف. رحب انصار المولودية كثيرا بالقادم إلى فريقهم عيسى دراوي حيث سبقت شعبية عيسى دراوي قبل انضمامه إلى العميد نظرا لما كان يصنعه من فرجة ومتعة في شبيبة سكيكدة خاصة وأنه كان يجيد اللعب بالقدمين وبالرأس الأمر الذي مكنه من فرض وجوده بقوة في المولودية وسط نخبة من اللاعبين الكبار نذكر منهم باشي وياشطا. كان لانضمام دراوي للعميد فأل خير على هذا الأخير حيث حصل على كأسين للجزائر وكلاهما كان أمام الجار اتحاد العاصمة كما حاز مرتين على البطولة الوطنية كما نال كأس المغرب العربي للأندية البطلة. نهائي كأس إفريقيا للأندية سنة 1976 دراوي واليوم الموعود مع المولودية في أول مشاركة لفريق مولودية العاصمة في المنافسات القارية وهذا في عام 1976 تمكن نجوم هذا الفريق بقيادة الراحل عيسى دراوي من ولوج المباراة النهائية لذات المنافسة بعد أن أزاح الفريق من طريقه العديد من النوادي الكبيرة ليجد نفسه في المحطة الأخيرة وجها لوجه مع حامل ألكأس نادي حافيا وكناكري. شارك عيسى دراوي في مواجهة الذهاب لكنه لم يقدم الشيء المنتظر منه والسبب يعود إلى الأجواء المشحونة التي جرت فيها المباراة زد إلى ذلك الانحياز الفاضح لحكم اللقاء الأمر الذي جعل فريق المولودية يعود من العاصمة الغينية كوناكري بهزيمة وصفت بالثقيلة 3/0 لكن وبما أن المولودية كان يلعب لها نجوم كبار نخص بالذكر عيسى دراوي لم يفقد محبو هذا النادي الكبير الأمل فجاءت مباراة العودة التي جرت بملعب 5 جويلية في أمسية باردة جدا أمام أكثر من 80 ألف متفرج كما تمناها كل الجمهور الرياضي الجزائري وقدم فيه الراحل عيسى دراوي واحدة من أحسن المقابلات التي لعبها عبر مسيرته الكروية فحتى وإن لم يسجل أي هدف من الأهداف الثلاثة التي انتهت بها المباراة والتي حسمها العميد لمصلحته بضربات الجزاء إلا إن ابن مدينة سكيكدة كان وراء الأهداف الثلاثة التي وقع منها بتروني هدفين. وفور انتهاء ضربات الجزاء راح الراحل عيسى دراوي يرفع يديه إلى السماء وهو يشكر الله ليس على تتويج المولودية بالكأس بل لعودة هذا العدد الهائل من الجماهير إلى ديارهم وهم يتغنون بحياة العميد وباللاعبين. دراوي واعترافا لما قدمه طيلة التسعين دقيقة راح زملاؤه يرفعونه فوق أكتافهم وهم يرددون بحياته صور لم تغب من مخيلة الراحل إلى اللحظة التي رفعت روحه إلى العلي القدير. 28 أوت 1975 دراوي ولقاء العمر أمام فرنسا سنة قبل تتويج دراوي بكأس إفريقيا للأندية البطلة كان قد ساهم بتتويج الفريق الوطني بالميدالية الذهبية لدورة الألعاب المتوسطية التي احتضنتها بلادنا في خريف عام 1975. أمام حوالي 80 ألف جزائري احتشدوا بمدرجات الملعب الأولمبي دخل عيسى دراوي ميدان ملعب 5 جويلية وسط هتافات العشرات من حناجر الجمهور الجزائري وهم يهتفون بحياة اللاعبين وبحياة الرئيس الراحل هواري بومدين وعلى ذكر هذا الأخير كان يرى في ابن مدينة سكيكدة احد لاعبيه المفضلين على غرار عمر بتروني وعلى بن شيخ. لقاء الجزائر مع المنتخب الفرنسي ذكّر الراحل عيسى دراوي ما قاله والده عشية اللقاء نحن هزمنا فرنسا في الجهاد وأنتم تهزمون فرنسا في كرة القدم هاته الكلمات كانت مدوية في قلب اللاعب دراوي فكان يسأل نفسه كيف سيكون مصيرنا لو نخسر اللقاء النهائي وضد منْ.. ضد المنتخب الفرنسي فرنسا التي قهرت أباءنا وأجدادنا واستعملت شتى أنواع القمع ضدهم حان الوقت للثأر منها. قدم عيسى دراوي لقاء في القمة وكان في نظر الكثير من التقنيين والاختصاصيين القلب النابض للخضر بفضل تحركاته وحسن انتشاره فوق المستطيل الأخضر. ما إن أعلن الحكم نهاية اللقاء بفوز الجزائر على المنتخب الفرنسي غمرت عينا دراوي دموعا ولم يتمالك نفسه حيث راح يبكي بكاء الصبيان على هذا الفوز التاريخي الذي أعاد البسمة للجزائريين وكان يرى دراوي في هذا الفوز بمثابة ثار لفرنسا التي قهرت الجزائريين واستعبدتهم لأكثر من قرن و32 سنة واعترافا منه لما قدمه في المباراة النهائية راح الرئيس الراحل هواري بومدين يقبل خدي عيسى دراوي قبلات حارة وهو يقول له كنت رائعا يابني أمام فرنسا. بسبب نداء الوالدين دراوي يعود من حيث قدم إلى المولودية بعد الذي فعله الراحل عيسى دراوي مع كل من مولودية العاصمة والمنتخب الوطني قرر العودة إلى الوكر الذي طار منه إلى العاصمة وهو فريق شبيبة سكيكدة ليس لتدني مستواه بل تلبية لنداء والديه حيث كان والديه بحاجة إلى ولدهما عيسى ليكون بقربهما بعد أن ساءت حالتهما الصحية. عيسى دراوي وبعد أن لقي معارضة شديدة من طرف إدارة المولودية هددها أنه سيعتزل الكرة إن لم يحصل على أوراق تسريحه للانضمام إلى فريقه الأصلي شبيبة سكيكدة. مرض والديه عيسى دراوي فقد لذة اللعب مرض والديه افقد عيسى دراوي لذة اللعب حيث أدهش دراوي محبيه لمستواه الضعيف إلى درجة انه بات لاعبا عاديا في الفريق ومما زاد في تدني مستواه هو غيابه عن التدريبات فكان من البديهي إن يفقد مكانته الأساسية في التشكيلة السكيكدية. دهشة السكيكديون بتراجع مستوى ابنهم المدلل عيسى دراوي سرعان ماعرفوا سره وهو مرض والديه وبما إن الابن عيسى كان يرى في والديه كل شيء في الحياة كان يقضي جل أوقاته في المنزل بالقرب منهما. صدم بوفاة والده دراوي أصيب بانهيار عصبي بعد إن فقد دراوي حب ممارسة كرة القدم في فريقه شبيبة سكيكدة صدم بوفاة والده وبعدها ببضع أشهر صدم بوفاة والدته وبما أن دراوي كان يرى في والديه نعم الحياة زادت حياته اكتئابا حتى زوجته التي يجب أن تواسي زوجها وتخفف عنه آلامه طلبت منه الطلاق فوجد الراحل عيسى دراوي نفسه وحيدا لا أب ولا أم ولا شريكة حياته التي أحبها وسهر الليالي من اجل إن يتزوجها لكن حين اشتدت به المتاعب تركته وحيدا حتى أبنائه الثلاثة أخذتهم الزوجة إلى بيت والديها ودون رجعة. سبحان الله عيسى فنان الملاعب الذي قال عنه الراحل هواري بومدين بعد لقاء فرنسا أنت بطل كأبطال الثورة التحريرية بات وحيدا في بيته لا أب ولا أم ولا زوجة ولا أبناء ياله من وضع عيسى يتعرض الى انهيار عصبي كان ذلك في مطلع الثمانينيات لينقل إلى إحدى المصحات الاستعجالية ونظرا لتدني حالته الصحية امر الأطباء بنقله إلى مستشفى الحروش للأمراض العقلية ودام به المقام طويلا وهو المستشفى الذي شاء القدر أن ينقل إليه مرة ثانية. 7 أفريل 1994 زملاء دراوي تذكروه في مباراة خيرية بسكيكدة في ظل التهميش والنسيان الذي عاني منه عيسى دراوي من طرف المعنيين بالأمر بعد الذي ابتلاه به الله عز وجل راح زملاء دربه في فريق مولودية الجزائري تقيم على شرف زميلهم عيسى دراوي مباراة تكريمية وهذا في السابع من شهر أفريل بملعب حمروش حمادي بمدينة سكيكدة شارك فيها العديد من اللاعبين الكبار الذين قدموا الكثير للكرة الجزائرية في عز أيامهم نذكر كل من صالحي والساسي وسريدي وعطوي وتاجات ورابط وعلى مسعود وبلومي اضافة إلى نجوم المولودية المتوجين بكأس إفريقيا لعام 1976. دراوي وبالرغم من حالته الصحية شارك في اللقاء الكروي إلى جانب زملائه في المولودية وسجل في الأنفاس الأخيرة هدفا من ضربة جزاء وهو آخر هدف يوقعه عيسى دراوي في لقاء كروي قبل إن ينال منه المرض من جديد وتنتقل روحه الطاهرة إلى الرفيق الأعلى. 23 جويلية 2006 وداعا عيسى دراوي في صبيحة يوم الثالث والعشرون من شهر جويلية عام 2006 استيقظ أبناء مدينة روسيكادا على خبر مفجع وأليم وفاة أحد أساطير كرة القدم الجزائرية وصانع أمجاد الفريق الوطني في دورة الألعاب المتوسطية عام 1975 ألا وهو عيسى دراوي عن عمر يناهز 56 عاما تاركا وراءه طفلتين. رحل صاحب القامة القصيرة الذي أحبه الرئيس الراحل هواري بومدين غادرنا عيسى دراوي والى الأبد لكن ابداعاته ولمساته الكروية لن تغادرنا وستبقى خالدة في أذهان الجزائريين كيف لا وان الكثير من أهداف دراوي تعد من بين الرموز التي صنعت أمجاد الكرة الجزائرية رحم الله عيسى دراوي وأسكنه فسيح جناته العالية...