أساطير كرة القدم الجزائرية (الحلقة ال16) إعداد: كريم مادي عبد القادر حر.. الجنتلمان رحلتنا مع أمجاد الكرة الجزائرية تتواصل حيث سنتعرف في حلقة اليوم عن مسيرة الجنتلمان عبد القادر حر اللاعب الذي صنع بأقدامه الذهبية مجد ديناميكية البناء. ولد عبد القادر حر عام 1953 أي قبل سنة من اندلاع الثورة التحريرية المجيدة بالجزائر العاصمة حر لا يزال يتذكر تاريخ الخامس جويلية 1962 حين منحه والده العلم الجزائري وراح يحتفل كما احتفل جميع الجزائريين بخروج المستعمر بعد قرن و32 سنة من الاحتلال. بدأ مسيرته الكروية في سن الرابعة عشر من مهاجم أيسر إلى حارس مرمى في كرة اليد لم تختلف بداية عبد القادر حر مع كرة القدم عن الكثير من اللاعبين الجزائريين الذي راحوا يداعبونها في الشوارع والأزقة حيث كان واحد من بين اللاعبين الشبان الذين كانوا يجيدون الساحرة . كانت بداية عبد القادر حر مع كرة القدم كمهاجم أيسر حيث كان يجبد مداعبة الكرة بقدمه اليسرى فسجل العديد من الأهداف في فريق حييه ولا يزال يتذكر حر أكثر من هدف وقعه في شباك الفرق التي لعب ضدها حيث كان يمتاز بالسرعة الفائقة وبحدسه الكبير. في سن الرابعة عشر أي في عام 1967 فاجأ حر أبناء حييه لقلاسيار باختياره اللعب لفريق دينامكية البناء الذي كان تحت وصاية الجيش الشعبي الوطني وجد حر في فريق الدينامكية جميع الإمكانيات التي يتمناه أي لاعب كرة كان الأمر الذي جعله يفجر طاقته المكبوتة لكن المفاجأة الكبرى التي فجرها هذا اللاعب هو انتقاله إلى لعبة كرة اليد وكحارس مرمى في الديناميكية وهو الفريق الذي سيصنع أمجاده فيما بعد كمدافع حر. قاد عبد القادر حر أواسط الديناميكية لكرة اليد إلى الدور نصف النهائي لكأس الجزائر لكن الحظ خانه في المربع الذهبي من ولوج المقابلة النهائية نظرا لقوة فريق شبيبة سكيكدة يقيادة اللاعب مخناش. واصل عبد القادر حر مع تشكيلة الديناميكية لكرة اليد إلى أن تمت ترقيته إلى صنف الأكابر وعمره 17 سنة وبقي وفيا لهذه اللعبة إلى غاية عام 1974 وهي السنة التي غيّرت مجرى الشاب عبد القادر حر الذي كان حينها يبلغ من العمر 21 سنة. حر والمدرب لعليلي كما سبق الذكر بعد بلوغ عبد القادر حر سن العشرين طالب منه مدرب كرة القدم لفريق الديناميكية أن ينتقل إلى لعبة كرة القدم لكن المفاجأة الكبيرة هو بعد أن اختار له المدرب لعليلي منصب قلب دفاع. رغم انتقال عبد القادر حر إلى لعبة كرة القدم واصل مداعبة كرة اليد كحارس مرمى كونه كان مغرما بهذه الرياضة إلى درجة أنه رفض ذات يوم مرافقة فريق كرة القدم لخوض مباراة ودية في البليدة أمام الفريق المحلي لكن الهزيمة القاسية التي مني بها فريق الديناميكية 4/0 أغضبت مدرب الفريق لعليلي وحذره من مغبة تكرار فعلته وإلا سيكون جزاءه الطرد من الفريق. عبد القادر حر وبما أنه كان يهوى كلا اللعبتين حارس مرمى في كرة اليد ومهاجم أيسر في كرة القدم لم يجد أي صعوبة باختياره اللعبة الأكثر شعبية في العالم كرة القدم لكن وجد نفسه كقلب دفاع بعد أن لاحظ المدرب لعليلي صفات المدافعين الكبار. حر وبما أنه كان يحترم قرارات مدربيه لم يعارض اختيار مدربه لعليلي وراح يداعب الكرة في هذا المنصب فأجاد ممارستها بطريقة جعلت كل من شاهد الفتى حر وهو في منصب مدافع أعجب بطريقة لعبه التي كانت تمتاز بالجدية والصرامة وحبه للفوز فمنذ صغره كان لا يرضى عبد القادر حر بالخسارة إلى درجة أنه كان يخرج من الملعب وعيناه تسيل دموعا بعد كل خسارة يمنى بها فريقه. قدمان من حديد بالرغم من عدم ممارسته كرة القدم ضمن الأصناف الشبابية إلا أن عبد القادر حر استطاع أن ينسي الجميع في ماضيه اللاشيء في كرة القدم كونه كان حارس مرمى في كرة اليد. طريقة أدائه المميزة وحبه للفوز جعلت منه المدافع الذي يخشاه المهاجمون حيث كان يشكل بمفرده الحارس الأمين لجميع الحراس الذي لعبوا بجانبه في الديناميكية. كانت أقدام عبد القادر أشبه بالحديد الصلب فحتى وإن اشتكى الكثير من اللاعبين بطريقة أداء عبد القادر حر إلا أن طريقته كانت ضمن أخلاقيات اللعبة وقد أشاد به أكثر من مدرب لكن المدرب الذي له الفضل الكبير لما وصل اليه عبد القادر حر فيما بعد هما الثنائي بلامين وتيكانوين الذين أشرفا على تدريبه في فريق الدينامكية ولا يزال حر يعتبر هذين المدربين إلى وقتنا الحاضر أحسن من المدربين الذين أشرفوا عليه خلال مسيرته الكروية الطويلة. البداية من سنة 1975 حر والمنتخب الوطني بعد اندماجه الفعلي في رياضة كرة القدم في منصب قلب دفاع وبعد المستوى الراقي الذي كان يقدمه عبد القادر حر فوق الملاعب كان من البديهي أن يشق طريقه إلى المنتخب الوطني. أول مدرب وجه له دعوة حمله للألوان الوطني هو الراحل معزوزة ابن مدينة البليدة حيث استدعاه إلى منتخب الآمال وعمره 22 سنة وهذا إلى جانب نخبة من اللاعبين الذين شكلوا فيما بعد النواة الحقيقة للمنتخب الوطني الأول نذكر منهم علي فرقاني ومحمود قندوز والتاج بن سحاولة وعلي بن شيخ. تزامن استدعاء عبد القادر حر إلى المنتخب الوطني مع الاستعدادات التي كان يقوم بها المنتخب الأول بقيادة رشيد مخلوفي إلى دورة الألعاب المتوسطية التي احتضنتها بلادنا عام 1975 والتي توج هبيتها شبان الجزائر بتغلبهم على المنتخب الفرنسي للآمال 3/2 بعد الوقت الإضافي. لعب عبد القادر حر أول مباراة بالألوان الوطنية أمام المنتخب البوركينابي وهو اللقاء الذي أبهر فيه المتتبعين بطريقة لعبه القتالية حيث وقف سدا منيعا في وجه اللاعبين البوركينابيين الأمر الذي مهد له الطريق فيما بعد لترقيته إلى المنتخب الوطني الأول. بعد الذي حدث لمنتخبنا الوطني أمام نظيره التونسي وخروجه من مونديال الأرجنتين الذي كان أمل كل الجزائريين آنذاك تمنى الجميع رؤية اللاعب عبد القادر حر ضمن التشكيلة الوطنية فسمع المدرب الوطني آنذاك خالف محيي الذين الذي أسندت له مهمة تدريب المنتخب خلفا لرشيد مخلوفي فوجه الدعوة لعبد القادر حر تحسبا للقاء الودي الذي خاضه منتخبنا الوطني في السابع جانفي من عام 1978 أمام المنتخب العراقي ببغداد بعدها بأيام لعب حر أول لقاء له في الجزائر مع المنتخب الوطني وهذا أمام فريق بايرن ميونيخ بقيادة نجمه الكبير برايتنار وهو اللقاء الذي زاد من شهرة هذا المدافع بعد أن كان طيلة اللقاء ظلا للمهاجم الألماني غيرد موللر حيث شل جميع حركاته. بقي عبد القادر حر ضمن المنتخب الوطني إلى غاية مونديال اسبانيا عام 1982 وهو المونديال الذي لم يشارك في أي لقاء لكن رغم ذلك يصف حضوره إلى العرس العالمي ودخوله احتياطيا في اللقاء الثالث أمام الشيلي واحدا من أحسن ذكرياته الكروية. قبل مونديال الأندلس بإسبانيا عام 1982 شارك حر في الكثير من المباريات الودية والرسمية حيث كان ضمن التشكيلة المتوجة بالميدالية الذهبية لدولة الألعاب الإفريقية التي جرت ببلادنا عام 1978 كما نال الميدالية البرونزية للألعاب المتوسطية بمدينة سبيليت اليوغسلافية سابقا وهذا عام 1979. تنقل إلى لاغوس في طائرة خاصة لخلافة قندوز المصاب حر وكأس أمم إفريقيا عام 1980 نصل الآن إلى دورة كأس أمم إفريقيا الثانية عشر التي احتضنتها جمهورية نيجيريا في ربيع عام 1980 فقبل شهر من انطلاق الدورة فاجأ المدرب الوطني آنذاك محيي الدين خالف الجمهور الرياضي بوضع اسم عبد القادر حر ضمن القائمة الإضافية. حر تأثر بخلو اسمه من قائمة اللاعبين ال 22 للمنتخب الوطني التي أرسلتها الاتحادية إلى الاتحاد الإفريقي لتمثيل الجزائر في ثاني مشاركة للمنتخب الوطني في تاريخ الجزائر المستقلة في الأدوار النهائية لكأس أمم إفريقيا بعد دورة إثيوبيا عام 1968. شاءت الأقدار أن دموع التأثر التي أذرفها اللاعب عبد القادر حر الذي كان يلقب حينها 27 سنة فبعد أن كسب منتخبنا الوطني تأشيرة عبوره إلى المربع الذهبي قبل لقائه الأخير بتفوقه على المنتخبين الغاني والمغربي بنفس النتيجة هدف لصفر كان اللقاء الثالث أمام المنتخب الغيني أشبه بالتحضيري للقاء الدور النصف النهائي . لكن شاءت الأقدار أن يتعرض المدافع محمود قندوز إلى إصابة بليغة في مواجهة غينيا أخرجته من الدورة قبل الأوان لم يجد حينها المدرب خالف محيي الدين سبيلا لتعويض الفراغ الذي سيتركه محمود قندوز خاصة وان اللقاء الموالي كان ضد المنتخب المصري بنجومه الكبار بقيادة محمود الخطيب. ونظرا لعدم وجود رحلة مباشرة من الجزائر إلى مدينة ايبدان التي سيواجه فيها منتخبنا الوطني نظيره المصرية في الدور قبل النهائي خصصت وزارة الشباب والرياضة طائرة خاصة أقلت المدافع حر مباشرة إلى نيجيريا للمشاركة في مباراة مصر قد يتساءل البعض لماذا سمح بمشاركة اللاعب عبد القادر حر في مواجهة مصر وهو الذي لم يرافق الفريق الوطني إلى نيجيريا نقول أن اسم هذا اللاعب كان ضمن قائمة ال 40 لاعبا التي أرسلتها الاتحادية إلى الكاف قبل ثلاثة أشهر من انطلاقة الدورة. قبل 48 ساعة من مواجهة مصر حل عبد القادر حر بمدينة أيبادان النيجيرية وكان في استقباله المدرب خالف محيي الدين وطاقمه الفني ما أن التحق حر بالمنتخب راح يخوض آخر التدريبات الاستعدادية تحسبا للمباراة التاريخية أمام مصر. لعب حر مواجهة مصر فقدم مباراة جيدة تصدى فيها لكل حملات زملاء محمود الخطيب فبعد انتهاء اللقاء في وقته الإضافي بالتعادل هدفين لمثلهما احتكم المنتخبان إلى الضربات الترجيحية التي ابتسمت لمنتخبنا بعد التصدي النجاح للحارس مهدي سرباح لضربتي المصريين. اللقاء النهائي وكما أراده النيجيريون خسره منتخبنا الوطني بنتيجة وصفت بالثقيلة 3/0 لكن رغم الخسارة إلا أن عبد القادر حر قدم مباراة جيدة. من ذاكرة الجنتلمان محطات لا تُنسى من مسيرة عبد القادر حر شارك عبد القادر حر إلى جانب نجوم كرة القدم الجزائرية في دورة اولمبياد موسكو التي جرت في صائفة عام 1980 وكان له شرف تأهل منتخبنا الوطني إلى الدور الثاني بعدها مباشرة شارك حر في جل المباريات الاقصائية لكل من كأسي أمم إفريقيا بليبيا ومونديال اسبانيا في نفس العام 1982. ولا زال يصف عبد القادر حر مونديال اسبانيا واحدة من أحسن ذكرياته الكروية كما سبق الذكر لكن على العكس من ذلك يتأسف حين يتذكر دورة ليبيا بعد أن أضاع منتخبنا الوطني الكأس القارية التي كانت قاب قوسين أو أدنى من أيدي اللاعبين الجزائريين. ذاق حلاوتها في غيابه وحُرم منها بحضوره عبد القادر حر وكأس الجزائر في الوقت الذي كان فيه الجمهور الرياضي الجزائري يتلذذ بنشوة الفوز التاريخي لمنتخبنا الوطني على نظيره الألماني بهدفين لواحد في اول مشاركة لمنتخبنا في الأدوار النهائية لكأس العالم كانت عناصر الديناميكية والنصرية الملاحة آنذاك تستعد للقاء الفاصل بينهما من اجل الفوز بكأس الجزائر ال19. حر غاب عن هذا اللقاء التاريخي كما غاب عنه من جانب النصرية كل من ماجر ومرزقان ومحمود قندوز وياسين بن طلعة كون الجميع كانوا ضمن التشكيلة الوطنية المشاركة في مونديال. حر وبالرغم من غيابه عن اللقاء النهائي الا أن زملاءه في فريق الديناميكية أمثال خلوفي ودمدوم وجنادي واولمان والحارس سعدود تمكنوا من قهر النصرية بهدفين لواحد. ثلاث سنوات من بعد قاد حر فريقه إلى المباراة النهائية لكأس الجزائر بإقصائه لوفاق سطيف بملعب أول نوفمبر بتيزي وزو وهو الفوز الذي قاد الديناميكية إلى المباراة النهائية أمام مولودية وهران بملعب اول نوفمبر بباتنة لكن في الوقت الذي كانت المباراة تسير نحو النهاية مراد مزيان من جانب الحمراوة يعدل النتيجة بهدف مشكوك في شرعيته ليلجأ الفريقان إلى الوقت الإضافي مكنت سرباح من جانب مولودية وهران من إضافة الهدف الثاني وهو الهدف الذي حرم الديناميكية من الصعود إلى منصة التتويج. لا تسأله عن أسوأ ذكرياته الكروية شهادة وفاة الديناميكية.. إذا التقيت الجنتلمان عبد القادر حر ننصحك أن لا تسأله عن أسوأ ذكرياته الكروية كونك تذكره بفريقه الأبدي ديناميكية البناء الفريق الذي أفنى شبابه فيه حيث ظل وفيا لألوان الصفراء والسوداء رافضا الكثير من العروض التي توصل بها من أندية محلية وأجنبية لا لشيء وإنما لمدى حبه لهذا الفريق زد على ذلك أن فريق الديناميكية وفر له كل شيء الأمر الذي يجعله لا يتذكر هذا الفريق نظرا للطريقة التي اغتيل بها إذ قتل في وضح النهار فقالوا مات وتلكم هي قصة سبق وأن حدثناكم عنها في ثاني حلقة من هذه السلسلة. مات فريق الديناميكية في عام 1989 لكن الجنتلمان عبد القادر حر لم يتوقف عن مداعبة رياضته المحبوبة حيث واصل مداعبتها في المباريات الرسمية إلى غاية بلوغه سن الخامسة والأربعين مع فريق حييه شباب لقلاسيار لكن وكما يقال لكل بداية نهاية وضع حر حدا لمسيرته الكروية في عام 1998 ليختفي اسمه من الخارطة الكروية لكن حتى وإن تنساه الجيل الحالي إلا أن التاريخ لن ينسى ما قدمه هذا اللعب للكرة الجزائرية ارتأينا أن نعيد سرد حياة هذا المدافع الفذ الذي لم تعرف ملاعبنا مثله منذ اغتيال فريقه الأبدي الدينامكية.